أحدث الأخبارالعراقسوريامحور المقاومة

ضربتان مُوجِعَتان: الأولى في العِراق والثّانية في سورية وفي اليوم الثّاني لولاية بايدن.. ما هي الرّسالة ولماذا وصلنا إلى هُنا؟ كيف نرى مُستَقبلًا قاتمًا للمِنطَقة بعد خُروج ترامب ومجيء خصمه؟ ولماذا نلوم روسيا وقِيادتها في كبح خِيار حتميّة الرّد؟

مجلة تحليلات العصر - عبد الباري عطوان

هُجومان دمَويّان الأوّل انتحاري “مُزدوج” استهدف بغداد وأدّى إلى استِشهاد 32 وإصابة مئة من الأبرياء العِراقيين في ساحة الطّيران، والثّاني بالصّواريخ أطلقتها طائرات إسرائيليّة من أجواء مدينة طرابلس اللبنانيّة فجر اليوم الجمعة باتّجاه مُحافظة حماة السوريّة، ممّا أدّى إلى استِشهاد أسرة من أربعة أفراد، الأب والأم وطفليهما.

هل من قبيل الصّدفة أن يأتي توقيت هذين الهُجومين بعد يومين فقط من تَولّي الرئيس الأمريكي جو بايدن مهام سلطاته؟ وإذا كان الهُجوم الإسرائيلي ليس جديدًا، فإنّ نظيره الدّمويّ الانتحاريّ العِراقيّ يَحدُث للمرّة الأولى بعد غِياب استمرّ ثلاث سنوات، اعتقد خلالها القادة العِراقيّون أنّ خطر تنظيم “داعش” قد زال إلى الأبد، وكثّفوا من فسادهم الإداري والمالي وانشَغلوا في حُروبهم السياسيّة وانقِساماتهم الطائفيّة الداخليّة عن التحدّيات والمخاطر التي تُواجِهها البِلاد.

فإذا كانت الرّسالة الإسرائيليّة التي حملتها صواريخ الغارة الأخيرة على حماة تقول لبايدن إنّ الغارات على سورية ستستمر وستظل “دار لقمان” السوريّة على حالها، فإنّ نظيرتها العِراقيّة تُؤكّد أنّ العمليّات الانتحاريّة ستعود إلى العاصمة العِراقيّة وربّما بشَكلٍ أقوى من أيّ وقتٍ مضى، وأنّ هذه البداية فقط، وعليكم كعِراقيين، حُكومةً وشعبًا أن تدفعوا ثمن أيّ مُطالبة بطرد القوّات الأمريكيّة من العِراق، والتّفكير، مُجرّد التّفكير، بالانضِمام إلى محور المُقاومة، وإشهار سيف العداء في وجهِ كُلٍّ من الولايات المتحدة ودولة الاحتِلال الإسرائيلي.

سورية وإيران تدفعان ثمن عدم ردّهما على العُدوانات الإسرائيليّة المُتكرّرة سواءً في الأراضي السوريّة أو في العُمق الإيراني، والعِراق يدفع ثمن فشل نُخبته السياسيّة في إقامة دولة مُؤسّسات بَعيدٍ عن المُحاصَصات والأحقاد الثأريّة الطائفيّة، وتعميق قيم التّعايش والمُساواة والتّوزيع العادل للثّروات في إطار العدالة الاجتماعيّة ودولة القانون.

*

إذا افترضنا جدلًا أنّ النّظام العِراقي السّابق فَشِلَ على الصُّعد كافّة، سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، فكيف يُبَرِّر أصحاب هذه المقولة عدم إصلاح هذه الخلل على مدى 18 عامًا مُنذ الإطاحة أمريكيًّا بهذا النّظام واجتِثاثه مِن جُذوره.

نسأل، ومن حقّنا، وحق جميع العِراقيين أنْ يسألوا أيضًا، لماذا لم يتم طِوال هذه السّنوات تأسيس جيش وأجهزة أمنيّة قويّين ترتقي إلى مكانة البِلاد وإرثِها الحضاري، فالمال مَوجودٌ والرّجال موجودون، والتّاريخ العسكريّ والمدنيّ العِراقي في هذا المِضمار لا يُمكِن نُكرانه، فنحن نتحدّث هُنا عن دولةٍ إقليميّةٍ نفطيّةٍ عُظمى تزدحم بالكفاءات والعُقول الجبّارة، ويعود تاريخها إلى أكثر مِن 8 آلاف عام.

أكبر خطأ ارتكبته النّخبة السياسيّة العِراقيّة في مرحلة ما بعد الاحتِلال هو عدم التّعاطي بطَريقةٍ علميّةٍ حضاريّةٍ وإنسانيّةٍ عادلة مع الحَواضِن العِراقيّة المُفتَرضة للإرهاب ومُنظّماته، بعيدًا عن التشفّي والنّزعات الانتقاميّة، وتحصينها من أيّ اختِراقٍ جديد لهذه الحواضن، وتعميق الهُويّة الوطنيّة العِراقيّة الجامعة.

نعم ظاهرة الفساد التي تتغوّل إفرازاتها الإجراميّة لا تُفرّق بين طائفةٍ وأُخرى، وإنّ المُعاناة والفقر والحِرمان والتّهميش بات يَضرِب في جميع الاتّجاهات، ولكنّ هذا ليس مُبَرِّرًا لتجويع 30 مِليون عِراقي وحِرمانهم من الحدّ الأدنى من الحياة الكريمة، ولقمة العيش الهنيّة في بَلدٍ يُعتَبر واحد من أغنى عشر دول في العالم، فالمُساواة في الفقر والمُعاناة ليس عَدلًا.

من المُؤلِم أنّ كُل التوقّعات تُشير إلى أنّ أيّام العِراق القادمة، وبعد تولّي جو بايدن الحُكم في أمريكا، ستكون “غير ورديّة”، إن لم تَكُن “دمويّة”، حافلةً بالاضّطرابات والتّفجيرات وانعِدام الأمن وغِياب الاستِقرار، فهذا الرّجل كانَ وربّما لا يزال، من أكثر المُحَرِّضين على العُدوان على العِراق واحتِلاله وتدميره، ووقف وهو الدّيمقراطي في خندق الغزو الأمريكي الجُمهوري لبغداد زمن جورج بوش الابن، وهو صاحب نظريّة تفكيكه وتقسيمه إلى ثلاث دول على أُسسٍ طائفيّةٍ وعِرقيّةٍ مُتَبَنِّيًا نظريّة الصّهيوني برنارد لويس.

 

⬅️ للمزيد: https://www.raialyoum.com/index.php/%d8%b6%d8%b1%d8%a8%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d9%85%d9%88%d8%ac%d8%b9%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84%d9%89-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%a7/

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى