أحدث الأخباراليمنمحور المقاومة

دبلوماسية صنعاء.. وهج الانتصار رغم العدوان والحصار

مجلة تحليلات العصر الدولية - عبد الفتاح علي البنوس / مجلة يمن ثبات

يوما بعد آخر تثبت سلطة صنعاء للعالم قاطبة أنها الشرعية اليمنية الحقيقية، الشرعية المعبرة عن إرادة اليمنيين،لا شرعية الفنادق المعبرة عن إرادة الغزاة والمحتلين، الشرعية التي تقف في صف الوطن والشعب، وتسخر كل طاقاتها من أجلهم، الشرعية التي تمتلك قرارها وإرادتها، ولا تخضع للهيمنة الخارجية بشقيها السعودي والإماراتي، الشرعية التي تقاتل دفاعا عن الأرض والعرض والشرف والكرامة، لا تلك التي تشرعن للغزو والاحتلال والوصاية والهيمنة الخارجية على الثروات والمقدرات الوطنية، الشرعية التي ما فتئت طيلة ما مضى من سنوات العدوان والحصار صامدة، تقارع تحالف العدوان، وتوجه له الصفعات الواحدة تلو الأخرى بفضل الله وعونه وتأييده، الشرعية التي نجحت في خلق تغيير ملحوظ في مسار المواجهات من خلال تنامي القدرات الدفاعية اليمنية المضطرد، والانتقال من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم فيما يتعلق بالجانب العسكري.

هذا التفوق العسكري والمتغيرات المصاحبة له على المستويين السياسي والعسكري فرضت على التحالف والمجتمع الدولي الاعتراف بفشل الحل العسكري، والتأكيد على أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لحل الأزمة اليمنية، إلا أن المصالح الأمريكية تقف سدا مانعا للحيلولة دون الذهاب للحل السياسي؛ بغية الحصول على المزيد من الأموال السعودية والإماراتية، وسنحاول في هذه التناولة التوقف عند واحد من الملفات المهمة الذي نجحت سلطة صنعاء الممثلة للشرعية اليمنية الحقيقية في إدارته بحرفية ومهنية وتميز تفوقت من خلاله على دول العدوان ومن يقف خلفها، وأحرجت حتى المجتمع الدولي، وهو الملف الدبلوماسي، هذا الملف المهم الذي ظن الكثير بأن سلطة صنعاء لن تحقق فيه أي تقدم، في ظل عدم الاعتراف الدولي بها، و إغلاق كل السفارات العربية والأجنبية في صنعاء، والعزلة التي يفرضها تحالف العدوان عليها من خلال الحصار الخانق للمطارات والموانئ والمنافذ البرية، ولكن حكمة الدبلوماسية اليمنية في صنعاء نجحت في سحب البساط ولو بصورة نسبية من تحت أقدام دبلوماسية حكومة الفنادق التي عجزت عن إقناع المجتمع الدولي بشرعيتها المزعومة، بعد أن بدت عاجزة عن العودة إلى عدن أو حضرموت أو مأرب لممارسة مهامها من هناك، ومغادرة الفنادق التي تقيم فيها، علاوة على حالة الانقسام والتشظي التي تسيطر عليها، والصراعات والحروب والمواجهات المسلحة القائمة بين الفصائل والمليشيات المسلحة المتناحرة التابعة لها وتلك التي تدين بالولاء للسعودية والإمارات، وتتحرك حسب توجيهاتهما ضاربة بشرعية الفنادق المزعومة عرض الحائط، على عكس ما عليه سلطة صنعاء التي تمتلك قيادة موحدة، إرادتها و قرارتها بيدها، تدير المحافظات الواقعة تحت سلطتها بكفاءة واقتدار، حيث تشهد حالة غير مسبوقة من الأمن والاستقرار على الرغم من العدوان والحصار.

ثورة 21 سبتمبر ودبلوماسية صنعاء

شكل انتصار ثورة 21 سبتمبر ضربة موجعة للأمريكان والصهاينة وآل سعود؛ لكونها أطاحت بأدواتهم في الداخل اليمني، وجاءت بقوى ثورية مناهضة للوصاية والتبعية، وهو ما دفع بالدول التي تربطها علاقات مع بلادنا إلى إجلاء بعثاتها الدبلوماسية ومغادرة صنعاء؛ نزولا عند الرغبة الأمريكية الإسرائيلية السعودية المشتركة، والتي كانت مقدمة لتهيئة الوضع لشن عدوانهم الغاشم، لكن السفارتين السورية والإيرانية ظلتا على حالهما بعد تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي لأسباب أمنية، وعلى الرغم من ذلك تعاملت سلطة صنعاء المتمثلة حينها باللجنة الثورية العليا بدهاء سياسي غير مسبوق، ففي 7مارس من العام 2016م أصدر رئيس اللجنة الثورية العليا القرار رقم 89 الذي نص على تعيين الأستاذ/ نائف أحمد القانص سفيرا للجمهورية اليمنية لدى الجمهورية العربية السورية، هذه الخطوة جاءت بالتزامن مع لقاءات واتصالات مكثفة لقيادة اللجنة الثورية ممثلة بالأستاذ/ محمد علي الحوثي أجراها مع سفراء بعض الدول الشقيقة والصديقة وممثلي المنظمات الحقوقية والإنسانية شرح لهم خلالها الموقف اليمني تجاه العدوان، وفند الادعاءات والمبررات الواهية التي جعلت منها السعودية ومن معها مبررا لشن عدوانها على بلادنا، وزاد وهج الدبلوماسية اليمنية عقب الإعلان في 28 يوليو 2016م عن التحالف بين المؤتمر وحلفائه وأنصار الله وحلفائهم، والذي انبثق عنه تشكيل المجلس السياسي الأعلى، ومن ثَم تشكيل الوفد الوطني المفاوض الموحد تحت قيادة موحدة.

السفير الديلمي في طهران.. ضربة معلم

في 17أغسطس 2019م صدر القرار الجمهوري رقم 75 الذي نص على تعيين إبراهيم محمد الديلمي سفيرا فوق العادة ومفوضاً للجمهورية اليمنية لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو ما أثار صدمة لدى حكومة الفنادق التي خرج بوقها الإعلامي في حالة تخبط مطلقا العنان لتصريحاته العنترية التي أنكر فيها على سلطة صنعاء هذه الخطوة، وذهب لمهاجمة إيران التي ردت على ذلك بطريقتها باستقبال رئيسها حسن روحاني السفير الديلمي الذي قام بتسليمه أوراق اعتماده؛ ليباشر مهامه بصفة رسمية؛ لتصبح إيران الدولة الثانية التي تعترف بسلطة المجلس السياسي الأعلى بعد سوريا، وهي خطوة متقدمة على طريق عودة الزخم الدبلوماسي للعاصمة اليمنية صنعاء، علاوة على كونها ( ضربة معلم ) جاءت متوجة لجهود مكثفة بذلت، وتحركات دبلوماسية مكثفة قام بها رئيس الوفد الوطني الأستاذ محمد عبد السلام.

السفير الإيراني في صنعاء انتصار دبلوماسي جديد

في 14من أكتوبر 2020م شهد مطار صنعاء الدولي وصول طائرتين عمانيتين على متنهما ما يقارب 240 من العالقين في سلطنة عمان غالبيتهم من الجرحى؛ نتاج وساطة عمانية نصت على إطلاق صنعاء سراح رهينتين تحملان الجنسية الأمريكية، هما ساندرا لولي وميكائيل جيداد، بالإضافة إلى جثة بلال فطين مقابل عودة العالقين ونقل عدد من الجرحى للعلاج في الخارج، ويذهب الكثير من المحللين السياسيين إلى احتمال وصول السفير الإيراني الجديد لدى بلادنا «حسن إيرلو» ضمن من عادوا من سلطنة عمان في سياق الوساطة العمانية، الإعلان عن وصول السفير الإيراني إلى صنعاء جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة في تصريحات لوكالة أنباء فارس، أشار من خلالها إلى أن سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية فوق العادة ومطلق الصلاحية «حسن إيرلو» قد وصل إلى صنعاء لمزاولة مهامه رسميا، حيث سلم السفير الإيراني نسخة من أوراق اعتماده لوزير الخارجية هشام شرف عبد الله في 27أكتوبر 2020م، قبل أن يسلمها للرئيس مهدي المشاط في 4نوفمبر 2020م بعد أن أجريت له مراسيم الاستقبال الرسمية، هذه الخطوة قوبلت بردود أفعال متباينة من قبل الكثير من الأطراف، وباتت طريقة وصول السفير الإيراني إلى صنعاء- في ظل إغلاق المطار وفرض الحصار- مثار تساؤل وحيرة قوى العدوان التي سارعت إلى اتهام الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن بالوقوف وراء ذلك، عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي عضو المجلس السياسي الأعلى رد على سؤال قناة الميادين: كيف دخل السفير الإيراني إلى صنعاء؟ بقوله: اسألوا التحالف، وأكد معلقا على ذلك (الأميركيون يرفضون فتح السفارات في صنعاء، ويحاصروننا دبلوماسياً، والسفير الإيراني مرحب فيه)، ونقلت وسائل إعلام عربية تصريحات للخبير العسكري والاستراتيجي اللواء عبد الله الجفري، تتعلق بالموضوع، قال فيها: ( إن وصول السفير الإيراني إلى صنعاء ليس خافيا على أحد؛ لأنه وصل على طائرة الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي يعلم بهذا، حيث إن وضعنا اليوم تغير 180 درجة بعد أن انتصرنا، واستطعنا تحقيق تقدم كبير على الأرض في ثلاث محافظات كبرى؛ نتيجة ما وصلنا إليه من عملية توازن الردع بما لدينا من أسلحة إستراتيجية، الأمر الذي غير قواعد الاشتباك نتيجة القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير). خارجية ما يسمى بحكومة الفنادق عبرت في بيان لها عن إدانتها لما أسمته بـ «قيام إيران بتهريب أحد عناصرها إلى الجمهورية اليمنية، وتنصيبه سفيرا لدى جماعة أنصار الله (الحوثيين)»، معتبرة ذلك مخالفة صريحة للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بما فيها القرار (2216)، بيان حكومة الفنادق تزامن مع حملة إعلامية مكثفة ضد الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن، والتي اتهمتها بالمشاركة في إدخال السفير الإيراني إلى صنعاء، وهو ما نفاه مكتب المبعوث الأممي جملة وتفصيلا، وكان لافتا الموقف الأمريكي الذي اختزلته المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية مورغان أورتاغوس في تغريدة على حسابها في تويتر قالت فيها: (إن النظام الإيراني قام بتهريب حسن إيرلو عضو الحرس الثوري الإيراني والمرتبط بحزب الله اللبناني إلى اليمن تحت ستار «سفير» لدى الحوثيين ) الصدمة التي خلفها هذا الحدث الدبلوماسي الكبير أفرزت هذه المواقف السلبية والتصريحات المنفلتة وغير المنطقية، والتي عززت من حجم الانتصار والإنجاز الذي نجحت في تحقيقه دبلوماسية صنعاء، والذي تعزز في 11نوفمبر 2020م بصدور القرار الجمهوري رقم62والذي قضى بتعيين الأستاذ الشهيد الحي عبد الله علي صبري سفيرا فوق العادة ومفوضا للجمهورية اليمنية لدى الجمهورية العربية السورية، والذي يعد رسالة تأكيد على تفوق دبلوماسية صنعاء، وتمكنها من كسر حاجز العزلة الدبلوماسية التي فرضها تحالف العدوان.

من القادم إلى صنعاء بعد سوريا وإيران ؟!!

عقب وصول السفير الإيراني الجديد إلى صنعاء، بدأ الحديث عن وجود نوايا لعدد من الدول لاستئناف نشاطها الدبلوماسي في صنعاء من خلال فتح سفاراتها هناك، وبرز اسم «قطر «كثيرًا و»سلطنة عمان» في مقدمة هذه الدول، وبغض النظر عن مصداقية الخبر، أو جدية هذه الدول إلا أن ما نحن بصدد التأكيد عليه هو ما ذهب إليه سفير بلادنا لدى طهران إبراهيم الديلمي، والذي أشار في تصريحات صحفية إلى أن إعادة فتح السفارة الإيرانية في صنعاء يزيل الكثير من العقبات، ويشجع العديد من الدول على فتح سفاراتها في اليمن، وهو ما يبشر ببدء مسار دبلوماسي جديد بين صنعاء وبقية دول العالم، وخصوصا أنه لا توجد هنالك أي رغبة يمنية في قطع علاقاتها مع أي دولة في العالم باستثناء الكيان الصهيوني المحتل، وفي ظل المتغيرات والمستجدات التي تشهدها الملفات السياسية والعسكرية والدبلوماسية اليمنية، تظل الأعين ترقب هوية القادم الجديد الوافد على صنعاء الصمود، صنعاء العروبة، إلى جانب سوريا وإيران؟!!

مهندس الدبلوماسية اليمنية وعقلها المدبر

هذا الانتصار الدبلوماسي الكبير لسلطة صنعاء التي تمثل الشرعية الحقيقية لم يأت من فراغ، وليس وليد اللحظة، وإنما هو ثمرة حنكة وحكمة القيادة الثورية والسياسية ممثلة بالسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي والرئيس الشهيد صالح علي الصماد والرئيس مهدي المشاط ومعهم مهندس الدبلوماسية اليمنية وعقلها المدبر الأستاذ محمد عبد السلام، والذي شكل في حد ذاته وزارة خارجية متنقلة، استطاع من خلال تحركاته المدروسة وطرحه المسؤول تصحيح الكثير من المفاهيم والأفكار المغلوطة لدى الخارج تجاه بلادنا، ونجح في إظهار مظلومية اليمن وعدالة قضيته، وتصوير معاناة الشعب اليمني جراء العدوان والحصار، سانده وساعده في ذلك الإعلام الوطني المقروء والمرئي والمسموع، وأحرار اليمن من الناشطين والناشطات والحقوقيين والحقوقيات والنخب السياسية والأكاديمية في الداخل والخارج الذين كانوا خير سفير لليمن، وخير ممثل لها، وكان لمواقفهم ورسالتهم الدور الفاعل في إسناد مهمة مهندس الدبلوماسية اليمنية الوطنية التي نجحت في خلق قناعة لدى المجتمع الدولي بضرورة التعاطي مع الواقع اليمني المعاش، الواقع الذي يعبر عن رغبتهم وإراداتهم، ويلبي سقف طموحاتهم وتطلعاتهم وآمالهم، الواقع الذي يمثل اليمن الأرض والإنسان، لا الذي يمثل الأشخاص والجماعات، ويحافظ على مصالحهم، كل المؤشرات بعد 6سنوات من العدوان والحصار تؤكد -وبما لا يدع أي مجال للشك- أن هادي وشلته الفندقية لا يمتلكون المؤهلات التي تمكنهم من إدارة وتصريف شؤونهم الخاصة، فكيف بإدارة شؤون وطن وشعب ؟!! لقد آن الأوان لإنهاء مهزلة شرعيته المزعومة؛ احترامًا لإرادة الشعب اليمني، مصدر الشرعية وصاحب القول والفصل فيها، آن الأوان أن يعي العالم بأسره أن سلطة صنعاء هي السلطة الشرعية، وبرلمان صنعاء هو البرلمان الشرعي، وحكومة صنعاء هي الحكومة الشرعية، ودبلوماسية صنعاء هي الدبلوماسية القادرة على توطيد العلاقات اليمنية مع دول العالم، والحفاظ على المصالح المشتركة معها وفق الأعراف الدبلوماسية، وعلى قاعدة الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في شؤون الدول الداخلية، وتعزيز روح السلام والمحبة والتعايش فيما بينها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى