أحدث الأخبارايرانمحور المقاومة

عندما شعرت المقاومة باليُتم ..!

مجلة تحليلات العصر الدولية - عرفات عبدالله أبو زايد

كانت الساعة تشير نحو الواحدة منتصف الليل, كنت منهمكاً بالدراسة وتقليب الكتب والمجلات في إطار دراستي الجامعية العليا لمساق دراسات في الأمن القومي, حيث كان مطلوب مني أن أقوم بتحضير مادة عن وثيقة الأمن القومي الأمريكي الصادرة عام 2017 بالجزئية الخاصة بالرئيس ترامب وتغير النظام العالمي, وكذلك جزئية ترامب والقومية الجديدة , في خِضم البحث عن معلومات تساعدني في تحضير المادة العلمية, جاءني اشعار من موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” عن سقوط صواريخ على قاعدة للاحتلال الأمريكي, تركت ما كنت عليه وذهبت لمتابعة الأمر, لاسيما وأن تلك الأيام كانت الجبهة العراقية تتوسع في سخونتها, حيث قبل أيام قليلة في اخر يوم من عام 2019 بتاريخ 31 ديسمبر قام الالاف باقتحام لمقر السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء في بغداد، من قبل مجموعات وفصائل موالية للحشد الشعبي، وهاجم المحتجون حينها الذين يحملون أعلام الحشد الشعبي وحزب الله العراقي مبنى السفارة ونجحوا في اقتحام الباحة الخارجية للسفارة، واقتحموا نقطة أمنية عند مدخل مجمع السفارة الأمريكية وأضرموا فيها النار، وكذلك الصواريخ التي لم تهدأ بشكل يومي من تساقطها بالمنطقة الخضراء في العاصمة بغداد, وكنت أتابع بشكل يومي لكل تلك الأحداث, كيف لا ؟!, ونحن جيل نتابع ونشعر بالسعادة تجاه كل عمل مقاوم ضد الاحتلال الأمريكي أو الصهيوني في المنطقة.

كانت تلك الدقائق ثقيلة جداً , كان شيء داخلي يخبرني بأن الأمر جلل وليس كما يروج له بأن الاستهداف لإحدى القواعد الأمريكية, لا معطيات لدي تؤكد صحة ما يجول في داخلي, ولكني شعرت أن دقات قلبي تتسارع وأن في الأمر ما هو خطير, فذهبت نحو تحديث مستمر ومتواصل لموقع تويتر والدخول الى صفحات إعلاميي محور المقاومة الذين أتابعهم, كان رواية الغالبية منهم ما بين النفي عن استهداف شخصية وازنة , وكانت تغريداتهم تذهب نحو محاولة طمأنة جمهور المقاومة , كذلك كنت أتنقل من تويتر الى مجموعات الاعلام المقاوم على الواتساب, رويداً رويداً بدأت المعلومات تتواتر عن استهداف لشخصيات عراقية بطائرات مُسيرة, هنا تيقنت بأن الاستهداف سيكون مؤلماً وصعباً خاصة وأن الولايات المتحدة هددت في الأيام الأخيرة بأنها سترد على حادثة سفارتها في بغداد, وفي ظل ما يحققه محور المقاومة من انتصارات متتالية في سوريا والعراق واليمن.

انتقلت مباشرة لمتابعة الأخبار على التلفاز , وفي الساعة الثانية والنصف فجراً أعلن الحشد الشعبي في بيان مقتضب عن استشهاد مسؤول تشريفات هيئة الحشد الشعبي محمد رضا مع اثنين من مرافقيه و3 ضيوف على الطريق الداخلي لمطار بغداد, حينها ترامى أمامي الكثير من التساؤلات والسيناريوهات والأفكار , أهم هذه الافكار كان حول من هم هؤلاء الضيوف الثلاثة الذي أشار لهم البيان؟ ماذا يعني وجود مسؤول دائرة التشريفات في الحشد الشعبي في المطار ؟ فهل هذا يعني أن الضيوف على مستوى عالِ وذو أهمية ؟ لم تتأخر كثيرا الاجابة عن هذه التساؤلات, فكانت الصدمة الكبرى عندما بدأت قناة سكاي نيوز عربية تقريباً كأول محطة فضائية كنت أتابعها من بين عدة قنوات بدأت تنقل عبر شريطها العاجل عن استشهاد الفريق قاسم سليماني, حينها أيقنت بأن الذي جعل غُصة في قلبي منذ اللحظة الأولى هو هذا الخبر الذي لم يكن أي مؤمن ومقاوم وحر يرغب في سماعه.

أي خبر هذا الذي ينزل على مسامعنا في ساعات الفجر ونحن لم يكن قد خمدت نيران قلوبنا بعد من اغتيال الشهيد بهاء أبوالعطا في غزة, شريط من صورة سليماني بدأ أمامي , ذلك الرجل المحب لفلسطين والداعم للمقاومة بكل قوة, والمناهض للاستكبار والظلم, والمتمترس خلف مبادئه وثوابته في وجه الارهاب الامريكي والصهيوني, الرجل الذي كان كلمة السر في وقف المشروع الأمريكي للمنطقة العربية من خلال تهشيم وضرب المشروع التأمري على دول محور المقاومة “سوريا – العراق – لبنان” حيث كان يهدف هذا المشروع الشيطاني وضع قدم لإسرائيل في كل عاصمة من عواصم دول المحور, ومن ثم زرع حكومات تؤمن بالتطبيع والسلام مع اسرائيل وانهاء كل صوت مقاوم في تلك الدول عبر ادخالها في أتون صراعات وحروب أهلية وطائفية وتشويه المقاومة وتدجين العقل العربي عبر كي الوعي للأمة باعتبار اسرائيل صديق واختراع عدو جديد وهو ايران, قاسم سليماني الذي كان له الدور الأبرز في تحجيم هذا المشروع ثم تلاشيه بقوة البصيرة لديه وقدرته على التنسيق المُحكم والعمل الجاد مع قيادة محور المقاومة في عدم السماح لهذا المشروع أن يتوسع, عبر خطواته ميدانياً بأنه لا مجال للراحة أو الاستكانة أو الاحباط واليأس, فمن كان يصدق أن يرى المحافظات السورية تحرر وتعود لحضن الدولة من المجموعات التابعة للمشروع الغربي والصهيوني, ومن كان يصدق أن المحافظات العراقية ستحرر وتقع تحت سيطرة جبهة المقاومة, ومن كان يصدق أن يتم منع وقوع الانفجارات اليومية داخل لبنان كتمهيد لإدخال مرتزقة من كل الأرض للقضاء على مقاومته تحت حجج وذرائع طائفية.!

افشال المشروع الصهيوني والغربي في المنطقة كان من أكثر الانتكاسات التي تعرض لها المتآمرون في حلف الشيطان, لذا لم يجدوا أمامهم سوى الانتقام عبر قتل الرجل الذي أفشل مشروعهم .

في تمام الساعة الخامسة فجراً أعلن الحرس الثوري الايراني عن استشهاد الجنرال قاسم سليماني , وبالتوازي اعلن البنتاغون عن تنفيذه للعملية بانتظار تحليل الحمض النووي للتأكد من هوية الأشخاص المستهدفين, مع هذا الاعلان شعرت وربما الملايين معي شعروا بحالة اليُتم, فهذه المقاومة التي عاشت على انتصارات وتضحية قاسم سليماني الانسان والمقاتل والشهم والمؤمن , شعرت المقاومة والاحرار على مستوى العالم بفقدان الأب , يقيناً لا يوجد فينا من ينبض في دمه وقلبه مشروع المقاومة لم يشعر بهذا اليُتم والفقدان الذي نزل علينا كالصاعقة, ربما مثلي الكثير ممن لم يستطيعوا تخيل سيناريو مشاهدة محور المقاومة في اليوم التالي لعملية الاغتيال, لقد كان قاسم سليماني رمزاً وعنواناً لهذا المحور بكل ما تحمله هذه الرمزية وهذا العنوان من معنى.

قاسم سليماني الذي أرسل صواريخ الكورنيت لغزة في العام 2012م في خِضم الأزمة السورية وأكثر الاعوام صعوبة بها , كيف لرجل يعيش مؤثرات استراتيجية خطيرة تحيط به يذهب بالتفكير في غزة وفلسطين ومقاومتها ويرسل لها صواريخ الكورنيت وصواريخ (فجر5) التي تم ضرب تل أبيب من خلالها للمرة الأولى على يد الشهيد حسن أبوحسنين أحد قادة سرايا القدس في قطاع غزة.

بلا شك أن هذه المقاومة على مستوى تشكيلاتها وبيئتها الحاضنة التي شعرت باليُتم والفقدان, لم يكن ذلك بسبب فقدانها الثقة بقيادتها التي مازالت تحمل الراية وتسير على ذات النهج والطريق, بل بشكل متسارع قام كوادر و قواعد المقاومة وحواضنها بتجديد البيعة والعهد مع قيادتها للمُضي قُدماً نحو طريق الشهيد قاسم سليماني التي خطها بدمه الطاهر , لم تمر سوى ساعات على دفن جثمان للشهيد قاسم سليماني في مسقط رأسه مدينة كرمان وسط ايران, كرمان التي رفعت الراية الحمراء بعد استشهاد سليماني، التي تعني أنه لا عزاء قبل الانتقام , وبالفعل كانت صواريخ “بسم رب قاصم الجبارين” تتساقط على القواعد الأمريكية في العراق وأهمها قاعدة عين الأسد لما لهذه القاعدة من أهمية استراتيجية ولوجستية, حيث أطلقت الصواريخ من الاراضي الايرانية رغم الكم الكبير والسيل من التهديدات التي أطلقها ترامب وادارته تجاه ايران في حال أقدمت على الرد أو اطلاق صواريخ , لكن قوة الرسالة ورسالة القوة في آن واحد كان يجب أن تصل , فكانت تلك الصواريخ بمثابة احياء وتجديد لروح المقاومة لدى حواضنها وكوادرها.

في الحقيقة بات محور المقاومة يملك الكثير من الكاريزما والقدرة على المناورة وحالة النضوج في مواجهة الأعداء, هذا المحور الذي شعر بحالة اليُتم قبل عام أصبح اليوم يسير على خطى الأب الروحي لهذا المشروع الذي أصبحت دماءه نوراً للسائرين على هذا الخط, وناراً للأعداء والبيادق التابعة لهم.!

ثقتنا الكاملة والغير متناهية بقيادة محور المقاومة في مواجهته لكل مشاريع الشر والعنجهية التي تتساقط كما يتساقط الورق عن الشجرة يوم الرياح العاصفة , والعاصفة هذه لن تكون الا عاصفة محور المقاومة بقدراته وامكانياته وبصيرة قيادته

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى