أحدث الأخبارفلسطين

في ذكرى الانسحاب الإسرائيليّ من غزة ما المطلوب فلسطينياً؟

مجلة تحليلات العصر الدولية

حسن لافي

تأتي الذكرى الخامسة عشرة للانسحاب الإسرائيلي من غزة في ظلِّ فيضانات التطبيع الخليجي مع “إسرائيل”، كلحظة سياسية تاريخية يجب التقاطها لإبراز التمايز بين خيار مشروع المقاومة القادر على مقارعة الاحتلال وتسجيل نقاط انتصار عليه، رغم المساعي الحثيثة لـ”إسرائيل” وحلفائها في المنطقة لتصفير إنجازات المقاومة، ومنعها من مراكمة النصر، كأحد أهم الأهداف الاستراتيجية لنظرية الأمن القومي الإسرائيلي، حتى لا يثبت أمام الجميع بالبراهين الملموسة صواب خيار المقاومة، مستخدمين استراتيجية الإشغال الداخلي لمشروعها، من خلال خلق الأزمات تلو الأزمات في طريقها تارة، والعقاب الجماعي بكل أشكاله لحاضنتها تارة أخرى، في سبيل إيجاد حالة من النفور الشعبي منها، بهدف إيصال الشعوب العربية إلى قناعة مفادها أنّ “إسرائيل” غير قابلة للهزيمة، في أكبر عملية كيّ وعي عام تمارس على الأمة، مما لا يترك أمامها إلا الاعتراف بـ”إسرائيل” والتطبيع معها كخيار الأمة العربية الوحيد.
إنَّ استخدام “إسرائيل” أسلوب تصفير إنجازات المقاومة الفلسطينية في التغطية على هزيمة انسحابها من قطاع غزة، لم يكن المحاولة الأولى، فقد مارست ذلك عند اندحارها من جنوب لبنان في العام 2000 على وقع ضربات المقاومة اللبنانية.
وفي كلّ مرة تسجّل المقاومة نقطة انتصار على الاحتلال، تنطلق ماكينات الإعلام الموجّه أميركياً وصهيونياً في حملة تزييف للحقائق، إذ تنبري الأقلام المأجورة، وتتعالى الأصوات النشاز، في محاولة لإظهار أن الانسحاب يأتي بناء على رغبة “إسرائيل” ومصلحتها، وليس إرغاماً لها من قبل المقاومة. قد يكون هناك هدف إسرائيلي من ذلك الانسحاب، ولكن بالتأكيد كخطة بديلة لعدم قدرة الاحتلال على تحمّل الوضع الكارثي الذي صنعته ضربات المقاومة.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى شهادة روعي شارون، ابن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرئيل شارون، الذي قاد الانسحاب الإسرائيلي من غزة، إذ تحدَّث بذلك صراحة عندما صرّح قائلاً “إن مشهد الدبابة الإسرائيلية المتناثرة جراء تفجيرها على محور فيلادلفيا (بوابة صلاح الدين)، على الحدود المصرية مع قطاع غزة، وصورة جنود نخبة سلاح الهندسة الإسرائيلي جاثمين على ركبهم، يبحثون عن فتات أشلاء ما تبقى من جنودها الخمسة، شكّلا اللحظة الأهم في اتخاذ شارون قرار الانسحاب من غزة”.
بُنيت نظرية الأمن القومي الإسرائيلي على فرضية أنّ العرب لن يتوقفوا عن مهاجمة “إسرائيل”، إلا إذا وصلوا إلى قناعة بأنهم غير قادرين على تحقيق أيّ انتصار عليها، وبأن من المستحيل إرغامها على التنازل عن أي شيء ما لم تقبل به بكامل إرادتها على طاولة المفاوضات.
إن الذين وصلوا إلى هذه القناعة من العرب، هم فاقدو الإرادة، وعديمو الثقة بأنفسهم وبقدرات شعوبهم، بخلاف مشروع المقاومة المؤمن بالانتصار، مهما طال الزمن، يحدوه في ذلك الأمل والثقة بالله أولاً، وبقوة الجماهير ثانياً على إحداث تغييرات جوهرية في موازين القوة المختلة لصالح الاحتلال.
ما بين فرحة الفلسطينيّ بانسحاب “إسرائيل” من غزة وصدمته من فيضان التطبيع العربي، بات من الواضح لديه أنَّ هناك مشروعين يتصارعان في المنطقة: المشروع الصهيو – عربي تحت المظلة الأميركية، في مقابل مشروع المقاومة بمن ينتمي إليه من أحرار الأمة.
إنّ إدراك الفلسطيني لهذا التمايز في هذا التوقيت الحرج للقضية الفلسطينية، يعتبر الخطوة الصحيحة الأولى في مسيرة التخطيط لمعركته الطويلة والشرسة مع الاحتلال الصهيوني.
والمطلوب من الفلسطينيين الآن، بكل توجهاتهم السياسية والإيديولوجية، تحديد خارطة حلفائهم الحقيقيين من جديد، ومعرفة ماهية عمقهم الاستراتيجي الفاعل والداعم في نضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي، حتى يضمنوا أن لا تنقطع بهم السبل وحيدين معزولين في منتصف المعركة ضد المشروع الصهيوني، ليعود البعض الفلسطيني إلى التنظير مرة أخرى للاعتراف “بإسرائيل” بأوسلو جديد على أنه خيار بمنتهى العقلانية السياسية الفلسطينية، في ظل غياب العمق والدعم العربي، متناسياً أن مراهنة البعض الفلسطيني منذ البدايات على تحالفات مع أنظمة عربية وإسلامية تربطها قواسم مشتركة ومصالح بنيوية مع المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة، هي السبب الرئيسي في حالة انسداد الأفق الفلسطيني، لا كما تحاول “إسرائيل” تسويقه بأن الخلل يكمن في تبني الفلسطينيين خيار المقاومة، والانتماء إلى محورها في المنطقة، منذ انسحابها من غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى