الثقافةالعراق

صناعة الاعلام وأساليبه . ودور الاعلام العراقي في التصدي المرحلي

مجلة تحليلات العصر الدولية

بقلم: محمد وناس

لا يخفى على احد دور الاعلام وتأثيره الكبير في مجريات الاحداث اليومية , واستخداماته كسلاح مؤثر جدا خصوصا في النزاعات والحروب ,
ظهرت قوة الاعلام وقوة تأثيره في الحرب العالمية الثانية بشكل واضح خصوصا بعد انتشار الراديو كوسيله لنقل الاخبار . استطاع الالمان بواسطة وزير الاعلام والدعاية النازي المشهور غوبلز من صناعة منظومة اعلامية مؤثرة جدا صنعت صورة مرعبة لألمانيا النازية الهتلرية , وبقيت كثير من الاسرار التي استخدمتها المانيا النازية قائمة الى وقت قريب وتلاقي نفس الصدى في نفوس الناس حتى بعد مرور 70 عام من نهاية النازية ,,
نحن نعيش الان في زمن انتهى فيه الاعلام الحر وتحول جميع الاعلام الى اعلام موجه . يقوم فيه كل من يريد الترويج لنفسه بتبني مؤسسة اعلاميه . ومن خلالها يسوق افكاره وأيديولوجياته .
حتى السينما لم تعد مطلقه فهي وسيلة ترويج لأفكار وثقافات ونظريات ترعاها رؤوس الاموال التي تشرف على انتاج هذه الافلام . وعلى سبيل المثال السينما الامريكية وكيف تتم ادارتها من خلف الستار من قبل الحزبين الكبيرين في امريكا ( الديمقراطي والجمهوري ) , وكيف تقدم لنا افلام تروج لأفكار المثلين والرومانسية المنحلة عندما يكون الرئيس ديمقراطي على سبيل المثال فلم تيتانيك الذي انتج في زمن الرئيس كلينتون الديمقراطي , وفي المقابل فلم الملوك الثلاثة الحربي الذي يحاول تقديم الجندي الامريكي كبطل والذي انتج في حكم الجمهورين المعروفين بانهم رجال امريكا المحاربين او هكذا يحاولن تقديم انفسهم وتقديم القوة الامريكية للعالم , والعشرات من الافلام الضخمة الانتاج كانت عباره عن سياسة الحزب الحاكم في امريكا .
كل منتج مهما اختلف نوعه او محتواه ( مادي او علمي او فكري او ادبي) يحتاج الى الخضوع لمفهوم التسويق . والتسويق اليوم اصبح علم بحد ذاته يعتمده الجميع .
وعند تقديم اي منتج يطرح المسوق السؤال التالي ( من هي السوق المستهدفة من هذا المنتج ) . بمعنى اخر من هم الناس او الشريحة التي تريد ايصال منتجك لهم دون غيرهم .
وفي السياسة وفي الاعلام تستخدم نفس مفاهيم التسويق هذه , ويتم تقسيم الشريحة المستهدفة الى ثلاث اقسام او ثلاث فئات
الاولى . المناصرين . وهم من يؤمنون او يحملون توجه ايجابي نحو الافكار التي يراد تسويقها او طرحها . وهذه الشريحة يقدم لهم اعلام يركز على ما يحملونه ويرسخ الفكرة في داخلة وغالبا ما يعتمد الجانب المعنوي في الطرح وفي جميع الاحوال يعتبر هذا القسم مضمون الجانب .
الثانية . الخصوم . او المناوئين او من يحملون افكار مخالفة وهؤلاء يقدم لهم اعلام الدليل والحجة ويحاول ايضاح الجوانب السلبية في الاطروحة المقابلة وتفنيد الدليل المقابل . وفي الغالب تبقى هذه الشريحة حامله لعنوان الخصم مهما كان نوع المطروح وغير مضمونه الجانب ولا يعتمد عليها في الدعم او المناصرة .
الثالثة . المتذبذبون . وهي الطبقة الاهم والتي يركز عليها الاعلام الموجه بشكل كبير . هذه الطبقة التي لم تحسم امرها او لا تملك دراية او وعي كامل بما يدور من جزئيات في المجتمع والحقيقة ان هذه الطبقة هي الطبقة الاكبر في كل المجتمعات والتي يحاول كل السياسيين في حملاتهم الانتخابية التركيز عليها وكل المؤسسات الاعلامية الموجهة تستهدفهم لجذبهم الى جانبها وابعادهم عن ساحة الخصم ,
وفي السياسة والاعلام ايضا الكذب مباح ( او هكذا يقدم تحت نظرية ميكافيلي الغاية تبرر الوسيلة ) , وهنا يتبادر سؤال مهم . هل كل الكذب مباح ام هنالك ستراتيجية معينة ينتهجها الاعلام الموجه في تقديم الكذب .
غالبا ما يكون الكذب تحت العناوين التالية ,
الاول . في جزئيات لا يمكن اثباتها وان تم اثباته فيحتاج الى وقت طويل يفقد حينها تأثيره على المرحلة , كما حصل في كذبة الاسلحة النووية وكيف استخدمت كوسيلة لضرب العراق من قبل امريكا وكيف جعلت مجلس الامن يصوت على استخدام القوة العسكرية في ازاحة نظام صدام عن الحكم . وكما يحاول الامريكان اليوم تسويقه على امتلاك ايران اسلحة نووية في محاوله لانضاج فكرة الحرب على ايران وجعل الشارع الامريكي والعالمي يتقبلها .
ثانيا . غالبا ما يتم انكار الهزائم او الخسائر او تخفيف اثرها في لحظة وقوعها ثم بالتدريج يتم الاعتراف بها جزئيا وعلى مراحل حتى تفقد تأثيرها اللحظي على الناس وكما حصل في قاعدة عين الاسد بعد قصفها بالصواريخ من قبل الحرس الثوري الايراني وكيف انكر الجيش الامريكي وقوع خسائر بالأرواح وقلل من قيمة الضربة عسكريا ومن ثم بداء بالاعتراف جزئيا بالخسائر على دفعات لامتصاص زخم الشارع الامريكي .
ثالثا . تزيف الحقيقة . اي استخدام نفس الادلة لأثبات حقيقة مختلفة تتناسب مع متطلبات الجهة الراعية . وهذا الاسلوب هو اخطر انواع الكذب الاعلامي والذي يتلاعب في اصل البديهيات ويعتمد اسلوب الضخ العالي للمحتوى الفكري المراد تسويقه او التظليل عليه والتركيز بقوة على هذا الجانب لفترات زمنية طويلة حتى يصبح الامر اشبه بالحقيقة عند المتلقي , وابرز مثال على هذا الامر هو كيفية تقديم المسلم من خلال السينما الامريكية وارتباط المسلم بالإرهاب والتطرف والقتل حتى اصبح كلمة مسلم عند الغرب مشابه لكلمة ارهابي . او محاولة ربط الفايروس بالإنسان الصيني حتى تحول كل فرد صيني الى عنوان للوباء .
في نظرة سريعة على الاعلام العراقي عموما و اعلام المقاومة خصوصا وكيفية تعامله مع الحدث اليومي وطرق تسويقه لأفكاره واطروحاته نكتشف ضعف او حتى ضياع لهذا الاعلام مع كل ما يملكه من مقومات مادية وبشرية وفكرية . وفشله الكبير في تقديم الصورة الحقيقية للفرد العراقي وللمجتمع العراقي , ناهيك عن الجانب الجهادي والتضحيات التي قدمها هذا الشعب العظيم في تصديه لصدام ودموية نظامه وفضح اساليبه التعسفية واكاذيبه , او في جهاد هذا الشعب العملاق في تصديه لهجمة داعش والفكر الظلامي الذي اراد طمس تاريخ ومستقبل هذا البلد وهذا الشعب ,
نحتاج اليوم الى اعاده نظر في الاعلام العراقي وخصوصا الاعلام المقاوم معتمدين على ستراتيجيات طويلة الامد تنهض بواقع الاعلام وتقدم الصورة الحقيقة لما قدمه الشعب العراقي في صراعه الطويل ضد الظلم . معتمدا المصداقية والدقة ومبتعدا عن المناهج الغربية والامريكية في السياسة الاعلامية المبنية على تزيف الحقائق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى