أحدث الأخبارلبنانمحور المقاومة

حوار ماكرون نصرالله.. العودة إلى الحريري؟

مجلة تحليلات العصر

خاض الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله هذه الليلة حواراً لا مثيل له مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.. والنتيجة متروكة للرأي العام، وإن كان لبنان الذي منازله كثيرة، سيقرأ هذا الحوار، إستناداً إلى مواقف مسبقة، مع هذه الجهة أو تلك. لكن ماذا بعد الخطابين؟
أولاً، إستخدم ماكرون لغة قاسية وتعبيرات أقسى كان أعنفها “الخيانة”، بالمقابل، فإن نصرالله إستخدم لغة هادئة بمضمون قاسٍ جداً. بدا أن الإثنين يتبادلان الأدوار في التخاطب. درجت العادة أن يكون الفرنسيون أكثر تهذيباً ودبلوماسية في إختيار مفرداتهم، وفي المقابل، لم يرفع الأمين العام لحزب الله إصبعه، لكنه قال للرئيس الفرنسي بشكل واضح: خطابك الأخير مرفوض شكلاً ومضموناً. إذا كانت هذه هي المبادرة الفرنسية، فنحن لم نعد ملتزمين بها، لكن إذا دققنا بمندرجات ما قدمتموه لكل المتحاورين في جلستي قصر الصنوبر، فنحن أمام نسخة مختلفة عن المبادرة الفرنسية. لذلك، عليكم أن تعيدوا النظر فيها شكلاً ومضموناً. بالشكل لا نقبل هذه اللغة من التخاطب والإستعلاء بل ندينها فنحن لم ننصبك حاكما أو وصيا أو ولياً. ضمناً هذه رسالة لكل الإدارة الفرنسية للملف اللبناني، وهي إدارة بدت ضعيفة ومربكة ولا تحيط بالتفاصيل، بعكس ما أوحت به للرأي العام في الأيام الأولى، وذلك على عكس الورقة الفرنسية الإقتصادية التي أعدها السفير الفرنسي بيار دوكان، الذي لم يكن جزءاً من المبادرة السياسية التي تولاها الخماسي الفرنسي الذي إكتفى بالعموميات، وصار مطلوباً منه اليوم أن يعمل على صياغة المبادرة السياسية وأن تلم بكل التفاصيل حتى لا تسقط نهائياً، “فالمقدمات الخاطئة تؤدي إلى نتائج خاطئة”، كما قال نصرالله.

ثانياً، ترك نصرالله الباب مفتوحاً أمام ماكرون “الصديق والحبيب الفرنسي”، لكنه رهن ذلك بخارطة طريق جديدة، لكأنه يقول له أمامك فرصة جديدة (أقله بالشكل) لكن هذا يتطلب منك أن تعيد النظر في كل نقاط ضعف المبادرة وترجمتها إلى إرادة سياسية ونحن عندئذٍ سنلاقيك ونواصل التسهيل، لا بل الرهان على نجاح المبادرة الفرنسية، لكن لا يمنعك ذلك من التفتيش عن حقيقة من عرقل وسهل.. والدليل العقوبات الأميركية.

ثالثاً، قال نصرالله إننا لن نعطي أحداً شيكاً على بياض. موسم التنزيلات والتنازلات قد إنتهى. إذا كان هدف المبادرة الفرنسية إخراج حزب الله من الحكومة أو أن لا يكون شريكاً في صياغتها أو بتسمية أحد من الوزراء فيها، فهذا الأمر لن يكون بمتناولكم أبداً. يقود ذلك الفرنسي إلى إعادة صياغة مبادرته دولياً وإقليمياً، فإذا كان الأميركيون يضعون ذلك شرطاً (إقصاء حزب الله بالكامل)، فإن المبادرة الفرنسية تكون في حكم المنتهية ولو لم يصدر بيان نعيها السياسي بشكل واضح حتى الآن.

رابعاً، صحيح أن ماكرون إنتقد الرئيس سعد الحريري مباشرة، عندما إتهمه بإقحام شرط المداورة من خارج مندرجات المبادرة الفرنسية، لكن نصرالله مارس التقية السياسية أو بالأحرى التورية في معرض التخاطب مع سعد الحريري. ركز نصرالله سهام إنتقاداته على نادي رؤساء الحكومات الأربعة (الحريري ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام). كان القصد من التركيز على “النادي” تحييد الحريري والتصويب أكثر على “عصب” النادي السياسي، وهو ليس خافياً على أحد، لكن نصرالله تعمد عدم التسمية.

خامساً، هذه النقطة الأخيرة، تبقي أبواب المبادرة الفرنسية مفتوحة أمام إعادة تعويم خيار سعد الحريري مرة جديدة، وكان لافتاً للإنتباه رد نصرالله على قول الحريري إنه سيتجرع السم (قبوله أن تكون وزارة المالية لمرة واحدة للطائفة الشيعية)، بأننا لا نتمنى لك ذلك ونقول لك: سلامة قلبك.

هذا الخيار، اي إعادة تعويم الحريري، يمكن أن يشكل فرصة كبيرة لماكرون ولكل الداخل اللبناني، لكن شرط أن يحظى بضوء أخضر أميركي، وهنا ستخضع المسألة إلى حسابات جديدة، ليس معروفاً إذا كان الوقت الفاصل عن موعد الإنتخابات الأميركية سيكون كافياً من أجل الخوض في حسابات الربح والخسارة فيها.. طبعاً من دون التقليل من حجم الإعتراض السعودي. وهنا يسجل لرئيس المجلس نبيه بري أنه إذا أنجز الإتفاق ـ الإطار لمفاوضات الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، سيحيل الملف سياسياً إلى الحكومة (الحريري ضمناً وهذا أمر يريح الأميركيين) وتقنياً إلى قيادة الجيش اللبناني (أيضاً الأمر مريح للأميركيين).

سادساً، إذا تعذر خيار سعد الحريري، ثمة إحتمالات موجودة على الطاولة أبرزها نجيب ميقاتي الذي أطلق مبادرة مستقلة بمعزل عن “النادي” (6 وزراء سياسيين و14 وزيرا إختصاصياً)، فإذا تبناها الحريري تصبح حظوظه كبيرة، وإذا رفضها يمكن لميقاتي نفسه، أن يمضي بها، لكن شرط أن تحظى بغطاء دولي (تحديداً أميركي).

سابعاً، قال نصرالله لماكرون أنت تقول لنا هذه فرصتكم للإنقاذ الإقتصادي ولفترة محددة. أعطيكم أياها لكن أعطوني مقابلها حكومة بشروطي. هذه النقطة لا يبدو أنها محسومة في أدبيات حزب الله. من يضمن أن الوضع لن يكون أسوأ مما هو عليه؟ ثم من قال أن النتيجة محسوبة بدقة؟

ثامناً، على الفرنسيين ألا يغيبوا الحسابات المستقبلية: هل هناك عاقل في الفريق الفرنسي المعني بالمبادرة يمكن أن يتصور أن حزب الله يمكن أن يقرر إرسال ممثل له إلى مؤتمر للحوار في العاصمة الفرنسية أو سان كلو أي مكان آخر على الأرض الفرنسية، بما في ذلك على أرض قصر الصنوبر في بيروت، إذا لم يعيدوا النظر بطريقة تخاطبهم مع حزب الله، وهذا الأمر بالنسبة إلى نصرالله ليس أمراً شكلياً، والدليل قرار فتح أبواب المستودعات التي إدعى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أن حزب الله حولها إلى مخازن للصواريخ، أمام الإعلاميين وعلى الهواء مباشرة، والأهم من ذلك تعميم إعلام حزب الله نص الإستفتاء الذي شهده الإعلام الإسرائيلي هذه الليلة وأظهر أن 91% في المئة من الإسرائيليين يصدقون نصرالله مقابل 9% يصدقون نتنياهو!

هذه إنطباعات أولية حول حوار ماكرون ونصرالله.. هل هناك حكومة في الأفق القريب. للبحث صلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى