أحدث الأخبارشؤون امريكية

سياسات واستراتيجيات أميركا في المنطقة

مجلة تحليلات العصر الدولية / فؤاد محسن

لا ريب في أن الأحداث الإقليمية وتطوراتها المتراكمة التي حصلت في السنوات القليلة الماضية، خصوصًا بعد انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان على العدو الإسرائيلي في ٢٥ أيار من العام ٢٠٠٠ وما تلاه من أحداث سياسية وأمنية مثل اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في شباط 2005 وانسحاب الجيش السوري من لبنان في نيسان من العام نفسه وانتصار تموز ٢٠٠٦ وأحداث ٧ أيار 2008 ثم ثورات الربيع العربي التي وصل صداها إلى سوريا والعراق، والانقسامات والتباينات في التوجهات السياسية بين الشعوب في دول الشرق الأوسط، وحملات التطبيع مع العدو الإسرائيلي من بعض حكومات هذه الدول سرًّا وعلانية، والتحالف الدولي السعودي الأميركي الإماراتي ضد اليمن، وتطوير إيران لقدراتها العسكرية والعلمية ودعمها لفصائل المقاومة في المنطقة، وتعليق المباحثات النووية مع إيران ثم عودتها، وغيرها من الأحداث الإقليمية والدولية؛ اقترنت بمساعٍ أميركية عبر أدوات تنفذ أجندات سياسية من أجل تحقيق مخططات ترعى المصالح الأميركية في المنطقة وتسعى للحفاظ على موازين القوى التي يؤدي تغيرها أو تبدلها لصالح أعداء أميركا إلى حتمية الأفول الأميركي من منطقتنا وتهديد مصالحها التي تحفظها اسرائيل باعتبارها قاعدة متقدمة ونقطة ارتكاز للمشروع الأميركي التفتيي للمنطقة.

بناءً على ما ذُكر، ولفهم مساعي أميركا، وللتأكيد على ضرورة وجدوى المقاومة التي كانت وستبقى جدوى مستمرة، لا بد من إعادة القراءة والتركيز والتأمل والتفكر والتعقل لما أورده حزب الله في الفصل الأول تحت العنوان الثاني بعنوان “منطقتنا والمشروع الأميركي” في وثيقته السياسية التي نشرها في العام ٢٠٠٩ والصادرة عن المؤتمر الثامن الذي عقده.

منطقتنا والمشروع الأميركي
إذا كان العالم المستضعَف بأسره يرزح تحت نير هذه الهيمنة الاستكبارية، فإنّ عالمنا العربي والإسلامي يناله منها القسط الأوفر والأثقل، لدواعي تاريخه وحضارته وموارده وموقعه الجغرافي.

إنّ عالمنا العربي والإسلامي هو منذ قرون عرضةٌ لحروب استعمارية وحشية لا تنتهي، إلاّ أنّ مراحلها الأكثر تقدمًا بدأت مع زرع الكيان الصهيوني في المنطقة، ومن ضمن مشروع تفتيتها إلى كيانات متصارعة ومتنابذة تحت عناوين شتى، ولقد بلغت هذه المرحلة الاستعمارية الذروة مع وراثة الولايات المتحدة للاستعمار القديم في المنطقة.

يتمثل الهدف المركزي الأبرز للاستكبار الأميركي بالسيطرة على الشعوب بكل أشكالها: السياسية والاقتصادية والثقافية ونهب ثرواتها، ويأتي في الطليعة نهب الثروة النفطية بما هي أداة رئيسة للتحكم بروح الاقتصاد العالمي، وبكل الأساليب التي لا تلتزم أي ضوابط أو معايير أخلاقية أو إنسانية، بما فيها استخدام القوة العسكرية المفرطة، مباشرةً أو بالواسطة.

وقد اعتمدت أميركا لتحقيق هدفها سياساتٍ عامةً واستراتيجيات عمل، أبرزها:
توفير كل سبل ضمان الاستقرار للكيان الصهيوني، بما هو قاعدة متقدمة ونقطة ارتكاز للمشروع الأميركي الاستعماري التفتيتي للمنطقة، ودعم هذا الكيان بكل عوامل القوة والاستمرار، وتوفير شبكة أمان لوجوده، ما يؤهله للعب دور الغدة السرطانية التي تستنزف قدرات الأمة وطاقاتها وتبعثر إمكاناتها وتشتت آمالَها وتطلعاتها.

تقويض الإمكانات الروحية والحضارية والثقافية لشعوبنا والعمل على إضعاف روحها المعنوية، عبر بث حروب إعلامية ونفسية تطال قيمَها ورموزَ جهادِها ومقاومتِها.

دعم أنظمة التبعية والاستبداد في المنطقة.

الإمساك بالمواقع الجغرافية الإستراتيجية للمنطقة، لما تشكّله من عقدة وَصْلٍ وفصل، برًا وبحرًا وجوًا، ونشرُ القواعد العسكرية في مفاصلها الحيوية خدمةً لحروبها ودعمًا لأدواتها.

منع قيام أي نهضة في المنطقة تسمح بامتلاك أسباب القوة والتقدم أو تلعب دورًا تاريخيًا على مستوى العالم.

زرع الفتن والانقسامات على أنواعها، لا سيما الفتن المذهبية بين المسلمين، لإنتاج صراعات أهلية داخلية لا تنتهي.

من الواضح أنه لا مجال اليوم لقراءة أي صراع في أي منطقة من مناطق العالم إلاّ من منظار إستراتيجي عالمي، فالخطر الأميركي ليس خطرًا محليًا أو مختصًا بمنطقة دون أخرى، وبالتالي فإنّ جبهة المواجهة لهذا الخطر الأميركي يجب أن تكون عالميةً أيضًا.

ولا شك بأنّ هذه المواجهة صعبةٌ ودقيقةٌ، وهي معركةٌ ذات مدًى تاريخي، وهي بالتالي معركةُ أجيال وتستلزم الاستفادة من كل قوة مفترَضة، ولقد علّمتنا تجربتنا في لبنان أنّ الصعوبة لا تعني الاستحالة بل بالعكس فإنّ شعوبًا حيةً ومتفاعِلةً، وقيادةً حكيمةً وواعيةً ومستعدةً لكل الاحتمالات وتراهن على تراكم الإنجازات، تصنع النصر تلو النصر. وبقدر ما يصح هذا الأمر عموديًا عبر التاريخ فهو يصـح أفقيـًا بالامتـداد الجغـرافي والجيو-سياسي أيضًا.

لم يترك الاستكبار الأميركي لأمتنا وشعوبها من خيار إلاّ خيار المقاومة، من أجل حياة أفضل، ومن أجل مستقبل بشري وإنساني أفضل، مستقبل محكوم بعلاقات من الأخوّة والتنوع والتكافل في آن، ويسوده السلام والوئام، تمامًا كما رَسَمَت معالِمَه حركةُ الأنبياء والمصلحين العظام عبر التاريخ، وكما هو في تطلعات وأشواق الروح الإنسانية الحقة والمتسامية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى