أحدث الأخبارلبنان

في الحرب الثقافيّة.. المقاومة من الصمود الى الهجوم

مريم نسر
كتّاب الديار

8 تموز 2022

لم يحدث في التاريخ أن تسبق التجربة النظرية يوماً، لكن فَعلتها المقاومة في لبنان، فكانت قيمة الإنجاز أنه لم يأتِ أصغر من الإدعاء، إنما أتى الإنجاز أكبر من الإدعاء..

وبحجم الإنجاز العسكري العظيم كانت الحرب الثقافية على بيئة المقاومة، وبحجم الجهد العسكري كان الجهد الثقافي الذي رافقه طيلة مسيرته المليئة بالصعوبات والمُبهرة في النتائج.

لم يكن الجهد الثقافي عبارة عن فعاليات وأنشطة، إنما كان إدارة للسلوك البشري عبر خطوات، بعضها متجذّر وبعضها الآخر صُنِع بالدماء، فكان الدِين مُحصِّن كخط دفاع للحفاظ على الهوية، إضافة لوجود القدوة التاريخية. واللافت، مصداقية النموذج القيادي والإنجازات الواقعية والإستبشار بالمستقبل..

كل ما ذُكِر يُعتبر نقاط قوة كانت عوامل صمود بكل مراحل الحرب الثقافية على بيئة المقاومة، المراحل التي لم تُحقق أهدافها، بدليل تغيُّر الخطط لتحقيق نفس الهدف، فكانت النتيجة عكسية ظهرت بأكثر من محطة واستَكملت مسيرة الإنجازات..

لكل حرب أدوات مواجهتها.. فالمواجهة العسكرية والاقتصادية تحتاج لتكافؤ قوة بين طرفين، أما المواجهة الثقافية فهي لا تحتاج الى تكافؤ قوة في الأدوات، إنما الى أصالة في المحتوى وقدرة على الصمود.. فكل المراحل السابقة كانت تواجَه بالصمود، أما ميزة هذه المرحلة أنها فتحت نوافذ ثقافية للهجوم الناعم، من هنا يمكننا فهم ردة الفعل حول نشيد “سلام يا مهدي” الذي هزّت صورته قبل كلماته، المُحبين إيجاباً والمُبغضين سلباً، الذين أفقدهم زيْفهم صوابهم، بعدما ظهرت صورة هذه الجماعة التي حاولوا تشويهها ووصفوها بأبشع الكلمات أنها، وعلى خلاف ما يزعمون، تمتلك في مخزونها الثقافي كمّاً كبيراً من الجمال والحب والبراءة والمظلومية، التي ظهرت من صدق مناجاتهم بعمل فني يُخاطب وجدان البشرية الباحثة عن الخلاص.


المُبغضون هُم رموز السيطرة التاريخية للثقافة الغربية (مؤسسات وشخصيات)، الذين يرفضون الاعتراف بوجود ثقافة أخرى ، وهذا ما يفسِّر ردود الفعل السلبية على نشيد للأطفال معتمدين أسلوب الإستهزاء الذي يستخدمه مَن لا يملك طرحاً بديلاً أو دليلاً مقنِعاً على رأيه، من هنا يمكننا الفرز بين ثقافتين في البلد، ثقافة المقاومة وثقافة الإرتهان والخضوع للإملاءات الغربية، وعندما نقول ثقافة المقاومة تعني كل من يُواجه التحديات ويؤمن بمضمون النشيد (انتظار المُخلّص)، خاصة في البيئة المسيحية التي تلتقي مع فكرة المهدوية بانتظار المسيح.

هذه المرة لم تكن الفئة المستهدَفة الشباب الذين حَسَموا خياراتهم، وإنما الأطفال لأن الحرب الثقافية تؤثر في هذا الجيل أكثر، لذا يجب تحصينه، ولكن صورة الأطفال فاقت التوقعات، مما كشف وعيهم لما يقولون وعلاقة آباءهم الشهداء به، والتفاعل معهم فاق التوقعات أيضاً وتحديداً على مواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت ساحة معركة تلعب دوراً مهماً في هذه الحرب، مما أظهر حاجة الناس للخلاص من ناحية ومن ناحية أخرى أكّد ثباتهم.

وبالعودة للمواجهة ومن جانب آخر، ولكل من يسأل عن الفرق بين المواجهة العسكرية والمواجهة الثقافية.. أن الأولى تَستخدم أدواتها في ميدانها متحررة من قيود الشراكة، وهنا تكمن نقطة قوتها، أما نقطة الضعف في الثانية انها لا تعمل بأدواتها وإنما بأدوات غيرها، أدوات مفروضة عليها.

أما عن المرحلة المقبلة في المواجهة، فلا بد من الاستمرار في عرض النموذج المقابل، وهو التصريح بالقيم الحضارية عبر خطط ترفع مستوى وعي الناس ليُفشِلوا مراحل وخطط جديدة وليستكملوا هجومهم بسلام..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى