أحدث الأخبارالإسلاميةالعراقمحور المقاومة

زيارة الأربعين تحت شعار الحسين يجمعنا

مجلة تحليلات العصر الدولية - د. أحمد الزين

من سرّ وعظمة أربعينية الإمام الحسين (ع) تتجلى أحداها في ظاهرة “المشاية” التي هي بداية الحكاية في رواية طويلة للمسير نحو الله عبر التوجه والمسير نحو ضريح الإمام الحسين (ع) للزيارة والدعاء والتبرك والتعبد بلهفة وفيض الشوق والعشق في تاريخ 20 صفر من كل عام، وهي تظاهرة دينية ثقافية اجتماعية إنسانية عالمية ولدت من رحم التاريخ الإسلامي المثقل بمعظمه بالاحداث الدموية والمصائب والنوائب والمآسي والحروب والغزوات والسبي والقتل والاغتيالات والغدر والطعن بآل بيت النبي محمد (ص) والائمة الاطهار واصحابهم المنتجبين..
“المشاية” هي حراك وجداني عاطفي وحركة مسير راجلة مشيا على الاقدام في رحلة قاسية قل نظيرها يقوم بها الموالون والمحبّون لأهل البيت (ع) من مختلف البلدان والاجناس والاعراق والقبائل والعشائر.. ينطلقون من نقاط تواجدهم باتجاه قبلة الاحرار مرقد الإمام الحسين (ع) في كربلاء المقدسة.. تشدّهم اليها قلوبهم التي تشّع بوهج نوراني وإيمان وتقوى وورع، والتي تنبض بالحبّ المحمدي والعشق الحسيني، تآسيا بمأساة الركب الزينبي، ومسير وسوق بنات رسول الله (ص) سبايا من العراق الى الشام، واستذكاراً لمظلوميتهم حيث كانوا يساقون كما تساق الاسارى.. محتسبون عند الله تعالى الاجر والثواب، ومجددون العزاء بمصاب سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين (ع) في فاجعة الطف عام 61 للهجرة، رائد النهضة الحسينية، وملهم الحراك ومفجر الثورات عبر العصور في حركة التغيير والتنوير والإصلاح، حيث انبثقت من مظلوميتهم مفاهيم ثورية وقيمية وحضارية وإنسانية.. مثل ثورة المظلوم على الظالم، وثورة الحق على الباطل، وثورة الحرية على التبعية والهيمنة، وثورة الكرامة على الوصاية والرعاية، وثورة السيادة على الارتهان والذلّ، وثورة الاستقلال على الخضوع والاستسلام.. كما استلهمت من بواطنها ثقافة المقاومة والتحدي والعزم والحزم وقوة الارادة والعزيمة والصبر والبصيرة في مواجهة الجبروت والطواغيت والحكام الظالمين الطغاة والقاسطين البغاة، والمحتلين الغزاة والمفسدين الرعاة.. الهدف منها هو محو سياسة الجهل والتخلف والانحراف والضلال والطغيان والاستعباد والاستبداد والاحتلال والعنف والتطرف والإرهاب..
مشهدية المسيرات والمواكب والحشود المليونية التي تحمل في ظواهرها أبعاد دينية ثقافية تبليغية خدماتية اجتماعية انسانية.. جذبت العقول وانبهرت القلوب وغذّت قوة التفاعل العقائدي والإيماني، وحرّكت الضمير الانساني والانشداد العاطفي عند قراءة وسردية الاحداث التاريخية الاليمة وتخيّل الوقائع الميدانية الحزينة التي أختزنت في الذاكرة من مشهدية حزّ رأس الإمام الحسين (ع)، وقطع كفيّ العباس (ع)، ومنع الماء وحالة العطش الشديد، وقلة العشير والناصر.. الى مأساة الطفل الرضيع الذبيح، وحرق الخيام، وسبي السيدة زينب (ع) وسبايا أهل البيت (ع)، وعذابات النساء والاطفال خلال مسير السبايا الى الشام.. حيث اضافت مشهدية تلك المظلومية محفزا إنسانيا وحافزا وجدانيا دفعت مئات الملايين من الزّوار والاحرار والمتابعين والمشاهدين للتفاعل والحضور والمشاركة في مسيرة الزيارة الأربعينية التي أخذت بعدا محليا عراقيا وعربيا وبعدا دينيا إسلاميا وبعدا اقليميا وعالميا.. وبدأت تتمدد وتتعاظم عام بعد عام، وتزداد اعدادها ورقعة مساحاتها.. حتى شعّت أنوارها وسطعت آفاقها في فضاء الشاسات والقنوات ووسائل الاعلام العالمية في كل أرجاء الارض.
ومن بركات ظاهرة “المشاية” وهذه الحشود المليونية، هو الاستفادة وإغناء البشرية بالتجارب المفيدة وأخذ العبر والدروس وما انتجته من إيحاءات ومشاهد ورسائل إيجابية، منها:
1- رسالة محبة ورحمة وسلام الى العالم من خلال تأكيد المسيرات والمواكب الحسينية على بثّ روح الاخاء والطمأنينة والسلمية.
2- رسالة الانفتاح والتلاقي والتواصل والتعارف وبناء الحوار الحضاري والتقريب بين مختلف الاديان والمذاهب والمعتقدات الاخرى من خلال تواجد أكبر تجمع بشري بمختلف أطيافهم وألوانهم وقومياتهم وأعراقهم وجنسياتهم.
3- رسالة الإيثار وإلغاء الانانية والحثّ على فضيلة الجود والعطاء والكرم وحسن الضيافة والاستقبال التي يتميز بها المجتمع العراقي من خلال ما يتلقاه الزائرين والوافدين من خدمات من خلال تقديم مختلف أصناف الطعام والشراب وتوفير كل أنواع الراحة والمنامة مجانا دون اي مقابل مادي.
4- رسالة ترسيخ قيم التسامح والتضامن والتعاون والتفاعل بين الشعوب والامم، وتعزيز ثقافة التعايش السلمي والاحترام المتبادل بينهم للارتقاء نحو التكامل الانساني والتعامل الراقي ونشر الفضائل والمبادىء الإنسانية لصون المجتمعات البشرية من التعصب والحقد والكره والعنف والتطرف من أجل راحة ورفاهية الانسان وعيشه الرغيد.
5- رسالة الوفاء والآباء والتضحية والفداء التي جسدتها الثورة الحسينية العظيمة والتي تحثّ على رفض الظلم والعبودية لغير الله، ومقارعة الحكام الظالمين والطواغيت والانظمة الفاسدة المستبدة.
6- رسالة تثبيت شعيرة زيارة اربعينية الامام الحسين (ع) كشعيرة خالدة، باعتباره يوم من أيام الله يساهم في حفظ الدين الاسلامي ونقل الصورة الايجابية عن الإسلام المحمدي الاصيل وعلوم أهل البيت (ع).
7- رسالة توحيد تحت شعار (#الحسين_يجمعنا) وتجسيد الوحدة والتماسك والتآخي بين محبي اهل البيت (ع) بمختلف جنسياتهم، تحت رايات “لبيك يا حسين” و”هيهات منا الذلّة”.
8- رسالة تبليغية بالدين الإسلامي الى العالم عبر التعريف باهداف الإمام الحسين (ع) وتضحياته ومآثره وسيرته، التي تعكس أهداف رسالة الإسلام، تأكيدا لقول نبي الرحمة محمد (صل الله عليه وآله وسلم): (حسين مني وأنا من حسين).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى