أحدث الأخبار

دور الدين في تشكيل السياسة الخارجية والعلاقات الدولية

مجلة تحليلات العصر الدولية - سليمان صالح

 

🔸هل يؤثر الدين على العلاقات بين الدول؟

▪️قد يبدو السؤال غريبا في عالم يروج للعلمانية باعتبارها من أهم أركان ثقافة العولمة، لكن هناك كثيرا من الأدلة على أن الدين يقوم بدور مهم في تشكيل العلاقات الدولية، فعلى سبيل المثال، ما دور الدين في تشكيل العلاقات الأميركية الإسرائيلية؟

🔸”لن يسامحنا الرب”

▪️في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي بيل كلينتون أمام الكونغرس اليهودي عام 1994، قال إن الرب لن يسامحنا إذا تخلينا عن إسرائيل؛ لأن إرادة الرب أن تكون إسرائيل هي الوطن الإنجيلي للشعب اليهودي للأبد، لذلك ستقف أميركا معها دائما.

▪️لم يعترض أحد في الولايات المتحدة الأميركية على استخدام كلينتون لهذه المصطلحات الدينية على أساس أنها تشكل تحديا للعلمانية، وهذا يوضح أن البعد الديني للعلاقة بين أميركا وإسرائيل يحظى باتفاق داخل الولايات المتحدة، وأن الأمر لم يكن بلاغة خطابية استخدم فيها كلينتون اللغة الدينية.

▪️يقول دانيال هوميل إن الرؤية الدينية شكلت العلاقات الخارجية الأميركية منذ نشأة الحركة الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر، وأسهمت هذه الرؤية في تزايد تأييد أميركا ومساندتها للحركة الصهيونية خلال الثلاثينيات، وفي تحيز أميركا المستمر لإسرائيل بعد إنشائها عام 1948.
ولقد أسهم موقف أميركا من الإسلام في تقوية علاقاتها بإسرائيل؛ لذلك توضح العلاقة بين أميركا وإسرائيل -كما يقول هوميل- دور الدين في تشكيل السياسة الخارجية للدول، وأن الدين عامل مهم لا يمكن تجاهله في تحليل العلاقات الدولية.

🔸”عودة شعب الرب”

▪️احتلت مقولة “عودة شعب الرب إلى أرضه” مكانة مهمة في فكر المهاجرين البريطانيين إلى أميركا، وفي تقاليدهم الدينية، وحمل الإنجيليون هذه النبوءة معهم، لكنها انتشرت خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر بين الطوائف المسيحية الأميركية، وتشكل حولها نوع من الاتفاق.

▪️لكن دانيال هوميل يرى أن هناك ارتباطا بين تطور البروتستانتية والاهتمام بتوطين اليهود في فلسطين، وهكذا تم الربط بين هذه القضية والثقافة الاستعمارية المسيحية، كما ارتبطت بالعداء للدولة العثمانية.

▪️وقام الخطاب الديني المسيحي الأميركي منذ القرن السابع عشر على أن فلسطين هي أرض المسيح، وموطن العقيدة المسيحية.

▪️وقد قام مجلس البعثات التنصيرية الأميركي عام 1819 بإرسال بعثة تنصيرية إلى فلسطين، لكن تلك البعثة واجهت مقاومة من كل سكان فلسطين -بما فيهم المسيحيين العرب- ولذلك قامت هذه البعثة بإرسال الرسائل إلى المجلس أسهمت في تأجيج العداء الديني في أميركا ضد الدولة العثمانية.

▪️كما أسهمت هذه الرسائل في اتجاه السلطات الأميركية إلى الترويج لخطاب يقوم على أن مصير الولايات المتحدة يرتبط بتحقيق إرادة الرب بإعادة شعبه المحبوب إلى أرضه.

▪️كما انتشر في أميركا خطاب تبنته كثير من الجماعات الدينية المسيحية خلال القرن التاسع عشر يقوم على أن المسيحيين واليهود شركاء في تنفيذ خطط الرب، وأن اليهود يعيشون في منفى بعيدا عن أرضهم.

▪️هذا يعني حضور الخطاب الديني بكل مصطلحاته في بناء أساس العلاقات الأميركية الصهيونية، وأن أميركا أسهمت في نشر نص النبوءة الإنجيلية التي أنشئ الكيان الصهيوني على أساسها، وشجع ذلك تيودور هرتزل على الدعوة لانعقاد الكونغرس الصهيوني الأول عام 1897.

▪️وقد روج لدعوة تهجير اليهود إلى فلسطين كثير من رجال الدين المسيحي الأميركيين، من أهمهم وليام بلاكستون الذي أسهم في أن تحتل هذه القضية مكانة متميزة في السياسة الأميركية، وقام بنشر فكرة أن عودة اليهود إلى فلسطين مقدمة لعودة المسيح.

🔸التأييد الأميركي لوعد بلفور

▪️هذه الدعاية المكثفة التي قام بها رجال الدين المسيحي دفعت الرئيس الأميركي وودرو ويلسون لتأييد وعد بلفور عام 1917، وتبني أهداف الحركة الصهيونية.

▪️كما أسهمت النبوءة الإنجيلية في تشكيل سياسة وزارة الخارجية الأميركية طوال القرن العشرين، كما احتلت قضية إنشاء دولة إسرائيل مكانة مهمة في حملة الرئيس الأميركي روزفلت أدت إلى انتخابه

🔸الكوكب العظيم الأخير

▪️عام 1970، نشر هال ليندسي كتابه “الكوكب العظيم الأخير” الذي أصبح من أكثر الكتب مبيعا، حيث وزع 10 ملايين نسخة، وتناول دور إسرائيل في تحقيق نبوءة المسيح، وشكل ذلك الكتاب جيلا من المسيحيين الموالين لإسرائيل المعتنقين لهذه النبوءة، وأدى ذلك إلى التأكيد على مسؤولية الولايات المتحدة في حماية إسرائيل وضمان تفوقها في المنطقة.

▪️كما أدى ذلك إلى زيادة الاهتمام بالتاريخ اليهودي، وبناء الثقافة المسيحية اليهودية، وزيادة قوة المسيحية الصهيونية في أميركا التي أصبح لها دور كبير في التأثير على السياسة الخارجية الأميركية والأوربية، والنظر إلى إسرائيل باعتبارها أهم الأصول الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط.

▪️لكن تأثير العامل الديني لم يقتصر فقط على تشكيل العلاقات الأميركية الإسرائيلية، فلقد كان حاضرا أيضا في تشكيل سياسة الوفاق بين أميركا والاتحاد السوفياتي، حيث حرصت أميركا على الحصول على موافقة الاتحاد السوفياتي على فتح باب هجرة اليهود السوفيات إلى إسرائيل.

▪️أما جيمي كارتر، فقد اهتم بدور الدين في تشكيل اتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل، اعتمادا على فكرة التعاون بين الديانات الإبراهيمية، وبذلك أوضح كارتر أن الرؤية الدينية لها دور مهم في تشكيل علاقات أميركا بمنطقة الشرق الأوسط، وتحديد أهداف السياسة الخارجية الأميركية، حيث استند كارتر إلى آيات من الإنجيل تبرر العمل لتحقيق السلام، والثقة في رب آبائنا الذي يعطينا الحكمة، ولذلك اعتبر نفسه ممثلا لأميركا المسيحية اليهودية في تحقيق السلام، وأن أميركا تستمد من المسيحية واليهودية ضميرها الأخلاقي.

▪️لكن بالرغم من الخطاب الديني لكارتر، فإنه تعرض للهجوم من المنظمات المسيحية الأميركية، وتم اتهامه بأنه ضغط على إسرائيل، كما تم الهجوم على فكرة التعاون بين الديانات الإبراهيمية التي تبناها كارتر عن طريق التخويف من الإسلام.

🔸الضغط المسيحي الصهيوني

▪️تزايد ضغط الجماعات المسيحية الصهيونية على صناع السياسة الخارجية الأميركية، حيث ضمت هذه الجماعات عشرات الملايين الذين شكلوا جماعة ضغط لصالح إسرائيل، وبنت خطابها على أساس أن هناك صراعا بين اليهودية والمسيحية من جانب والإسلام من جانب آخر.

▪️وبذلك تم إزالة الحدود بين الدين والسياسة الخارجية الأميركية، وأصبح الدين من أهم العوامل التي تقوم عليها العلاقات الأميركية الإسرائيلية، ويشكل اللوبي المسيحي الصهيوني ضغطا مستمرا على الكونغرس لتبني الدفاع عن إسرائيل.

▪️ولقد قام المتحدثون باسم المسيحية الصهيونية مثل جيري فالويل وبات روبرتسون بدور مهم في التأثير على السياسة الأميركية، حيث تزايدت قوتهم الإعلامية والمالية نتيجة حصولهم على الملايين من رجال الأعمال الأميركيين.

▪️وعام 2006، شكل جون هاجي “منظمة مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل” التي بلغ عدد أعضائها 4 ملايين شخص، واستهدفت هذه المنظمة التأثير على الكونغرس والبيت الأبيض من أجل دعم إسرائيل، وزيادة قوة العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية الأميركية مع إسرائيل، وعملت هذه المنظمة على تنظيم الرحلات السياحية بشكل مستمر إلى إسرائيل، وبيع ملايين النسخ من الكتب التي تتحدث عن النبوءة.

▪️وقد تزايدت قوة هذه المنظمة بالإضافة إلى منظمات مسيحية صهيونية أخرى عقب انتخاب دونالد ترامب، واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهذا القرار يوضح دور الدين في تشكيل السياسة الخارجية الأميركية، ويعد دليلا على أنه لا يمكن تجاهل هذا الدور في تحليل السياسة الخارجية والعلاقات الدولية.

▪️لقد صنع الدين العلاقة الخاصة بين أميركا وإسرائيل، وأدى إلى تغيير الواقع السياسي العالمي، كما أن العلاقات الأميركية الإسرائيلية تشكل نموذجا يوضح قوة دور الدين في تشكيل العلاقات الدولية، لكن هناك كثيرا من النماذج التي يمكن أن نقدمها في مقالات أخرى.

🔸المراجع

Gros. P , Israel in the mind of America (New York :Shoken,1984)

Quandt. W, peace process : American diplomacy and the Arab Israeli conflict( Washington D.C : Brookings ,2005)

Hummel . D , foreign policy and religion , Oxford research encyclopedia of politics 2019

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى