أحدث الأخبارايرانشؤون امريكيةشؤون اوروبييةمحور المقاومة

في الجولة السابعة للمفاوضات النووية مع مجموعة 4+1… أصرت إيران على شروطها… ووضعت أمريكا وحلفاءها في مأزق…

مجلة تحليلات العصر الدولية - عليان عليان / مرصد طه الإخباري

✨. الجولة السابعة للمفاوضات التي انتهت في الثاني من شهر ديسمبر( كانون أول) الجاري أحدثت ارتباكا ً كبيراً في صفوف كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لا سيما وأنها كانت تراهن ،على أن إيران باتت مستعدة لتقديم تنازلات للوصول إلى حل وسط مع مجموعة 4+1 من أجل رفع العقوبات التجارية والاقتصادية.

🔹لكن ما حصل هو العكس، فقد كان الوفد المفاوض الإيراني برئاسة “علي باقري كني”- والذي ضم عدد كبير من الاقتصاديين- غاية في الصلابة والتماسك ، إذ حقق أول إنجاز له في اليوم الأول من الجولة السابعة ،عندما فرض جدول أعمال الاجتماع ببندين لا ثالث لهما ، وهما : إلغاء العقوبات التجارية الأمريكية والغربية عن إيران ، والملف النووي الإيراني المتعلق بأجهزة الطرد المركزي ودرجة تخصيب اليورانيوم ، إذ رفض الوفد الإيراني بقوة إدراج بند السياسية الخارجية الإيرانية والصواريخ الإيرانية الباليستية وأسطول الطائرات المسيرة في الجدول ، لا سيما وأن الإدارة الأمريكية وحلفائها كانت قد كررت ذات الاشتراطات التي سبق وأن تبناها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المتعلقة بدور إيران الإقليمي وترسانتها الصاروخية.
ارتباك وإحباط في صفوف المفاوضين الغربيين
لقد وصف دبلوماسيون أوروبيون في بيان لهم الجولة الأخيرة من المفاوضات بـ”المحبطة والمقلقة”، وقالوا إنّ هذا الاستنتاج جاء نتيجة “التحليل الدقيق للمقترحات الإيرانية والتعديلات التي يطلبون إدخالها على النص، الذي تم التشاور حوله في الجولات الست الماضية”، وهذا ما صرّح به أيضاً الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.
واللافت للنظر أن الدول الغربية في وصفها للمفاوضات ” بأنها محبطة ومقلقة ” وقعت في تناقض كبير ، حين بالغ مفاوضوها في الحديث عن التقدم في المفاوضات، حين أدلوا بتصريحات ل ” رويترز” في الثلاثين من تشرين ثاني( نوفمبر ) الماضي بأن القوى الأوروبية انتهت حتى الآن من صياغة 70 إلى 80% من نصّ الاتفاق النووي.
إذ أنه في ما يتعلق ببند العقوبات التجارية والاقتصادية المفروضة على إيران ، فقد طرح المفاوض الإيراني شروطه بشأن العقوبات، التي رفض التراجع عنها قيد أنملة ممثلة برفع كافة العقوبات الأمريكية والغربية ، وبشرط توفير الآليات المطلوبة لتنفيذ رفع العقوبات وبتوفير كافة الضمانات المطلوبة ، التي تضمن عدم تراجع أية إدارة أمريكية عن ما يتم التوافق عليه بشأن رفع العقوبات ، بما في ذلك ضمانات من مجلس الأمن.
وفيما يتعلق بالبند النووي ، فقد انتهت الجولة السابعة دون أن يقدم الوفد الإيراني أي تنازل فيما يتعلق بدرجة التخصيب التي وصل إليها البرنامج النووي الذي وصل إلى حدود 60 في المائة ، إذ رفض الوفد الإيراني التطرق إلى درجة التخصيب وكمية اليورانيوم المخصب وأعداد أجهز الطرد المركزي ، والسماح للمُفتشين الدّوليين باستئناف عملهم والإفراج عن صور الكاميرات المثبتة من قبل مفتشي الأسلحة النووية ، إلا بعد الحصول على كافة الضمانات المتعلقة بإلغاء العقوبات المفروضة على إيران بشكل كامل .

وما أربك الإدارة الأمريكية وحلفائها ، أن المفاوض الإيراني الجديد في عهد الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي ، تمايز عن المفاوض الإيراني في عهد الرئيس روحاني بالتصلب واللعب بذكاء وقوة دون الاكتراث بما ستؤول إليه الأمور، ودون الاكتراث لمراهنة الغرب على العقوبات، إدراكاً منه أن الجانب الأمريكي بحاجة كبيرة لنجاح المفاوضات حتى تتفرغ للملفين الرئيسيين وهما ملفي أوكرانيا وتايوان ، إذ رأينا مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية يجري مقارنة بين الوفد الإيراني الذي قاد الجولات الست السابقة في عهد روحاني والوفد الإيراني المفاوض الحالي بقوله :” أن الوفد الإيراني السابق كان مستعداً لتقديم تنازلات مقابل تنازلات من قبل الإدارة الأمريكية ، لكن الوفد الإيراني الحالي تراجع عن كل التنازلات السابقة في المحادثات النووية، وأخذ التنازلات التي قدمها الآخرون، وطلبت مزيداً في أحدث مقترحات طرحها، مشيراً إلى أن مقترحات إيران مثلت تراجعاً عن كل الحلول الوسط التي قُدِّمت في الجولات السِت السابقة من المحادثات النووية”.

والجانب الإيراني هنا لا يتصرف من موقف الضعف رغم عنف الحصار ، إذ رأينا المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ” سعيد خطيب زادة” يعلن أن نافذة المفاوضات لن تظل مفتوحة للأبد ، ورأينا مسؤول إيراني آخر يعلن “أن إيران قادرة على حل جزء كبير من أزمة العقوبات والحصار ، من خلال التوجه شرقاً ومقايضة النفط بمختلف السلع وأدوات التكنولوجيا” .

عوامل قوة المفاوض الإيراني
والمفاوض الإيراني بتصلبه هذا مستند إلى عاملين رئيسيين هما*:
أولاً : العامل الذاتي الإيراني الذي حول الحصار إلى فرصة ، إن على صعيد تنمية القطاعات الاقتصادية الأخرى كمصدر رئيسي للاقتصاد الإيراني ، أو على صعيد تطوير قدراتها الصناعية التسليحية والنووية ما جعل من إيران قوة إقليمية عظمى.

وثانيا: بالاستناد إلى الموقف الصلب لكل من الحليفين الروسي والصيني في مواجهة الإدارة الأمريكية المدعومة من كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ، إذ أعلن الوفدان الروسي والصيني دعمهما للموقف الإيراني فيما يتعلق بشرط رفع العقوبات وفق آليات وضمانات محددة ، وإن كانت روسيا على وجه التحديد فوجئت بحجم التصلب الإيراني حيال التنازلات والتنازلات المقابلة.
لقد رأت روسيا والصين، بأن إيران ترغب بإحداث تغيير جذري بمسوّدة الاتفاق في فيينا، وباتتا في الجولة السابعة تدافعان عن أمرين أساسيين، هما: رغبة إيران في الحصول على ضمان بعدم انهيار أي اتفاقٍ مقبل، إضافةً إلى رفع العقوبات الأميركية والأوروبية غير القانونية عن طهران.

المندوب الروسي لدى المنظمات الدولية في فيينا، ميخائيل أوليانوف، برر وفسر الموقف الأوروبي الحاد تجاه المسوّدتين، قائلاً: “كان لدى شركائنا الغربيين انطباع قوي بأنّ الجانب الإيراني اقترح تغييراً جوهرياً، وإجراء تعديلات جذرية على مسودة الوثيقة النووية، والتي تمّ الاتفاق عليها خلال الجولات الست السابقة في عهد الرئيس الأيراني السابق روحاني، وبدا لهم هذا النهج راديكالي للغاية، ولهذا ظهر رد الفعل الحاد.

لكن الجانب الروسي رغم قراءته للموقف الغربي ،إلا أنه لم يمارس ضغوطاً على المفاوض الإيراني للتراجع عن موقفه يشأن إجراءات تعديلات جوهرية على مسودة الوثيقة النووية السابقة التي سبق الاتفاق عليها في الجولات الست السابقة.
لقد تماهت العديد من الدول الغربية نسبياً مع موقف الكيان الصهيوني عشية الجولة السابعة وخاصة بريطانيا ، لدرجة أن وزيرة خارجية بريطانيا “ليزتروس” تشاركت مع وزير خارجية ( إسرائيل) في مقال مشترك بصحيفة ” تليغراف” جاء فيه ” أن بريطانيا و ( إسرائيل) ستعملان ليلاً ونهاراً للحيلولة دون أن تصبح إيران قوة نووية.

ولم تكتف بريطانيا بهذا التماهي مع الموقف الإسرائيلي ، بل لجأت إلى توقيع اتفاق جديد معها في مجال الأمن السيبراني ، في إشارة إلى اصطفاف بريطانيا إلى جانب الكيان الصهيوني في الحرب السيبرانية المشتعلة بين إيران والكيان الصهيوني، التي سجلت فيها إيران انتصارات كبيرة ، في مواجهة الاختراقات السيبرانية الإسرائيلية لبعض المؤسسات الإيرانية.

ما يجب الإشارة إليه أن الحراك السياسي الإسرائيلي الذي قاده رئيس الكيان الصهيوني ورئيس وزرائه نفتالي بينيت ووزير خارجيته يائير لابيد ووزير الحرب بيني غانتس اتجاه فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة عشية بدء الجولة السابعة للمطالبة بتشديد العقوبات على إيران ، والتحذير من أن إيران تمارس تكتيكاً نووياً يمكنها من الوصول إلى العتبة النووية بدرجة تخصيب (90) في المائة تؤهلها لصنع قنبلة نووية ، هذا الحراك الإسرائيلي كانت مخرجاته صفراً أو قريباً من الصفر في الجولة السابعة للمفاوضات ، خاصةً وأن الدول الغربية في المفاوضات كانت تلهث وراء المفاوض الإيراني مطالبةً إياه بتخفيف مواقفه المتصلبة.

الذاكرة الإيرانية لن تنسى تذيل الاتحاد الأوروبي لأمريكا والوفد الإيراني في هذه الجولة وفي الجولات القادمة ، يدرك بأن كلاً من فرنسا وبريطانيا وألمانيا ، تتبنى ذات الموقف الأمريكي حيال مختلف القضايا المتعلقة بالملف النووي ، وطهران لم تنس ، ولا يمكنها أن تنسى موقف هذه الدول الذيلي للولايات المتحدة وعدم قدرتها على تنفيذ الآلية التي جرى الاتفاق عليها مع إيران ، بشأن تجاوز العقوبات وإقامة علاقات تجارية مع إيران ، بعد أن تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الاتفاق النووي المبرم عام 2015م.

وكانت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا قد سعت إلى إبقاء على خيار آلية تسوية النزاعات كملاذ أخير منذ أيار/ مايو 2019 ،عندما بدأت إيران بالتخلي عن بعض التزاماتها ضمن “خطة العمل الشاملة المشتركة” المتفق عليها مع الدول الثلاث كل ثلاثة أشهر.

وقد تمثلت تلك الآلية آنذاك بتدشين آلية مالية خاصة تسمح للاتحاد الأوروبي بإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني ،عن طريق الالتفاف على منظومة العقوبات الأمريكية ، على أن يجري تسجيل هذه الآلية ككيان جديد تديره ألمانيا، وتموله الدول الثلاث المذكورة لتطبيق آلية تسمح لإيران بالتبادل التجاري مع الشركات الأوروبية، على الرغم من العقوبات التي فرضت مرة أخرى على طهران، بعد انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018.

لكن هذه الدول لم تلتزم بهذه الآلية ، وظلت مشاركة هي الأخرى بالحصار المفروض على إيران، حتى في أقسى الظروف التي واجهتها إيران عندما عصفت أزمة وباء الكورونا بالعالم أجمع وتضررت منه إيران بشكل خاص.

وكانت طهران قد قررت في مواجهة الضغوط المتنامية التي مارستها إدارة ترامب ، وفي ضوء الموقف الذيلي لكل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي عموماً ، وعدم التزامها بالخطة المتفق عليها مع إيران، اتخاذ خطوات جريئة منذ ذلك الحين متمثلةً: بتخطي حدود المخزون المسموح به للمياه الثقيلة، وتخصيب اليورانيوم بنسب أعلى ، وتجاهل القيود المفروضة على البحث والتطوير الخاصة بأجهزة الطرد المركزي واستئناف التخصيب في منشأة “فوردو” المحصنة للغاية، وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة، بما في ذلك النماذج المتطورة ، وصولاً إلى الدرجة الحالية من التخصيب( 60 ) في المائة .

سؤال برسم الإجابة؟
ويبقى السؤال هنا : هل تقبل إيران في الجولات القادمة بالعودة إلى درجة تخصيب أقل من 4 في المائة التي تضمنها اتفاق عام 2015 ، وهل تقبل بالتراجع عن ما أنجزته بشأن العدد الكبير من أجهزة الطرد المركزي ، بعد الشوط الكبير الذي قطعته في هذا المجال تنفيذا لقانون أصدره مجلس الشورى الإيراني، رداً على تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اتفاق 2015 ، وعلى عدم التزام الدول الغربية بتعهداتها بتجاوز العقوبات ؟ سؤال تصعب الإجابة عليه بشكل حاسم ، في ضوء ما لحق بإيران من خسائر اقتصادية كبيرة جراء تراجع ترامب عن الاتفاق وجراء استمرار العقوبات وفرض عقوبات جديدة عليها.

وفي التقدير الموضوعي وفي ضوء المتغيرات التي حصلت منذ أن اتخذ ترامب قراره بالتراجع عن اتفاق 5+1 مع إيران ، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تتراجع عن درجة التخصيب ، وإذا ما أرادت المناورة فقد تختصره بنسبة أقل قليلاً من 60 في المائة ، لكن كل ذلك لن يفيد الأمريكان والغرب عموماً ، ولن يغير من واقع الصورة ، فمن امتلك القدرة العلمية على التخصيب بنسبة 60 في المائة ، لا يخسر شيئاً إذا ما نزل عن هذا النسبة قليلاً خاصةً بعد أن اصبحت معادلة التخصيب جزءاً من الحصيلة العلمية النووية الإيرانية.

لكن المفاوض الإيراني لن يقدم على تخفيض نسبة التخصيب إلا بعد مماطلات ومفاوضات معقدة يصل فيها المفاوض الغربي إلى درجة التوسل ، وبعد أن تضمن طهران تنفيذ كل شروطها المتعلقة بإلغاء العقوبات .. كل العقوبات وفق آليات وضمانات محددة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى