أحدث الأخبارايرانمحور المقاومة

صواريخ ايران والانتصار الجيوسياسي الفريد

مجلة تحليلات العصر الدولية - حسين فلسطين

لأكثر من اربعين عام ، ومنذ اندلاع الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني (رض) ، تحولت إيران إلى لاعب رئيسي في العالم ومنطقة الشرق الأوسط وعامل تغيير أساس في الأجندة الجيوسياسية العالمية لاسيما بغض النظر عن جملة المتغيرات التي حصلت خلال العقدين الأخيرين كأنهيار الاتحاد السوفييتي واحتلال الكويت وما تبعها من تجحفل غير مسبوق للقوات الأمريكية كذلك احتلال امريكا لأفغانستان و سقوط نظام البعث في العراق .

أدركت “ايران الثورة” أهميتها في لعبة الهيمنة العالمية خصوصا وإنها استشعرت حجم الاستهداف العالمي الغربي لثورتها الفتية خصوصا مع شن نظام صدام حربا اشبه بالعالمية ضدها ، لتنهج سياسة المقاومة والتعبئة على جميع المستويات ولعل اهمها رعاية المقاومة العسكرية في اكثر من بلد شرق اوسطي وتطوير قدراتها الصناعية والتكنولوجية مع تعزيز خطوط الدفاع السياسي الدبلوماسي الذي ابهر العالم واحرج القوى المناهضة لمشروعها الاسلامي والذي جنبها السقوط في فخ الاستفزازات لتنجح بأقناع العالم بأنها رقم صعب في كل المعادلات.

استطاعت الجمهورية الإسلامية في إيران أن تجد لها موطئ قدم في كثير من بلدان المنطقة وغيرها من الدول التي تبعد عن حدودها آلاف الكيلومترات ، فمشروعها المقاوم كان أمنية الشعوب المستضعفة التي تعاني هيمنة الغرب الراعي للصهيونية العالمية والإرهاب الوهابي ، فكانت في فلسطين كما اليمن والعراق وسوريا ولبنان اضافة الى دول أمريكا الجنوبية كفنزويلا وكوبا .

وبطبيعة الحال فإن الولايات المتحدة الأمريكية وبأدواتها الإقليمية رعت ما يناقض المشروع الإيراني وصدرت بكل ما تمتلكها من إمكانات دول وكيانات هدفها التسويق للمشروع الأمريكي، كالكينانين السعودي والصهيوني الذين مارسا الإرهاب الطائفي والعنصري ضد شعوب العالم العربي والإسلامي ولا سيما في الدول أنفة الذكر ، فالارهاب في العراق يقابله عنصرية يهودية في فلسطين والحرب على اليمن تقابلها محاولة لتفكيك سوريا ولبنان ، إضافة لاستهداف مفرط للثورات الشعبية في البحرين والحجاز .

كل تلك الأحداث جعلت إيران تذهب إلى تطوير السلاح الصاروخي وهي تحاول الوقوف أمام التفوق الجوي والبحري الأمريكي، لتصبح قوة صاروخية اولى في الشرق الأوسط قادرة على استهداف أي دولة بدون استثناء بفضل ما انتهجته من سياسة دعم ورعاية جعلت صورايخها في متناول يد الدول والحركات المناهضة للمشروع الصهيوامريكي لتجبر كل من الغرب وإلكيان الإسرائيلي و بعض الكيانات الخليجية تجنب الحل العسكري نظرا للأنتشار الاستراتيجي لقوتها الصاروخية بمناطق تحاذي النفوذ العسكري الأمريكي.

جملة الانتصارات التي حققتها طهران في “اليمن الحوثية” و “شام نصر الله” و “العراق الحشدي” الذي دمر مشروع داعش الإرهابي ، عززت بالتقدم النووي السريع والذي لم يتوقف بالرغم من ظروف الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض عليها وفي نفس الوقت كثفت قنوات التواصل الدبلوماسي الإيراني عملها من خلال طرح وتسويق رؤاها رغما عن انف المحور الأمريكي ، فمن بغداد و جنيف إلى فينا مهدت الخارجية الإيرانية لارضية تفاوض غير مشروط أجبر كبار الغرب على الجلوس على طاولة حوار (٥+١) لتنطلق بقوة نحو مشروع نووي إيراني خارج النفوذ الأمريكي.

وفي المقابل شرعت الدبلوماسية الإيرانية إلى إعادة هيكلة قوى ومحاور العالم بما يتناسب ومشروعها المقاوم فالفيتو الصيني الروسي أصبح أداة طيعة للأيرانيين أمام مجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة لتحقق من خلالها ضربات موجعة جعجعت بأمريكا ومحورها لتقدم نفسها وبسرعة صورايخها العبارة للقارات أمام عالم لم يكن يرى او يسمع ما يخالف ويناقض الهدف والرؤية الأمريكية .

جملة تحولات سريعة شهدتها الأسابيع الثلاث الأخيرة لم تكن وليدة اللحظة بل انها نتاج طبيعي للسياسة الإيرانية التي تعتمدت في أغلب قضاياها الداخلية والخارجية سياسة النفس الطويل ، فالنار الهادئة التي طبخت ارامكو السعودية كانت قد حققت جزء مما حققه الحشد الشعبي وفضائل المقاومة الذين أفشلا قيام دولة وهابية متطرفة تستقطع أراضي عراقية وسوريه تناغم الوجود العنصري للكيان الصهيوني ، وهو ما رتب لهزيمة أخرى حققها الحوثيين لتصبح “عاصفة الحزم” اعصار داخلي يهدد وجود الكيان الوهابي القائم منذ اكثر من قرن من الزمن ، لتتكبد “السعودية” خسائر فادحة كلفتها مئات المليارات اضافة لخسائر سياسية اضعفت حظوظ السعوديين أمام المجتمع الدولي الذي لا يرى الكيان اليوم كما كان يراه في السابق مما أجبر ولي عهد المملكة المفجوعة لمغازلة ايران ومحاولة التقرب منها عن طريق الوسيط العراقي الذي لم يستغل حالة الانهيار “السعودي” بل كان عاملا مساعدا لأعادته لواجهة المنطقة على الرغم مما يدين به الكيان السعودي للشعب العراقي الذي اكتوى بنار ارهابه لأكثر من سبعة عشر عام كانت مفخخاته حاضرة بقوة وكثافة في أغلب مدن العراق وقصباته.

ولعل العراقيين يأملون تأخير جولة المفاوضات بين ايران من جهة والمحور الأمريكي وذراعيه الإسرائيلي السعودي من جهة أخرى إلى حين إجراء انتخابات نزيهة بعيدة عن تأثير واشنطن والمال الخليجي كونهم لا يثقون بمؤهلات من يتصدى حاليا لرعاية جولات التفاوض ، خصوصا وأن العراق وعلى الرغم من كونه أكبر المتضررين من الإرهاب السعودي إلا أنه لم يكن الاّ مجرد حيزّ مادي اختصر دوره ب”غرف اجتماعات” دون عرض مطالب شعبه الذي أحرق بنار الإرهاب والتطرف والقتل الذي أدى إلى خسائر بشرية تجاوزت المليونا شهيد ومئات الآلاف من الجرحى اضافة الى خسائر مادية تقارب آلاف مليار نتيجة ما لحق ببناه التحتية من دمار شامل انعكس على امنه الذي كان سببا في هروب كبرى شركات العالم من الاستثمار والتنمية في العراق!

لذلك فإن وجهة نظري ان يستغل العراق حالة الضعف الأمريكي السعودي على الاقل كما استغله الفلسطينيون اليوم الذين انتفضوا بعد الصاروخ الذي هز ديمونة وارعب سلطات الاحتلال الإسرائيلي ، ويقدم على الاقل مطالب شعبه وإن كنت أرى صعوبة أن تحمل الحكومة الحالية تلك المطالب مما يجعلنا نتأمل أن تسبق الانتخابات “المبكرة” إكمال جولة المفاوضات لكي تتصدى الحكومة المقبلة رعاية التفاوض وإن تكون في نفس الوقت طرفاً يحمل في أوراقه جملة من الشروط والمطالبات التي تحقق له تعويضاً مادياً ومعنوياً وسياسياً ، يضاهي ما اكتسبته ايران التي نجحت في أن تمزج طيلة السنوات الأخيرة المناورة الدبلوماسية والردع الصاروخي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى