أحدث الأخبارايرانمحور المقاومة

ستخسر إيران المعركة، لكنها ستنتصر في الحرب

مجلة تحليلات العصر الدولية

كتب رانج علاء الدين في مركز بروكينغ مقالا يتحدث فيه تداعيات اغتيال محسن فخري زاده مهابادي. وفي سياق مقاله التحليلي وصل الكاتب إلى القول إنه يمكن لإيران الاعتماد على حقيقتين مهمتين:

أولاً، أن حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، لا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ليس لديهما الرغبة في اندلاع حريق كبير. اذ لا يملك خصوم إيران الجرأة على الالتزام ببذل جهد واسع النطاق لإسقاط النظام.

ثانيًا، تتمتع إيران بموقع فريد لإصلاح وإعادة بناء شبكاتها الإقليمية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، حيث أنشأت إيران مؤسسات موازية متجذرة بعمق ودائمة.

أثار اغتيال محسن فخري زاده مهابادي، مهندس البرنامج النووي الإيراني، شبح صراع كبير في الفترة التي تسبق تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في يناير المقبل. تتعرض إيران لضغوط غير مسبوقة في الداخل حيث تواجه الانعكاسات الاقتصادية لحملة الضغط الأقصى لإدارة ترامب، أمّا في المنطقة، فتكافح طهران لحماية نفوذها في دول رئيسية مثل العراق وسوريا. تعرضت إيران لموجة من الضربات الجوية مؤخرًا، بما في ذلك هجوم هذا الأسبوع الذي يُزعم أنه قتل قائدًا كبيرًا في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي بالقرب من الحدود السورية العراقية. ففي العراق، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مجموعة من الشركات الإيرانية.

ستنجو إيران من هذه الأحداث المزعزعة للاستقرار، على الرغم من أن قادتها مقتنعون بأن الإدارة الامريكية (أو البعض بداخلها) ترى أن الشهرين المقبلين هي فرصتها الأخيرة لتصفية سلسلة من الحسابات القديمة مع إيران. بعيدًا عن دفعها إلى حافة الهاوية، لا تزال طهران في وضع جيد لالتقاط الفرص بينما تشق إدارة ترامب طريقها نحو الخروج من البيت الأبيض.

معضلة إيران

في حين اعتقدت إيران أن الولايات المتحدة سعت إلى الاختفاء منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979، أصبحت فكرة شن هجوم أمريكي كبير على الدولة أو حلفائها واضحة بشكل متزايد على مدار فترة الحرب. يُنظر إلى اغتيال فخري زاده مهابادي على أنه إشارة نوايا لذلك، حيث يأتي بعد أيام فقط من عملية سرية إسرائيلية سعودية أمريكية، تُوّجت باجتماع يُزعم أنه عقد في المملكة العربية السعودية. يأتي ذلك بعد عشرة أيام من ورود تقارير تشير إلى أن الرئيس ترامب كان على استعداد لمهاجمة إيران مباشرة قبل أن يبحث بدلاً من ذلك عن طرق لضرب وكلاء إيران وحلفائها في أماكن أخرى. اليوم، يواجه القادة الإيرانيون معضلة خطيرة في بيئة غير مستقرة.

لطالما اعتمدت طهران على وجود القوات الأمريكية في المنطقة لتعزيز قدراتها الرادعة، لكن إدارة ترامب أشارت إلى أنها قد تسحب قواتها من العراق وأفغانستان، وهذا من شأنه أن يقلل من قدرة إيران على ضرب القوات الأمريكية، وبالتالي من قدرتها على ردع أي هجوم. وبحسب مصادر مقربة من القيادة العراقية، فإن عددًا من قادة الميليشيات في العراق، وكذلك رؤسائهم في طهران، مقتنعون بأن إدارة ترامب تسعى للحصول على فرصة أخيرة لتسوية خلافاتها مع إيران، وبأنه سيكون في قالب هجوم مركّز، قد يتحقق إذا تم سحب القوات. وأشارت هذه المصادر إلى أن بعض قادة الميليشيات إما اختبأوا فعليًا أو قللوا بشكل كبير من تحركاتهم العلنية تحسبا لحملة استهداف محتملة للجماعات المتحالفة مع إيران في المنطقة.

يمكن لإيران أن تختار امتصاص الضربات أو تنفيذ ضربات انتقامية محدودة (رمزية). في العراق، على سبيل المثال، يمكن لوكلاء إيران إطلاق وابل من الصواريخ التي تسبب أضرارًا محدودة. والفكرة هي أن هذا الخيار قد يردع خصومها، لكن مثل هذه الخطوة تخاطر بفتح الطريق أمام الولايات المتحدة وحلفائها أيضا لتكثيف ردهم، وخلق تأثيرات من الدرجة الثانية يمكن أن تؤدي إلى اندلاع حريق في العراق.

وبدلاً من ذلك، يمكن لإيران أن تبدأ هجومًا استباقيًا موسعًا ضد الولايات المتحدة و / أو حلفائها بدافع القلق من الضربة الأمريكية الأولى. ستُسخّر طهران شبكة وكلائها لشن سلسلة من الهجمات ضد مجموعة من الأهداف الإقليمية، بما في ذلك دول الخليج. ستكون هذه الهجمات كبيرة في حجمها وتأثيرها على أمل درء هجوم أمريكي كبير. لكنها قد تواجه ضربة مضادة كبيرة من الولايات المتحدة وحلفائها، وهو ما يمثل خطرًا كبيرًا على طهران. قد يشعر النظام في طهران بأنه مدفوع نحو هذا الخيار إذا كانت هناك هجمات أخرى على إيران أو حلفائها في الأيام والأسابيع المقبلة، أو انسحاب مفاجئ للقوات الأمريكية في العراق، و / أو موجة اغتيالات بارزة.

الميزة الاستراتيجية

ربما لا تزال إيران تمتلك الميزة الاستراتيجية، فأمام الولايات المتحدة وحلفائها بعض الخيارات الصعبة الخاصة بهم. بصرف النظر عن التطلع إلى نسف التقارب الممكن بين الولايات المتحدة وإيران في ظل إدارة بايدن، من الصعب معرفة ما هي اللعبة النهائية التي تسعى إليها إدارة ترامب. يمكن أن يضعف النظام في الداخل وفي المنطقة، ويمكن أن تتدهور البنى التحتية لوكلائه، لكن يمكن لإيران الاعتماد على حقيقتين مهمتين:

أولاً، أن حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، لا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ليس لديهما الرغبة في اندلاع حريق كبير. اذ لا يملك خصوم إيران الجرأة على الالتزام ببذل جهد واسع النطاق لإسقاط النظام.

ثانيًا، تتمتع إيران بموقع فريد لإصلاح وإعادة بناء شبكاتها الإقليمية. يتألف هذا الخيار من روابط معقدة ومتعددة الطبقات بين الأفراد وبين المنظمات، ويدعمها مجموعة متنوعة من مراكز القوة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، حيث أنشأت إيران مؤسسات موازية متجذرة بعمق ودائمة، وسط مؤسسات الدولة الضعيفة والبيئات الأمنية المتقلبة. لقد أنشأت مجموعة ميليشيات قوية يمكنها الالتحام حول قيم وأهداف مشتركة تربطها في نهاية المطاف بالجمهورية الإسلامية.

لقد برعت إيران في تنفيذ شكل من أشكال صيغة الدولة الواحدة والنظامين للبلدان التي تمزقها الصراعات في المنطقة. الدولة (على سبيل المثال في العراق) تبقى ضعيفة عمدا، حيث لا تسعى طهران إلى إعادة بناء المؤسسات وفقًا لقواعد ومبادئ بناء الدولة التقليدية. بالنسبة للغرب، على سبيل المثال، قد يعني إصلاح قطاع الأمن إعادة بناء الجيوش الوطنية التقليدية التي تلتزم بالمعايير والقوانين الدولية. لكن على النقيض من ذلك، تختار إيران نهجًا يتمحور حول مجموعة من الجهات الفاعلة المسلحة من غير الدول، وهي ليس لديها ميل لمواءمة مثل هذا النهج مع المعايير والقوانين الدولية أو تشجيع حلفاءها على احترام حقوق الإنسان والذين يعملون على تأسيس شبكات ومؤسسات موازية للمؤسسات الوطنية، مما يبقيها ضعيفة. يفتح هذا الوضع المجال لإيران لإخضاع الهياكل الحاكمة والأنظمة السياسية. على وجه التحديد، تنشئ إيران أو تتعاون مع الميليشيات والسلطات غير الرسمية، مما يسمح لها بسد واستغلال الفجوات التي تظهر في الدول الهشة. اٍنّ العقيدة الشيعية هي حلقة الوصل الرئيسية، اذ تبني إيران شبكات اجتماعية ودينية تركز على العقيدة الشيعية وتدعم الثيوقراطية الإيرانية. ومع ذلك، فإن الأيديولوجيا ليست سوى جزء صغير من المعادلة                                              ترجمة مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى