أحدث الأخبارفلسطينمحور المقاومة

عودة الفلسطينيين

مجلة تحليلات العصر - ناصر ناصر

أطلق توافق الفلسطينيين على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني بالتوالي والترابط كمدخل -ممكن ومتوفر ولكنه ليس الأفضل – لإنهاء الانقسام المدمّر وما تبع ذلك من مراسيم رئاسية أطلق هذا المسار ما يبدو كبداية عهد فلسطيني جديد لا يخلو من مخاطر حقيقية ، وخاصة في حال انتكاسه ، ولكنه قد يشكّل فرصة حقيقية تستحق من جميع الوطنيين والأحرار العمل الجادّ والمخلص لإنتهازها وتحويلها الى نتائج ملموسة يشهدها الفلسطينيون بعد سنوات من الانقسام البغيض ، وذلك على طريق عودتهم المنتظرة موحدّين لخوض معارك النضال بكافة أشكاله ضد الاحتلال والاستيطان ، وإلا فان البديل شبه الوحيد هو بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه .
لا يعتبر كاتب هذه السطور نفسه من الواهمين او المفرطين في التفاؤل أو بالعامية الفلسطينية ( أهبل ) ، بل داعية لاقتناص كل فرصة مهما كانت محدودة أو ضئيلة لوقف نزيف الشعب الفلسطيني المتدفق هباء بسبب الانقسام وفي ظل احتلال ، خاصة اذا لم تكن هذه الفرصة تعني التخلي عن أهداف وآمال وطموحات وثوابت شعبنا التي ناضل من أجلها طوال عقود ، فخوض غمار المصالحة من خلال الانتخابات مهمّة شاقّة لا يقتحمها إلا صنديد يجدّف عكس التيار المندفع بقوة انتكاسات المصالحة السابقة وتآمرٍ إقليميٍ لا يخفى ، وممارسات السلطة الخاطئة وألاعيب رجالها المرتجفة من العازمين على عدم إضاعة أي فرصة ، وهو بهذا يدرك أن من قال ” هلكت المصالحة ، فهو أهلكها ” .
كثيرة هي الأسئلة التي تجتاح المخلصين من أبناء شعبنا حول مدى وإمكانيات نجاح هذه المحاولة ” الألف ” لإنهاء الانقسام : هل أبو مازن جادّ هذه المرة في عقد انتخابات حرة ونزيهة ؟ هل هو جادّ في تسليم السلطة للفائزين ؟ كيف ستجري انتخابات في ظل احتلال ؟ ما هي الضمانات لنزاهة هذه الانتخابات ؟ هل .. وهل .. وكيف .. ولماذا ؟ قائمة طويلة من الاسئلة قد لا يمتلك ” الخبير ” الإجابة على بعضها كعادة القادة قبيل خوض الملاحم المصيرية ، مما يدعو أحيانا ” المحتاط ” لسد الذرائع وإغلاق باب ريحها ليرتاح وما هو كذلك ، لكنها لا تردع الفلسطيني المقتحم عن خوض غمارها ” ادخلوا عليهم الباب ” طالما تسّلح بالعزم والذكاء والارادة الصلبة والقدرة على القيادة ” في الأثناء ” ، ووفقا للمواقف والتطورات المتسارعة ” في اتخاذ القرارات في أوضاع عدم الوضوح ” .
لأننا ما زلنا تحت نير احتلال استيطاني غاشم ، ولأننا ما زلنا في خضم معركة تحررٍ وطني ولأن الانتخابات هذه تحديداً هي مدخلاً اضطرارياً لتوحيد الجهود ورصّ الصفوف والمصالحة الوطنية ، كان لا بد أن نلوذ الى ركن تخفيف الاحتقانات وتسطيح المنحنيات الحادة التي سببها الانقسام الطويل من خلال رفع مستوى التوافقات قدر الامكان ، وتخفيض مستوى التنافس الى أبعد حد ، والتوافق قبل الانتخابات على ما يشبه خارطة طريق تتضمن شكل وأدوات وأهداف المرحلة أثناء وبعد الانتخابات ، لإضافة مبدأ التمثيل النسبي الذي يضمن الى حد بعيد شراكة وطنية واسعة لا يستطيع فيها معسكر واحد الحكم وحده حتى ولو أراد ، هذه هي الصيغة الأمثل لحالتنا الفلسطينية المعقدة .
فلماذا الانتخابات طالما توافقنا ؟
لأن تعزيز نهج الانتخابات وبناء وترسيخ الثقافة الديموقراطية أمر هام وضروري ، ولأن الانتخابات لا تعني المكاسرة أو الإقصاء أو المفاصلة ، وكذلك من أجل إعطاء الشرعية الشعبية والانتخابية لما تم من توافقات ، ولأن التوافق لا يعني التماثل والتجانس الكامل ، حيث ستبقى الكثير من القضايا الهامة محل خلاف وتنازع . هكذا إذن يعود الفلسطينيون لأنفسهم كمقدمة ضرورية للعودة الى ديارهم التي أخرجوا منها بقوة الاستيطان .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى