أحدث الأخباراليمنمحور المقاومة

صمود اليمـن بين مرحلة هزيمة المشروع الصهيوني وتأسيس تأريخ مشرق للمنطقة والعالم

مجلة تحليلات العصر-نـوال النــونو /رئيس ملتقى الكتاب اليمنيين/مجلة يمن ثبات العدد الأول 7/2020

كانت الأهداف تقسيم وتمزيق ونهب البلاد، وضمان الولاء المطلق للغرب الاستعماري والرجعية العربية كهدف استراتيجي طويل الأمد، يضمن استمرار المشروع الصهيوني في المنطقة، وإبقاء اليمن في دائرة الاستكانة والوهن، وما زالت تلك أهداف العدوان منذ هزيمة المشروع بعد نجاح ثورة 21 سبتمبر حتى اليوم.

ومع دخول تحالف العدوان بكل ثقله واحتراق معظم أوراقه إن لم تكن جميعها، لا يخالج إنساناً شك بأن المشروع الصهيوني في اليمن والمنطقة ينحسر يوماً بعد يوم، وبرغم محاولة تلميع وتبييض صفحات العدوان ولعب الأمم المتحدة الدور المعادي لليمن، يبقى الهدف الاستراتيجي والأهم عنواناً للمرحلة القادمة «هزيمة المشروع الصهيوني».
عوامل عدة جعلت هزيمة المشروع ممكنة في مرحلة كان مجرد إبداء رأي أو معارضة له جريمة تستوجب العقاب، وإذا ما أردنا الحديث عن أهم العوامل سنرى أن توفيق الله والقيادة والمنهج والأمة، كعوامل استراتيجية تكامل بعضها البعض.
في الجانب القيادي ربما كان السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي ( حفظه الله ) الشخصية الأكثر حضوراً خلال مرحلة انكسار المشروع الصهيوني، وسيبقى العدو والصديق عن مسلمة لا مناص منها : أن القيادة اليمنية كانت استثنائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أما في الجانب الثقافي والمنهج لابد من الإشارة للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (عليه السلام) والذي كانت ملازمه المستنيرة بالقرآن الكريم أكاديمية ثقافية وعسكرية واجتماعية واستراتيجية شاملة نهل منها المجاهدون والأسر التي كانت إحدى ركائز المواجهة الاستراتيجية، وهي الأمة التي تضافرت جهودها في مصب مواجهة المشروع الصهيوني، ظهر على شكل صمود حديدي يصعب اختراقه وتجاوزه.
ربما كانت هذه المرحلة من أكثر المراحل التي سيقف عندها الغرب والشرق ليستفيدوا منها، بل نراها منعطفا أسس لتاريخ جديد للمنطقة والعالم، تنكسر فيه الهيمنة ، وتبدأ الأمم الشعوب في استعادة كيانها أرضاً وإنساناً، إذ يعلم الكثير أن الهيمنة الغربية على العالم حرمت الشعوب والأمم من إمكانية استخراج ثرواتها وبناء كيانها والعيش بحرية وكرامة، فضلاً عن سلبها القرار السياسي والسيادي وجعلها حديقة خلفية أو ما كان يعرف بـ«جمهوريات الموز»، وهو مصطلح ساخر يطلق للانتقاص من دولة غير مستقرة سياسيا، وليس لها ثقل سياسي واقتصادي بين دول العالم، ويعتمد اقتصادها على عدد قليل من المنتجات كزراعة الموز مثلا، ومحكومة بمجموعة صغيرة ثرية وفاسدة خاضعة للهيمنة الخارجية التي عادةً ما تكون على يد الاستعمار الغربي أمريكا وبريطانيا وفرنسا.
ولا يخفى على أحد حجم التدخل الغربي في الجمهورية اليمنية، عبر أدواتها الإقليمية الممثل بالنظام السعودي والنظام الإماراتي، وللأسف يجهل الكثيرون أن هذه الهيمنة تتدخل في أصغر الأمور بما فيها إمكانية أن تكون البلاد مستقلة غذائياً أو مكتفية ذاتياً بالزراعة، ولنا أن نتخيل أن حكومات «اليمن» البائدة كانت تلتزم بعدم زراعة القمح على المستوى الرسمي والاجتماعي، ناهيك عن منعها من استخراج الثروات من باطن الأرض أو إطلاق مشاريع اقتصادية تنموية كالموانئ والصناعة، وجعل جل همها توفير لقمة العيش أو إنارة الكهرباء كمشاريع استراتيجية يقدمها المرشحين في البرلمان أو الرئاسة، وهي طموحات يمكن الحصول عليها بكل سهولة عندما تستقل الدولة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، تلك الحقبة السوداء وكل ذلك أصبح وراء ظهرنا بإذن القوي العزيز.
لكن تبقى ورقة واحدة يناور بها الأعداء وسيجعل الله تعالى لها مخرجاً، وهي المعاملات الاقتصادية الدولية التي لا تتم إلا بواسطة الدولار الأمريكي، وهذا ما تستغله أمريكا في فرض عقوبات أقل ما يقال عليها «البلطجة» خارج منظومة الأمم المتحدة العاجزة والمسيطر عليها غربياً، على أي دولة ترفض وتتحدى الهيمنة أمثال «كوريا الشمالية» و«الجمهورية الإسلامية الإيرانية» و«فنزويلا» حتى دول أخرى بحجم «الصين» و«روسيا»، عقوبات وقيود اقتصادية تكبد الدول مليارات الدولارات، فإذا استطاعت الدول الاستقلال بقرارها الاقتصادي والسياسي والسيادي، وصدرت مواقف سياسية تناهض الهيمنة الأمريكية وتقف بجانب القضية الفلسطينية كفنزويلا مثلاً، وأرادت دولة مثل فنزويلا بيع نفطها لأي دولة، فإن الهيمنة الغربية تقوم بتجميد عوائد تلك الأموال في البنوك الأمريكية والبريطانية والغربية استجابة لعقوبات أمريكية، ببساطة وبكل بلطجة، وهذا ما جعل العالم شبيه بغابة مرعبة تخضع للأقوى، تنهب حقوق الشعوب وثرواتها وتصادر حقها في الحياة، لكن بوادر الانفراج تأتي بتراجع هذه الهيمنة مع خسائرها في اليمن والمنطقة أولاً، ثم انتهاج الدول الحرة نهجاً جديداً يعتمد على عملات غير الدولار الأمريكي أو الذهب أو الفضة أو مقابل سلع ومنتجات لها قيمة.
الشيء الأهم هو عدم امتلاك بعض الدول أوراق قوة تردع الهيمنة الاقتصادية الغربية على عكس الجمهورية اليمنية، التي تمتلك مجموعة خيارات من شأنها إجبار الغرب على التراجع عن أي عقوبات مستقبلية ومنعها بإذن الله، ومن تلك الأوراق: باب المندب، ومصالح الغرب الاستعماري في دول الخليج، والورقة الاستراتيجية الأكبر هي الكيان الصهيوني المُهدد بصواريخ ومسيرات اليمن، وهو ما يجعل فرص الإفلات من العقوبات الغربية أكبر من أي دولة في العالم.
أخيراً على شعبنا الصامد الصابر الحر الأبي الثقة بالله سبحانه وتعالى في تحقيق النصر الحتمي والقريب، والوعي بأبعاد المعركة والانتصار وحجم تأثيره على مصير اليمن لعقود قادمة بالإضافة لتأثيره الكبير والمباشر على المنطقة والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى