أحدث الأخبارشؤون آسيويةشؤون امريكية

طبول الحرب في البحر الاحمر والصدام في مكان أخر

مجلة تحليلات العصر الدولية - علي الربيعي

المناورات لدولة او بمشاركة دول عدة ماهي الا استعراض للقوة بعيدا عن الحرب. فالمناورات البحرية في البحر الاحمر التى جرت مؤخرا لمدة خمسة ايام ابتدأت في يوم 09/11/2021 وشاركت فيها امريكا واسرائيل والامارات العربية والبحرين كانت في جزء منها تحاكي المناورات الايرانية في بحر عمان والخليج الفارسي التي تقوم بها القوات الايرانية من لوقت لآخر. قائد الأسطول الامريكي في المناورات قال هي المناورات الاكبر حجما وعددا من حيث الدول المشاركة فيها. وقال مصدر عسكري إسرائيلي إن الهدف من هذه المناورات البحرية المشتركة هي مواجهة التموضع الإيراني. المعلومات الإخبارية تشير الى ان المناورات هي في قلب الطريق الملاحي الحيوي الذي يؤدي لقناة السويس. لقد أجريت في البحر الاحمر لبعدين اولهما هو تجنب الاحتكاك بالبحرية الايرانية اذ رب خطأ للدول المشاركة سيكلفها حربا مبكرة غير مستعدة لها. الثاني اجرائها في مياه ساخنة كالخليج او البحر المتوسط مع وجود اسرائيل كدولة مشاركة سوف تفسر انها استفزازية ليس لايران فحسب بل للصين ولروسيا التى باتت علاقاتهما مع امريكا على محك حرب مدمرة بعد حرب باردة. فالعالم اليوم يعيش حالة انقلاب في رقعة شطرنج سياسية. والعالم اليوم يحكمه سياسيون يعيشون بقلب ولكن بدون ضمير يقرأ وضع العالم مابعد الحرب.

عندما تكون المناورات متزامنة مع توتر سياسي هنا او هناك ففي هذه الحالة هي عبارة عن رسالة سياسية لخصم او خصوم خصوصا وللعالم عموما ان الايام القادمة ربما تنذر بالحرب ان لم تخضع الخلافات بين الاطراف المتنازعة لمداولات سلمية. ففي مشاركة اسرائيل ودولتان خليجيتان فان وجهة الرسالة واضحة. فهي تعني ايران وحزب الله في لبنان وان كان ابتلاع هاتان الدولتان الخليجيتان لايكلف ساعات معدودة في حالة نشوب حرب. اما التساؤل الاكبر فهو الوجود الامريكي في المناورة. امريكا ارادت بوجودها البحري مع دول خليجية صغيرة لا اهمية لقوتها هو إبقاء الحرب الباردة والتوتر مع روسيا والصين في أدنى مستوياته بعد انشاء حلف اوكوس AUUKUS المكون من الدول استراليا والمملكة المتحدة وامريكا، والذي استثنيت منه فرنسا والاتحاد الاوربي.

العلاقات الروسية – الامريكية بدأت تجاريا وترجع الى سنة 1698 في زمن القيصر الروسي بطرس الاكبر. وروسيا هي من ساعدت امريكا في نيل استقلالها من الامبراطورية البريطانية عام 1775. الا ان الخلاف بينهما نشأ بعد الحرب العالمية الثانية لظهورهما كقطبين في قيادة العالم (جمهوريات الاتحاد السوفياتي الشيوعية والولايات المتحدة الامريكية  الرأسمالية)، متنافسين سياسيا ومتناقضين اقتصاديا. صراع القطبين انتهى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1989 ليعود الصراع بينها بعد عقدين من الزمن صراع قوى كبرى اثر الصعود العمودي الجديد للقوة الروسية الذي اصبح مقلقا لامريكا.  لقد قيمت امريكا بداية ان القوة الروسية بعد انهيار المعسكر الشيوعي هي قوة لاتستحق المواجهة الا انها لا تترك بدون مراقبة. هذا التقييم الغير الدقيق للقوة الروسية ادى الى الزحف الامريكي البطيئ نحو روسيا وتطويقها بإنشاء قواعد قريبة من حدودها الغربية في الجمهوريات السابقة للاتحاد السوفياتي في الجزء الاوربي ودول اوربا الشرقية والمنافذ المائية الروسية في البحر الاسود. هذا الزحف الامريكي نحو روسيا ادى الى تصدع العلاقات بين البلدين ودخولها الى مستوى الحرب الباردة مرة أخرى، مما دفع روسيا ان تضم شبه جزيرة القرم وشرقي اوكرانيا ذات الاغلبية الروسية الى اراضيها. تصريحات القادة الروس الاخيرة حول احتمال الصدام بين القوات الامريكية والروسية في البحر الاسود او في اوكرانيا هو كلام يسبق الحرب على مايبدو. امريكا لم تترك تصريحات الروس بدون رد فقد حركت قرابة 1000 دبابة و120 طائرة مقاتلة مع معدات عسكرية أخرى الى قاعدة الكسندربولي في اليونان القريبة من المضائق المائية للبحر الاسود، البسفور والدردنيل، لخنق البحرية الروسية في حالة نشوب حرب.

اما العلاقات الامريكية – الصينية فقد بدأت في أوائل السبعينيات من القرن الماضي حين بدأت المباحات بين وزير الخارجية الامريكي هنري كيسنجر ورئيس الوزراء الصيني شون لاي. الصين في كل اللقاءات مع امريكا ركزت على شرط يسبق استناف العلاقات بينهما وهو اخراج تايوان (الصين الوطنية)، التي تكفلت امريكا بحمايتها، من العضوية الدائمة للأمم المتحدة ودخولها هي (الصين الشعبية) مكانها. بعد ان خضعت امريكا للشرط ودخلت الصين في العضوية الدائمة للأمم المتحدة ومجلس الامن بدأت العلاقات الثنائية بين البلدين تتطور على الصعيد السياسي والتجاري والاقتصادي. التقدم الصيني الاقتصادي والصناعي والتكنولوجي المتسارع في السنوات الاخيرة لم يكن مصدر ارتياح للولايات المتحدة الامريكية مما جعلها تنشأ قاعدة صناعية وتكنولوجية في تايوان (الصين الوطنية) في مواجهة التقدم في جمهورية الصين الشعبية. هذا التقدم التكنولوجي في تايوان اخذ ينافس الصين وخصوصا في مجال اللوحات الالكترونية،
(SEMI CONDUCTORS)
بحيث استطاعت تايوان من الوصول الى تصنيع لوحات الكترونية متناهية في الصغر تصل 5 نانو تشغل مليون خلية الكترونية في مصنع TSΜC الذي يعمل بتكنولوجيا امريكية. وهذا ما لم تستطيع الصين وصوله فباتت تستورد ماقيمته 400 مليار دولار سنويا لوحات الكترونية من تايوان.  في شهر تشرين اول من العام الحالي 2021 كتب نيل فيركسن المحرر العلمي في صحيفة الكارديان البريطانية مقالا جاء فيه ان من يسيطر على تايوان سوف يسيطر على العالم تكنولوجيا اشارة الى ان الصين ربما سوف تحتل تايوان. لم ينتهي الشهر تشرين الاول اذ لمحت الصين انها قد تضطر الى غزو تايوان الجزيرة لضمها الى الارض الام. التصريح الصيني لم يكن كتلة الجليد التي القيت على العلاقات بين الصين وامريكا لتتولد عنها الحرب الباردة. بل الحرب الباردة بدأت منذ بدأ الصعود الصيني وسيطرة منتوجها على الواردات الامريكية بنسبة 45 %. امريكا صرحت انها قد تضطر الى نقل المصنع الى ولاية اريزونا لتشابه المناخ بين تايوان واريزونا.

سياسة الرئيس ترامب جعلت سلفه بايدن او الادارات من بعده في وحل اسود لايحمد عليه. الغوص فيه اعمق اسهل من صعوبة الخروج منه لانقاذ الهيبة الامريكية. فالتوتر الامريكي الروسي في شرق اوربا والبحر الاسود والاخر بين امريكا والصين في المحيط الهادي وبحر الصين لم يعد مادة صحفية تملأ الاعلام العالمي ببرامجه المقروءة والمسموعة وبلغات شتى، ان لم يكن رهين خطأ يحول هذه التوترات الى صدام حرب كونية. فروسيا صرحت على لسان رئيسها بيوتن ان الحرب قد تنشب في اية لحظة بين روسيا والصين من جانب وامريكا وحلفائها من جانب اخر.

المراقبون حول العالم يرون ان سرعة الرد الروسي الصيني على أية مبادرة هجوم امريكي قد تكون كارثية عليها نتيجة تطور القدرات الصينية والروسية الى اضعاف ما كانت عليه سابقا. واذا كانت مبادرة الحرب هي من الجانب الروسي والصيني فالخيار يكون أصعب أمام أمريكا في المواجهة. الصين صنعت صواريخ فوق الصوتية تبقى تدور حول الكرة الأرضية بسرعة 20 ماخ (اي اسرع من الصوت 20 مرة)، دون ان تكشفها الرادارات، تضرب أهدافها في اي مكان ومتى ما أعطيت لها الاشارة. اما روسيا فقد أدخلت الى الخدمة صواريخ متطورة جدا. منها بالستية واخرى ارض-جو وثالثة مضادة للقطع البحرية والغواصات ورابعة ستراتيجية تسير بسرعة 28 ماخ اضافة الى الاسلحة التقليدية والنووية عند كلا البلدين. يقول الخبراء الامريكان ان التطور الجديد في الاسلحة الروسية والصينية ممكن ان يجعل التفوق في أية حرب قادمة ليس لصالح امريكا. والسؤال اذا كان الصدام مرشحا ان يكون في البحر الاسود وشرق اوربا والمحيط الهادي فهل المناورات البحرية التي جرت في البحر الاحمر هي بداية المسيرة التي تدق فيها طبول الحرب؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى