أحدث الأخبارشؤون امريكية

فرص تغيير الموقف الأمريكي من قضية اللاجئين

مجلة تحليلات العصر الدولية - عماد عفانة

ليس غريبا أن تنظر الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة المصلحة الأولى في صناعة “اسرائيل” كقاعدة عسكرية متقدمة لها في المنطقة لرعاية مصالحها، أن تنظر إلى قضية اللاجئين من المنظور “الإسرائيلي” كأحد التهديدات الوجودية لها.
فالزعم القائم ان فلسطين أرض بلا شعب، تقتضي التنكر لحقوق اللاجئين، الذين تم طردهم من بلادهم وأراضيهم وبيوتهم ومزارعهم لصالح شعب آخر، بات مستقبل وجوده على أرض فلسطين مرتبط بنفي حق الشعب الفلسطيني في الوجود ناهيك عن حق العودة اليها.
الولايات المتحدة التي تصور نفسها كراعية للقوانين والحقوق في العالم، لم تستطع التنكر للقرارات الدولية والصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة، والتي تقضي بحق اللاجئين في العودة إلى أرضهم وبيوتهم في فلسطين المحتلة، مثل قرار رقم 194 الخاص بقضية اللاجئين، ولكنها استطاعت التعامل مع قضية حق اللاجئين في العودة بشكل التفافي، وهو شكل لا يضع أمريكا في خانة الرافض للقرارات الأممية من جانب، ومن جانب آخر لا يسمح بتنفيذ القرارات الدولية القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى اراضيهم بما يهدد الوجود الصهيوني، وذلك عبر المناداة بإيجاد حلول لهذه القضية المركزية فلسطينيا، عبر الاتفاق البيني الفلسطيني الصهيوني عبر طاولة المفاوضات التي اثبتت أن القرار فيها للأقوى.
في الوقت عينه عمدت الولايات المتحدة وبالتعاون مع كيان العدو إلى دعم كافة الخطط التي تستهدف تذويب قضية اللاجئين.
أولا: عبر تشجيع هجرة اللاجئين الفلسطينيين إلى مختلف بلدان العالم، وذلك عبر تضييق سبل معيشتهم في مخيمات لجوئهم داخل وخارج الأرض المحتلة، وفي هذا الإطار جاء قرار إدارة ترامب تجميد دفع ما عليها من مستحقات مالية مع مطلع عام 2018، علما أن الولايات المتحدة تدفع 364 مليون دولار سنويا للموازنة السنوية للأونروا، قبل أن تستأنف إدارة بايدن دفعها من جديد، ولكن تحت سقف اتفاق الإطار الذي يقايض المال بالانتماء الوطني.
وثانيا عبر تشجيع خطط التوطين في الدول العربية التي لجأوا إليها، عبر التوسع في إطلاق الوعود بالدعم وبالرفاه وبالمشاريع الاقتصادية لهذه الدول، لقاء القبول بمشاريع توطين الفلسطينيين في بلادهم.
لم ينفك الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون على دعم وجود “اسرائيل” قاعدتهم المتقدمة في قلب العالم العربي والإسلامي الذي يعتبر من منظور استعماري امبريالي بقرتهم الحلوب، فلم يكن الرئيس الأمريكي بوش الابن أولهم باعتماد أحقية كيان العدو بالوجود باعتبارها دولة يهودية خالصة في 2003، ولم يكن آخرهم الرئيس الأمريكي ترامب، الذي تجرأ وبشكل غير مسبوق على نقل سفارة بلاده إلى مدينة القدس المحتلة في 14 مايو 2018، واعترف بضم الجولان المحتل الى كيان العدو في 25 مارس 2019.
المصالح الاستعمارية لأمريكا الذي تحققها “إسرائيل” لها، وليس العلاقات الشخصية لرؤسائها بقادة العدو، هي ما يحكم العلاقة بين أمريكا وكيان العدو، لذلك رأينا تمرير المساعدات الأميركية لها بشكل كبير في عهد الرئيس الأمريكي أوباما، رغم عدم التوافق الكامل بين إدارته وحكومة نتنياهو حول عدد من القضايا، كحل الدولتين، والاستيطان.
ومن هنا تأتي النظرة الأمريكية والتي يشاركها فيها مع بالغ الأسف رئيس المنظمة محمود عباس، والقاضية بحل مشكلة اللاجئين، دون اغراق “اسرائيل” باللاجئين حسب ما قال عباس حرفيا.
أولا: عبر اتاحة العودة جزئياً إلى أراضي الدولة الفلسطينية الموعودة.
وثانيا: عبر توطينهم في البلدان التي يقيمون فيها.
أما العودة إلى بيوتهم وأراضيهم في فسطين المحتلة 1948، فيكون بشكل رمزي بحيث لا تتجاوز أعداد اللاجئين العائدين عشرات الآلاف من كبار السن من خلال آلية لم شمل العائلات.
من جانب آخر ومن باب تطبيق الفكر التجاري من منظور ابتزازي لا علاقة لها بالأخلاق، في حل قضبة اللاجئين، رضخ صناع القرار في الكونجرس الأمريكي للرؤية الصهيونية في الاستفادة من قضية اللاجئين ماليا؛ عندما صادق الكونجرس في الثالث من ابريل 2008، على القرار رقم 185 الذي ساوى بين اليهود الذين غادروا بلدانهم الأصلية، وهاجروا مختارين إلى أرض فلسطين، وبين اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من فلسطين رغم أنوفهم على وقع المذابح التي ارتكبت بحقهم.
وفرض الكونجرس إدراج هذه القضية في إطار أية تسوية للصراع في الشرق الأوسط، على أساس المقايضة اللاأخلاقية، ووضعهم بين خيارين، إما تعويض يهود الدول العربية بعشرات المليارات، وإما إجبار تلك الدول على التنازل عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين التاريخية، وكأن حق العودة تملكه هذه الدول وليس اللاجئين أنفسهم!
من هنا فان القاعدة المصلحية التي حكمت نظرة الولايات المتحدة لقضية اللاجئين بعيون صهيونية، تقتضي من الفلسطينيين توظيفها عبر العزف على وتر تهدد المصالح الأمريكية.
أولا: عبر تحريك ملايين اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين حول العالم، وخاصة اللاجئين في المنطقة العربية، للقيام بأعمال تمس وتهدد المصالح الأمريكية، بشكل كفيل بإقناع الإدارة الأمريكية أن وجود “اسرائيل” بات أحد أكبر الأخطار التي تهدد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة التي تفيض عليها اللبن والعسل.
ثانيا: عبر توظيف مختلف الوسائل الإعلامية كمواقع التواصل الاجتماعي، والاعلانات الممولة، ووسائل التواصل الجماعي والشخصي، لناحية إقناع الرأي العام الأمريكي وصناع القرار فيها أن “اسرائيل” باتت من جانب عبئا لا يمكن احتماله لتسببها بتهديد المصالح الأمريكية بدل حمايتها، ومن جانب آخر بيان كيف باتت “اسرائيل” تستنزف أموال دافع الضرائب الأمريكي لصالح حماية ورفاهية كيان تمييز عنصري يعود عليهم بالضرر ماديا واخلاقيا.
قد يقول قائل: وهل ستمسح الدول العربية لملايين اللاجئين الذين تستضيفهم بالمس بالمصالح الأمريكية على أراضيها.؟
وهنا نقول: ومتى كان تحرير الأرض، أو المس بمصالح القوى الاستعمارية التي تدعم بالمال والسلاح من يقتلنا كل يوم يتم بإذن من الأنظمة التي تحرس مصالح الاحتلال.
ولكن لتنفيذ هذا التكتيك:
أولا: يجب القيام بحملة سياسية وإعلامية شاملة ومستمرة، لناحية كسب الشعوب إلى جانب هذا التحرك، إن لم يكن بالمشاركة فبالدعم والاسناد.
وثانيا: يجب القيام بحراك جماعي لملايين اللاجئين في مختلف أماكن تواجدهم، بشكل يستحيل معه على هذه الأنظمة منعه.
تنفيذ حق العودة، وإقناع الدول الداعمة للاحتلال بالتخلي عنه، لم يعد يجدي معه مراعاة خواطر الأنظمة، أوما يسمى بدول الطوق التي ما وجدت إلا لحراسة وحماية حدود كيان العدو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى