أحدث الأخبارالعراقمحور المقاومة

غياب الثقة بالآخر

مجلة تحليلات العصر الدولية - سالم مشكور

غياب الثقة يكاد يكون السمة الأبرز لوضع العراق وسببا رئيسيا لأزماته. الثقة بالآخر حددها استطلاع قامت به مؤسسة مرموقة ينشر قريباً، بنسبة 14 بالمئة فقط. تخيلوا كيف يعيش بلدٌ في ظل هبوط حاد في مستوى الثقة بالآخر، عموديا وأفقياً. ففي ظل عدم الثقة تغيب الاخلاق والأمن والأمانة والصدق، وتتقدم القسوة والعنف والانانية والانكفاء على السعي لمصالح ذاتية ومكاسب آنية، فتغيب المصلحة العامة في ظل إنفاق الوقت والجهد للتحصن ضد الآخر لاتقاء
“تآمره” و”مكائده”.
انعدام الثقة العامودي، بين الشعب والسلطة ليس وليد 2003، لكنه أخذ أبعاداً أوسع منذ ذلك التاريخ. سابقاً كانت هناك سلطة واحدة بهوية سياسية موحدة. برأس يحكم وفريق ينفّذ، وكان هناك شعب غالبيته يرفض السلطة ولا يثق بها وقلة مستفيدة من السلطة وراضية عنها. بعد 2003، بات عندنا سلطة مقسمة بين فرقاء لا يثق أحدهم بالآخر، تحكمهم الهواجس النابعة من تجارب الماضي ومخاوف المستقبل وتباين التوجهات والتطلعات. غياب الثقة بين الاطراف السياسية يشلّ السلطة عن أداء عملها الحقيقي ويشغلها في المناكفات والاعاقات المتبادلة.
هذا الانقسام في السلطة ومؤسساتها ينزل عموديا ليتحول الى انقسام أفقي في المجتمع بين مؤيدي فرقاء السلطة، بينما تبقى أغلبية شعبية ناقمة رافضة لأي سلطة بل لأي مسؤول أو سياسي حتى لو كان أداؤه جيداً. جزء من كره السلطة موروث من الحقبة الماضية، رغم أن كثيرا من المختصين يقولون :إن الموقف السلبي للعراقيين من السلطة مشهود في كل مراحل التاريخ، والعراقيون عرفوا بعدم رضاهم عن أي حاكم أو والٍ مرّ بهم. بعد 2003 تعزز هذا الافتراق تدريجيا، بسبب سوء الأداء وأسلوب الحكم والانقسام داخل مؤسسة الحكم التي تقاسمتها جهات سياسية ومكوناتية باسم المحاصصة، وما أدى اليه ذلك من تقصير في أداء الواجبات تجاه البلد وأهله.
وما زاد من وضوح صورة الموقف الشعبي المعترض هو توفر إمكانية التعبير عن الرفض في ظل أجواء الانفتاح والحرية التي حلّت بشكل واضح بعد 2003. وقد وصل الرفض الى توجيه أصابع الاتهام الى أي شخص يتولى وظيفة عامة واستهدافه بالاتهامات والتخوين قبل أن يبدأ عمله، فبات الكثيرون يتحاشون المواقع الوظيفية العليا تحاشيا للاتهامات وحفاظا على الكرامة.
غياب الثقة بين افراد المجتمع وبينهم وبين السلطة، وكذلك غيابها الأخطر بين مكونات السلطة يجعل مستقبل البلاد أمام المجهول ولابد من علاجات حقيقية للانقاذ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى