أحدث الأخبارالعراقمحور المقاومة

قانون الانتخابات الجديد في العراق المزايا والثغرات والتحديات

مركز الإمارات للسياسات/مجلة تحليلات العصر

تمكن مجلسُ النواب العراقي من إقرار قانون الانتخابات التشريعية، الذي يضم 50 مادةً، في 24 ديسمبر 2019، بعد مخاض عسير خاضت خلاله الكتل السياسية مفاوضات كثيرة قبل أن يتم التصويت على المواد الخلافية التي أدت إلى مقاطعة الكتل الكردية جلسة التصويت، إضافة إلى بعض النواب السُّنَّة.

تستعرض هذه الورقة مزايا القانون الجديد وعيوبه والتحديات أمامه ليسهم في تحقيق الغاية من مطالبة حركة الاحتجاج الشعبية به.

مزايا القانون الجديد

بشكل عام يمكن اعتبار أن أهم ميزة في القانون الجديد هي الانتقال من طريقة التمثيل النسبي، باعتبار كل محافظة دائرة انتخابية واشتراط الترشح بواسطة القوائم الانتخابية، إلى الترشيح الفردي بعيداً عن القوائم والأحزاب، وفي دوائر انتخابية صغيرة هي الأقضية (القضاء وحدة إدارية تلي المحافظة في العراق)؛ الأمر الذي يمثل فرصةً كبيرة للتغيير السياسي وإنهاء سطوة الكتل والقوائم التقليدية الكبيرة.

ومن مميزات القانون الأخرى:

إلغاء طريقة “سانت ليغو” في توزيع الأصوات؛ إذ سيكون الفائز هو مَن يحصل على أعلى الأصوات وحسب، غير أن خبراء كانوا يفضلون أن يحصل الفائز على نسبة أكثر من 50 في المئة من الأصوات، من خلال إجراء جولة إعادة بين أعلى الفائزين.
سيراعي البرلمان الجديد التركيبة السكانية؛ إذ سيكون لكل “قَضاء” ممثلٌ واحد أو أكثر وعلى أساس كل 100 ألف مواطن نائب واحد، وإذا كان عدد سكان القضاء أقل من هذا العدد فسيتم دمجه بأقرب قضاء كبير، وهو ما تضمنته المادة 15 من القانون وكانت محل اعتراض الأكراد.
سيُعزز القانون وصول الشخصيات المستقلة إلى البرلمان، وإنهاء أو تحجم الكتل الكبيرة التي كانت تسيطر على المشهد الانتخابي عبر قانون الانتخابات السابق، ونفوذها في الهيئات الرقابية، مثل كتلة “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي.
منع القانونُ “رئيس الجمهورية ونوابه، ورئيس الوزراء ونوابه، ورئيس هيئة مستقلة ونوابه، ورئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة، ووكيل وزارة، والمحافظ ونوابه، ورئيس مجلس محافظة ونوابه، وصاحب الدرجة الخاصة، ومدير عام”، من الترشح للانتخابات المقبلة إلا بعد مضي ما لا يقل عن عامين من تركه المنصب.

السلبيات في القانون الجديد

١- لم يتضمن القانون مطالبات عدة خرجت من ساحات الاحتجاج، من ضمنها منع ترشيح الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة، ومزدوجي الجنسية.

٢- ترك القانونُ تحديدَ عدد الدوائر لمجلس النواب، وهو ما يعني إخضاع الأمر للمفاوضات والصفقات السياسية، وقد يؤدي الأمر إلى مشاكل في المناطق المختلطة.

٣-قد يَستغرِق رسم الدوائر الانتخابية فترةً طويلة تعرقل مشروع الانتخابات المبكرة، بسبب الخلاف حول عدد وحدود الأقضية، وغياب الإحصاء السكاني.

٤-قد يُساعِد القانون زعماء العشائر ومرشحي الفصائل المسلحة في الوصول إلى البرلمان بسبب سيطرتهم على بعض الأقضية والنواحي الصغيرة.

٥-السماح لكل من يحمل شهادة الإعدادية في الترشح للانتخابات، بعد أن كان الشرط هو أن يكون المرشح حاصلاً على شهادة البكالوريوس؛ وهو تراجع كبير قد يقلل من حملة الشهادات العليا في البرلمان المقبل.

٦-لم يوضح القانون مصير النازحين الذين لا يزالون ممنوعين من العودة إلى مناطقهم، إضافة إلى أنه عرّف النازح والمهجر بأنه ذلك المسجل في وزارة الهجرة، وهو أمر غير واقعي، فهناك عشرات آلاف النازحين والمهجرين غير مسجلين لدى وزارة الهجرة أساساً.

مواقف القوى السياسية

ترى الأحزاب الكردية، باستثناء حركة “الجيل الجديد” التي لم تقاطع جلست التصويت على القانون وصوتت لصالحه، أن جلسة التصويت كانت غير قانونية، فطبقاً لها كان هناك نقص في النصاب وتجاوز في طريقة احتساب الأصوات المؤيدة والمعارضة للقانون، وهي تتجه إلى الطعن لدى المحكمة الاتحادية على تلك الجلسة. وتسعى هذه الأحزاب إلى تعديل القانون حتى يضمن لها الحفاظ على مقاعدها في البرلمان الاتحادي، والإبقاء على المحافظات كدوائر انتخابية، أو على أقل تقدير الأخذ بنظام الترشيح الفردي والقوائم المغلقة معاً؛ ذلك أنها تدرك أن الانتخاب الفردي التام والدوائر الصغيرة سيؤديان إلى خسارة مقاعد في المناطق (الأقضية) المختلطة.

وكانت رئيسة كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني جوان إحسان قد قالت في مؤتمر صحافي للكتل الكردية إن “تجاهل إرادة الأكراد هو دفع حقيقي للشارع نحو مزيد من التمزق والاستبداد بالرأي لإخراج قوانين غير رصينة”، وتابعت أن “الأكراد مع إقرار قانون انتخابي يسهل إجراء الانتخابات بما يحقق التمثيل الحقيقي للناخبين ويمنع استبداد الأحزاب التي تريد فوز مرشحيها بكل الدوائر من خلال أعلى الفائزين”. في حين اعترض مسؤول مؤسسة الانتخابات في الحزب الديمقراطي الكردستاني خسرو كوران، على إقرار قانون الانتخابات التشريعية رغم عدم موافقة الأكراد داخل مجلس النواب عليه، لكنه أكد أن القانون يُلحق أقل الأضرار بالحزب الديمقراطي الكردستاني مقارنة بالجهات الأخرى، وأوضح أن الأفضل كان هو أن يكون العراق دائرة انتخابية واحدة، أو تكون المحافظة الواحدة 18 دائرة انتخابية.

في المقابل رحبت الأطراف الشيعية بالقانون، وخصوصاً كتل “سائرون” و”تيار الحكمة”، و”عصائب أهل الحق”، كما أيدت القوى السنية الكبيرة، مثل “الحل” و”اتحاد القوى العراقية”، التشريعَ الانتخابي الجديد، فيما عبّر بعض النواب السُّنة عن امتعاضهم من القانون، فقال النائب طعمة اللهيبي عن محافظة نينوى إن القانون “كُرس لتشتيت العراق”، مبيناً أن نظام الدوائر المتعددة “يحتاج إلى سنتين لتطبيقه”، ورأى اللهيبي أن “مـن سعى إلى إقرار قانون انتخابات مجلس النواب يرغب في البقاء في السلطة أطول وقت ممكن”.

أما موقف ساحات الاحتجاج، فقد تراوح بين الرفض والتأييد بحسب ما رَشح من مشاهدات وشعارات، كما تم نشر بيان على صفحات التواصل الاجتماعي، باسم “ساحة التحرير في بغداد” طالب بضرورة إشراف الأمم المتحدة على الانتخابات لعدم ثقة الناخبين بالأعضاء الجدد في المفوضية العليا للانتخابات، كما طالبوا بإلغاء انتخابات الخارج لكونها، وبحسب البيان، تمثل أحد أوجه تزوير الانتخابات وهدر الأموال من قبل مكاتب المفوضية الخارجية. وأكد البيان أيضاً ضرورة اعتماد حصول الفائز عن الدائرة الانتخابية بنسبة 50 زائداً واحداً في المئة من الأصوات الصحيحة، في حين ينص القانون على وجود جولة واحدة لاحتساب الفائز الذي يحصل على أعلى الأصوات، من دون تحديد نسبة معينة، ويُلمح ناشطون إلى أن تلك الفقرة ستمنح الأحزاب وزعماء العشائر فرصةً لتمرير مرشحهم من خلال تشتيت أصوات المستقلين.

كما طالب المنتفضون بأن يضمن القانون الجديد منعَ أي شخصية يثبت أنه مرشّح عن حزب أو حركة لديها فصيل مسلح، حتى وإن كان بعنوان سياسي آخر، وشملت المطالبات أيضاً تعديلَ القانون بحيث لا يُسمح لكل من تولى منصباً تنفيذياً في الحكومة الحالية والحكومات السابقة بدرجة وزير، أو وكيل وزير، أو أعضاء مجلس النواب للدورة الحالية والدورات السابقة، بالترشح للانتخابات المقبلة، والأمر نفسه بالنسبة لمزدوجي الجنسية.

السيناريوهات المحتملة بخصوص الانتخابات التشريعية:

السيناريو الأول: تأخير موعد الانتخابات المبكرة بسبب الخلاف حول عدد الأقضية التي يحق لها المشاركة في الانتخابات، فضلاً عن أسباب أخرى، من أهمها:

الأقضية المختلطة التي يكون عددها أقل من 100 ألف نسمة سيتم دمجها بقضاء مجاور أكبر، وعلى سبيل المثال إذا كان القضاء يضم أقلية كردية سيتم الاعتراض على دمجه مع قضاء غالبيته من العرب أو التركمان والعكس صحيح؛ وهو أمر قد يؤدي إلى حدوث نزاع كبير بين السكان والأطراف السياسية هناك.
شعور الكتل التقليدية، مثل “دولة القانون” و”منظمة بدر” و”المجلس الإسلامي الأعلى”، التي لا تمتلك شعبية كبيرة حقيقية بأن القانون الجديد لا يخدمها وسيؤدي إلى خسارة نفوذها في البرلمان المقبل، وعليه ستحاول تعطيل الانتخابات أو الاتفاق مع الأكراد لتعديل القانون.
رغبة جميع الكتل بالبرلمان الحالي في إجراء الانتخابات بعد انتهاء الاحتجاجات بفترة تسمح لها بإعادة تسويق نفسها من جديد، بعد أن أفقدتها التظاهرات الكثير من شعبيتها.
ومن المرجح أن يؤدي هذا السيناريو إلى تعديل القانون، وتحديداً الفقرة 15 المتعلقة بعدد الدوائر، إما بجعل الدوائر على أساس أن يمثل كل 100 ألف مواطن دائرة انتخابية، أو جعْل كل محافظة دائرة انتخابية مع الإبقاء على الانتخاب الفردي لإرضاء الأكراد. وفي كل الاحوال سيكون التعديل بعد توقف أو تراجع حدة التظاهرات حتى لا يؤدي التعديل إلى زيادة غضب الشارع. وهذا السيناريو هو الراجح.

السيناريو الثاني: عقد الانتخابات التشريعية خلال أقل من عام في حال أصرت الكتل المؤيدة للقانون على الإبقاء على المادة 15 ومنع تعديلها، وهذا يتطلب الاتفاق السريع على عدد الدوائر الانتخابية ووجود حكومة قوية ومحايدة قادرة على تنظيم الانتخابات بقدر كبير من المهنية وبرقابة دولية كبيرة.

وحتى تؤدي الانتخابات إلى تغيير المعادلة السياسية يجب على ساحات الاحتجاج إفراز قيادات ورموز مناطقية يمكنها اكتساح الانتخابات، أو إعلان تيار وطني يمثل التظاهرات ويكون الترشح تحت هذا العنوان الكبير.

وبخلاف ذلك، ستتمكن التيارات الإسلامية القوية، مثل “التيار الصدري”، والعشائر، من السيطرة على الأقضية الصغيرة والتحكم في خيار الناخبين، وستكون فرص المستقلين في الأقضية الكبيرة فقط، كما في مراكز المدن، التي تضم مئات الآلاف من المواطنين، حيث يوجد هامش مريح من الحرية، وستكون الغالبية في البرلمان من الشخصيات المستقلة والعشائرية والتيار الصدري بالنسبة لوسط وجنوب العراق، والعشائر أيضاً في المناطق السنية الصغيرة، أما الحزب الديمقراطي الكردستاني فسيتمكن من الفوز بمقاعد القرى والأقضية النائية، في حين أن القوى الكردية الصغيرة، مثل “الجيل الجديد” و”التغيير”، ستتمكن من الفوز بمقاعد أكثر مقارنة بالانتخابات السابقة وخصوصاً في مراكز المدن، لكنْ بشكل عام سيتقلص عدد المقاعد الكردية، بسبب ضياع أصوات الأقليات الكردية في المناطق الشيعية والتركمانية والمسيحية.

الخلاصات والاستنتاجات

يُمثل إقرار قانون الانتخابات الجديد إنجازاً لحركة الاحتجاج الشعبية، إلا أن القوى السياسية المُتضرِّرة من القانون الجديد ستُحاول أن تلتف عليه في مرحلة الاتفاق على عدد الدوائر الانتخابية، ومن المتوقع أن تشهد تلك المرحلة صفقات سياسية بين القوى الكردية والقوى الشيعية الموالية لإيران، تقوم على دعم الأكراد مرشح كتلة “البناء” لرئاسة الحكومة مقابل رسم دوائر انتخابية لصالح إقليم كردستان في المناطق المتنازع عليها.
لا يُتوقع أن تؤدي الانتخابات البرلمانية المقبلة إلى تغيير الواقع السياسي في العراق ما لم تتمكن ساحات الاحتجاج من تنظيم تيار وطني يتم الترشُّح على أساسه في كل الدوائر الانتخابية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى