أحدث الأخبارايرانلبنانمحور المقاومة

ضبابية “الجيو-بوليتيك” السياسي والتحالفات في “غرب آىسيا”

فراس ياغي

يرى بعضاً ممن كان سابقاً ينطلق في تحليله للأحداث الجارية في أوروبا والعالم وفقا لمعطى الحرب الباردة وقطبي العالم القديم الرأسمالي والإشتراكي، رغم أن الكثير منهم إنتقل بمفهوم الإنزياح الكامل وبدأ يُحلل وفقا للمعطى الغربي الأمريكي وتحت يافطة الديمقراطية وحقوق الإنسان والليبرالية وما بعد الليبرالية ومن ثم ظهور الشعبوية، وإعتمد فكرة المصالح كأساس في العلاقات “الجيو-سياسية”.
ورغم أن فكرة المصالح أساسية بإعتبارها تعبير واضح عن تطلعات كل دولة، إلا أن ذلك قد لا يكون هو الأساس أحيانا حين تسود حالة “الجيو-بوليتيك” ، وقد لاحظنا ذلك في الحدث “الروسي-الأوكراني” الذي هزّ العالم ككل، فرغم أن مصالح “أوروبا” الإقتصادية ومصلحة شعوبها تتطلب عدم إتخاذ خطوات تنعكس سلبا عليها، إلا أنها تساوقت بشكل كامل مع “الولايات المتحدة” في فرض عقوبات إقتصادية غير مسبوقة هدفها تدمير وتركيع “روسيا الإتحادية”، هذه العقوبات التي أثرت على كل العالم بحيث إزداد التضخم في معظم دول العالم وهبطت قيمة العديد من العملات وليس فقط الروبل الروسي، ورفعت الفائدة في البنوك المركزية ، كما أن الأسعار إرتفعت بشكل مطرد خاصة الطاقة والمواد الغذائية، ويبدو أنها سوف ترتفع أكثر وأكثر.
هناك واقع جديد بدأ يتشكل على مستوى العالم والإقليم في منطقتنا في “غرب آسيا”، هذا الواقع لا زال ضبابيٌ بعض الشيء ولكن هناك مؤشرات تعطينا بعضا من ملامحه، مع ضرورة الأخذ بعين الإعتبار أن هناك تحالفات جاء ثمنها دماء سالت ولن تتبدل مهما كانت الإغراءات، وهنا أقصد الدول التي أسمتها أمريكا بالدول “المارقة” وعلى رأسها “إيران” وحلفاءها و”سوريا” و”كوريا الشمالية” و”فنزويلا” و”كوبا”، هذه الدول بدأت تَعلم بل هي متيقنة من واقع “جيو-سياسي” يتشكل بسرعة سيؤدي بالضرورة لانتهاء صفة “المارق” حتى ممن أطلق عليها هذه الصفة، وهذا تغيير الضرورة لن يؤثر بالمطلق على طبيعة التحالفات السابقة بل سيعززها، هي قد تستفيد مما يحدث مثل استفادة “إيران” من الإتفاق “النووي”، واستفادة “فنزويلا” من رفع العقوبات، وإستفادة “سوريا الأسد” من فك العزلة العربية والدولية.
المعطى الجوهري “الجيو-سياسي” مركزه “روسيا” و “الصين”، وبجانبه ومعه تلك الدول التي أسموها “المارقة” الأصليون ب “المارقة”، في حين “إسرائيل” تتلمس بقوة ذلك وإجتماع “شرم الشيخ” بين “مصر والإمارات وإسرائيل” ما هي إلا البداية للواقع “الجيو-سياسي” القادم بقوة الضرورة.
مركز “الجيو-بوليتيك” المتمثل في “روسيا-الصين” له علاقات قوية ومتشعبة مع كل الدول في الإقليم، وفي نفس الوقت نرى الحليف “الأمريكي” لا يتجاوب مع حلفاءه ويذهب بقوة لإتفاق نووي مع “إيران” وتحت أي ظرف، وفي نفس الوقت يطلب منهم الإمتثال لما فرضه من عقوبات على “روسيا” إضافة إلى مطالبته لزيادة إنتاج النفط والغاز، ويبدو أن الدولة الوحيدة التي تطيع الأوامر بشكل كامل هي دولة “قطر”، في حين بقية الدول مرتابة وتريد إطاعة الأوامر ولكن بشروط لا يستطيع الحليف تطبيقها لأسباب “جيو-سياسية” وأسباب إقتصادية، فالحليف “الأمريكي” يرى بما يخص منطقتنا أن الإتفاق النووي مع “إيران” سيؤدي لزيادة إنتاج النفط من جهة ومن الجهة الأخرى إبعادها عن تحالف لصيق مع “الصين” و “روسيا”، هذا منطق ومفهوم مصالح الضرورة بخلق منافس للطاقة في السوق العالمية تؤدي لتناقضات بينها وبين “روسيا” ومنطق الأغراء لدولة ينظرون إليها بأنها راعية للإرهاب، بينما حقيقة الأمر أن هناك تحالفات لا يمكن تفكيكها ودولة ك “إيران” ستستفيد مما يحدث عالميا وتعزز وضعها في الإقليم بقوة وستبقى في نفس الوقت ضمن حلفها السابق غير المعلن وبالذات مع “الصين” التي بينهم معاهدة طويلة الأمد وأيضا مع “روسيا” التي وقفت لجانبها وشاركتها كتف بكتف في “سوريا”، وبالطبع السبب الأساسي سيكون واقع “الجيو-بوليتيك” الذي يؤسس لحلف يربط بين الدول “الأوراسية” والذي يتشكل ببطء وبهدوء.
طبيعة التحالفات القادمة لن يكون فيها إنزياح كبير ولافت في “غرب آسيا” بسبب المعضلة “الإسرائيلية” التي تحتل أراضي الشعب الفلسطيني وترفض الإنسحاب منها وتريد أن تُقلّل خسائرها مع تعاظم قوة “إيران” بعد الإتفاق النووي وتحقق مكاسب إقليمية مما يحدث الآن على مستوى أوروبا والعالم، لذلك هناك عدة سيناريوهات قادمة ومتوقع حدوثها لأن الجانب الأمريكي ك “دولة” عميقة بقيادة “الحزب الديمقراطي” حسم الأمر في مواجهة “روسيا” من خلال حجم العقوبات التدميرية ضدها وإستطاع أن يوحد “أوروبا الغربية” وبعضا من “الشرقية” خلفه ومنع أي تقارب “روسي-ألماني-فرنسي” كان من الممكن أن يحدث ويتعاون مع “الصين” ويؤدي لتقليص كبير للنفوذ الأمريكي في العالم، وفي نفس الوقت طبيعة العقوبات الإقتصادية على “روسيا” هي موجهةٌ لتخويف “الصين” من نفس المستقبل إذا تجرأت وضمت “تايوان” بالقوة.
ما يحدث هو محاولات الإمبريالية الأمريكية لتقليص خسائرها ونفوذها الذي تضعضع كثيراً بسبب حروبها في “غرب آسيا” وبسبب الوضع الداخلي المنقسم بشكل ملحوظ بين الديمقراطيين والجمهوريين، وخلق عدو بحجم “روسيا” سيؤدي لتوحيد الداخل الأمريكي ويحول “أوروبا” لملحق للسياسة الأمريكية رغم أن ذلك ممكن الحدوث تكتيكيا ولكن على المستوى الإستراتيجي المتوسط والبعيد فإن أوروبا وبالذات “ألمانيا” و “فرنسا” لن تقبل تدمير نفسها إقتصاديا لصالح الحفاظ على قطبية واحدة للعالم.
ضبابية “البوليتيك-السياسي” في منطقتنا مرتبط بالإرهاصات التي تحدث على مستوى أوروبا والعالم، تلك التي أحدثتها هزة العملية الخاصة “الروسية” في “أوكرانيا” والتي ستؤدي لواقع “أوروبي” و “عالمي” مختلف جذريا عن السابق سيعكس نفسه بقوة ويؤدي لحدوث تحالفات جديدة ستتضح معالمها لاحقا وبعد إنتهاء هذه العملية، لكنها لن تؤدي لإنزياحات كبيرة وجذرية، فالتعارضات القائمة بين بعض الدول العربية المعتدلة والولايات المتحدة الأمريكية سوف يتم حلها لصالح تشكيل حلف “إقليمي” مدعوم “أمريكيا” لمواجهة القوى الصاعدة في الإقليم “إيران”، وهذا الحلف التنسيقي الأمني والإقتصادي سيشمل الكثير من الدول “العربية المعتدلة” و”إسرائيل” ومعهم “تركيا” برجل واحدة كعادتها، “الولايات المتحدة الأمريكية” ترى أن تهدئة الأمور في منطقتنا عبر الإتفاق النووي سيؤدي لتهدئة شاملة وحلول ممكنة للمعضلة “اليمينة” ومن ثم التفرغ لأساس الصراع المتمثل في “الصين” و “روسيا”، أما “سوريا” و “العراق” و “ليبيا” ستبقى بؤر توتر وصراع وفقا لطبيعة التحالفات القادمة لذلك كان موقفها حازم ضد زيارة الرئيس السوري “بشار الأسد” لدولة “الإمارات”.
إجتماع “شرم الشيخ” جاء للتأسيس للقادم في منطقتنا ولفهم ما دار مع الرئيس “الأسد” في “الأمارات” خاصة أن الزيارة فاجأت الجميع ممن يتحالفون ويُنسقون مع “الإمارات”، ويبدو أن البعض “الإماراتي” نظر للأمر من منطلق تكتيكي ومحاولة لإستباق الرؤيا الأمريكية وللتأسيس لسياسة “صفر” صراعات ومقدمة للحل في “اليمن” ومن جهة أخرى لأسباب إقتصادية خاصة أن “سوريا” واعدة في الطاقة والغاز، وهنا المصلحة “السورية” وبالذات بما يتعلق بالدولة ورئيسها وجدتها فرصة لفك العزلة المفروضة عليها، لكن ذلك لن يجعلها تَحيد عن حلف الدم الذي تأسس مع “إيران” و “روسيا”.
سيبقى الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو المعضلة الأساسية في منطقتنا ولن تستطيع “أمريكا” إحداث إنزياحات حقيقة في واقع التقسيم “الجيو-سياسي” المُتَشكّل كنتيجة لذلك، وهنا أقصد محور “المقاومة” الذي تتزعمه “إيران” لأنها ستبقى جزءاً واحداً مرتبط بشكل عضوي ليس لأسباب إقتصادية وأمنية ومناطق نفوذ فقط، ولكن كمفهوم أيديولوجي ديني في النظرة لدولة الإحتلال، في حين المحور الآخر ليس أمامه خيارات سوى أن يحل تعارضاته (لم تصل الخلافات لمستوى التناقض) مع الحليف “الأمريكي” وهذا ما ستقوم به “إسرائيل” والتي تعي جيدا أهمية الإصطفاف بجانب الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.
هي ضبابية بعض الشيء، لكنها ضبابية تكتيكية أكثر من كونها تغييرات جذرية لطبيعة التحالفات القادمة في منطقتنا، وحتى تكون تلك الإنزياحات ممكنة وقابلة للتحقق، فالقضية الرئيسية يجب أن يتم وضع حلول جذرية لها، وهي القضية الفلسطينية التي هي قضية كل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، ودون ذلك سينقشع الضباب ويستمر الصراع حتى حسمه سلماً أو حرباً، والتخوف الممكن هو سيناريو إنتهاء الصراع بحل مشكلة “الجولان” و”مزارع شبعا” بدعم “روسي” على حساب القضية الفلسطينية رغم ضئالة هذا الإحتمال، وهذا بحاجة لمقال آخر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى