أحدث الأخبارالإسلامية

عيد الغدير يوم الله والسفارة الربانية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)!

مجلة تحليلات العصر الدولية - خليل إسماعيل رمَّال

الإنسان بشكل عام معروف وموصوف بالجحود لكن العرب ربما هم أكثر البشر جحوداً لِنعَم الله سبحانه وتعالى التي أسبغها عليهم وعلى آبائهم من قبلهم، حيث بعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكِّيهم ويعلِّمهم الكتاب والحكمة وإنْ كانوا من قبلُ لفي ضلالٍ مبين، يعيشون حياة الجاهلية الظلامية البغيضة السوداء بكل مُدلهمَّاتها وأوزارها وأمراضها وفحشها وفجورها وظلمها وضياعها الداعشي البهيمي فأخرجهم سبحانه من الظُلمات إلى النور وجعل الرسول العربي الأعظم محمَّد، صلى الله عليه وآله وسلَّم، خاتم الأنبياء والرسل وكل الرسالات السماوية كما جعلهم خير أمة أُخرجَتْ للناس يأمرون بالحق وينهون عن المُنْكَر.
وكأنَّ هذه الحُظوة الإلهية التي أعزَّ الله بها العرب لم تكن كافيةً، فكانت السفارة الربانية التي أمَرَتْ الرسول الأعظم أنْ يُبلِّغ ما أُنزِل اليه وإكمال رسالة الله بتعيين الوصي الأمين، أمير المؤمنين ويعسوب الدين وباب مدينة العلم وأخو رسول الله-بل نفسه وتوأم روحه، علي بن أبي طالب عليه السلام، خليفة وولياً ووصياً من بعده للحِفاظ على رحمة السماء والإبقاء على كلمة الله العليا في الأرض بعد انقطاع حبل النبوة والرسالات.
لقد اختار الله، جلَّ وعلا، اللحظة المناسبة لهذه الحدث الجَلَل العظيم الذي لم يكتب عنه المؤرخون الإسلاميون بما يستحق، بسبب تملّقهم للحكام والملوك الطغاة السلاليين، وهو توقُّف نزول الوحي وختام النبوة وانقطاع الوحي بتوقف المُرسَلين الذين قتل منهم الإنسان الجاهل الناكر للجميل ما قتل وآذى ما آذى، لكن رحمة الله واسعة ولم يترك الله عباده للمجهول وهو أرأف بهم من أمهاتهم رغم حقيقة أن الإنسان كان كفوراً. لذلك اختار الله سبحانه الرجل المناسب في الوقت المناسب العصيب لهذه المهمة الكونية المصيرية الحساسة التي تبوَّأَها بكل استحقاق وجدارة الإمام علي، عليه السلام، لكي يُبقي على ذِكر الله وليُحافظ على الدين ويحميه وينمِّيه حتى ولو على حساب تراثه الذي نُهِب وعلى حساب حياته وحياة أبنائه البرَرَة المعصومين من ذريته التي سُلِبَتْ منهم من قبل الحكام الطُغاة المجرمين.
بالمقابل نجد عقوق العرب لبركات الله وفضله عليهم وهم لم يستأهلوا هذه البركات بعد وفاة الرسول لأنهم لم ينفِّذوا ما طَلَبَه منهم بل ما أمرهم به رغم وضوح النية والوصية والسلوك المحمدي تجاه الإمام علي، فتراهم يعصون أمراً مباشراً منه، وهو أمر إلهي لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يُوحى، بعدم التخلُّف عن بعث أُسامة فتملًّصوا عمداً متربصين ومتحينين الفرصة لاستشهاده.
فلو كان الإمام علي موجوداً في أمةٍ أخرى فيها ذرة ضمير، لما تجاوزه الناس هنيهة واحدة ولَخَلَّدوه في العالمين كما يخلده العالم حتى غير الإسلامي اليوم. إلا أن العرب القدماء وحكامهم ووضاع أحاديثهم وتاريخهم المُبْتَسِر الذي حاول نزع الهالة عن الإمام العظيم لحرمانه من الخِلافة المُبَاشِرة، لم يبخسوه حقه فقط بل حاربوه ووقفوا في وجهه واغتالوه في محرابه وهو يصلي ثم قاموا بسبِّه وشتمه على المنابر ٧٠ عاماً!
ولو إفترضنا عدم وجود وصية إلهية نبوية، وهذا محال لا سمح الله، فيكفي أنَّ الإمام علي عليه السلام وُلِد في أشرف مكان على وجه الأرض لأمٍ مؤمنة طاهرة وأب هو شيخ المؤمنين في الجنة وكفيل رسول الله وهو أبا طالب الذي، رغم كيد المنافقين، مات مؤمناً على دين محمد. ويكفي عليٌ علواً ورفعةً وشأناً أنه كان من أهل الكِساء، واقترن بفلذة كبد رسول الله وبضعته الطاهرة التي كان يقف لها عندما تدخل عليه ويقعدها مكانه وهو الرسول الأعظم الذي دنا فتدلَّى وكان قاب قوسين أو أدنى. ويكفيه أنه أبو سيدي شباب أهل الجنة وباقي المعصومين هم من ذريته. حتى ولو أغفلنا كل ذلك فيكفيه قول الرسول الأعظم له “لا يعرفك حق معرفتك يا علي إلا الله وأنا” وفي موقع آخر “ما أحبَّكَ إلا مؤمن وما أبغضك إلا منافق”و “عليٌ مع الحق والحق مع علي”.

هذه المدائح بحق وصيه لوحدها والصادرة عن سيد المرسلين والأنبياء قاطبةً، كافيةً لتجعل أمةً ما يخرج من بينها نفس وروح رسول الله أن تخرج عن طورها في الإمتنان والعُرفان بالجميل وحفظ الأمانة المحمَّدية إلا هذه الأمة ابتُلِيَتْ بطغاة مجرمين حوَّروا التاريخ، وما زالوا، ولا يريدون تصحيح الخطأ التاريخي الجسيم الذي نجم عنه بروز الخوارج السفاحين وأحفادهم من الدواعش المجرمين وباقي التكفيريين الذين شوهوا الدين بممارساتهم الوحشية البهيمية، فتراهم اليوم يضعون الإمام علي بمصاف طاغية مغتصِب مأفون كمعاوية (لكن كيف يستوي الحق مع الباطل وعلي هو “الإيمان كله”؟) ويستكثرون عليه تحية عليه السلام، أو يتقيأون بأن الإمام الحسين كان مخطئاً لخروجه على السفاح الطاغية يزيد بينما لا يُقِرُّون بنفس المنطق لخروج البعض على الخليفة الشرعي الإمام أبا الحسن عليه السلام أثناء خلافته.
في عيد الغدير وتنصيب الإمام علي خليفة شرعي للامة تم إحياء أركان الهُدى وسفارة الله وحبل الوصي، فالسلام عليك يا أمير المؤمنين الذي عبد وعرف الله حق معرفته لا خوفاً من ناره ولا طمعاً بجنته بل لأنه أهل لعبادته، والسلام على الذي لم يعرفه حقاً إلا الله ورسوله!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى