أحدث الأخبارسوريا

قانون قيصر

مجلة تحليلات العصر الدولية

بقلم: نبيل المقدم

جرى إقرار “قانون قيصر” في واشنطن مرتين . الاولى في عهد الرئيس باراك اوباما . لكن الرئيس الاميركي الأقل عداء للعرب أهمله معتمداً رأي مستشاريه الذين اكدوا ان القانون الذي يُعرف ــ يا للسخرية ! ــ بأنه “قانون الدفاع عن المدنيين السوريين” يُلحق الضرر بمواطني سوريا وليس بقيادتها السياسية والعسكرية .
الرئيس دونالد ترامب ، الأشهر احتضاناً للكيان الصهيوني العنصري والأشد عداء للعرب ، تولّى للمرة الثانية إقرار “قانون قيصر” ووقعه في كانون الاول /ديسمبر الماضي.
من المنتظر أن تعلن ادارة ترامب في 17 حزيران/يونيو الجاري المباشرة في تنفيذ القانون برزمة عقوبات اقتصادية ضد سوريا وحلفائها. العقوبات تستهدف الافراد والحكومات والشركات والمؤسسات التي تتعامل او تقدّم اي تمويل او مساعدة لسوريا ، وتستهدف بصورة خاصة الصناعات السورية ولاسيما تلك المتعلقة بالبنية التحتية والطاقة والصيانة العسكرية. كما يقضي القانون بملاحقة ومعاقبة كل الأفراد والكيانات التي تتعامل مع الحكومة السورية وأجهزتها العسكرية والاستخبارية، إضافةً الى كل من يقدّم لها الدعم المالي بصيغة قروض او إئتمانات تصدير او توفير سلع و خدمات و معلومات .
احكام القانون تشمل ، اذاً ، كل المتعاملين مع سوريا ، حكومات وشعوباً وافراداً . غير ان لبنان ، حكومةً ومؤسسات وشعباً وافراداً ، يبدو اشد المتضررين . ذلك ان سوريا هي الدولة الوحيدة التي تحيط بلبنان من كل الجهات تقريباً ، ويتعامل شعبا البلدين ويتبادلا المنافع والسلع والخدمات بوتيرة يومية ، فضلاً عن ان معاناة لبنان الإنهيار الإقتصادي وتدني سعر صرف الليرة اللبنانية في الآونة الاخيرة ضيّقا فرص تصدير منتجاته الصناعية والزراعية الى سوريا كما الإستيراد منها بأسعار افضل من سائر الدول.
فوق ذلك ، ثبت من دراسة أجرتها الحكومة السورية بعد تدني سعر صرف الليرة السورية انه ، خلافاً لما يروَّج له اعلامياً ، فإن التهريب بين البلدين تميل كفته الى الجانب اللبناني من حيث قيمة وتوافر نقل البضائع والسلع ولاسيما بعد تدني سعر صرف الليرة اللبنانية وشحّ الكثير من المستوردات من دول اجنبية.
لماذا تمارس الولايات المتحدة كل هذه الضغوط على سوريا والمتعاملين معها ؟
لأنها ، بحسب حديث مبعوثها للشؤون الإيرانية براين هوك، تريد “رؤية جميع القوات الإيرانية وجميع القوات الاخرى الخاضعة لقيادتها تخرج من سوريا”.
انه ، اذاً ، مطلب “اسرائيل” القديم الجديد . فهي تحاول تحقيقه عسكرياً بغارات جوية وصاروخية تستهدف مواقع تواجد ضباط وفنيين استشاريين ايرانيين في سوريا ، كما تستهدف مواقع عسكرية ومؤسسات علمية لا وجود لغير السوريين فيها. وبموازاة الجهد العسكري العدواني الإسرائيلي ، تحاول اميركا بالعقوبات الإقتصادية محاصرة سوريا ومعاقبة حلفائها والمتعاملين معها لحملها ، بحسب ما اعلنته السفارة الاميركية في دمشق ، “اتخاذ خطوات لتنفيذ حل سياسي وإلاّ تواجه المزيد من العقوبات والعزلة”.
الحقيقة ان اميركا ، ومن ورائها “اسرائيل” ، تريدان لسوريا اكثر من العقوبات والعزلة. انهما تبتغيان تفكيك سوريا الى جمهوريات موز على اساس اثني او قبلي او طائفي . واذا تعذّر ذلك فهما تريدان ، بحسب مبعوثها الخاص الى سوريا جيمس جيفري ، “تغيير سلوك النظام بغية وقف تأمينه مأوى للمنظمات الإرهابية ( ايّ تنظيمات المقاومة!) وعدم تأمينه قاعدة لإيران لبسط هيمنتها على المنطقة “.
كيف يمكن ان يكون ردّ سوريا ولبنان على “قانون قيصر” وما يرافقه من تدابير عقابية ؟
لسوريا تجربة قديمة في مقاومة الحصار والعقوبات الاميركية المفروضة عليها بتعاونها الوثيق مع ايران وروسيا . صحيح ان ايران تعاني حصاراً وعقوبات اميركية مزمنة كما تداعيات جائحة كورونا ، لكنها تبدو مع ذلك قادرة على مدّ يدّ العون لسوريا كما كانت تفعل دائماً .
روسيا اعلنت انها وايران والصين تعارض خطوة ترامب العقابية الأخيرة. اكثر من ذلك ، يبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتن معنياً بإستقرار سياسي في سوريا يمكّن حكومتها من إعادة الإعمار والبناء بعد حرب الغرب الاميركي والاوروبي عليها المستمرة منذ اكثر من تسع سنوات . ويتردد في موسكو ان بوتن معنيٌ بتمكين سوريا من التغلّب على دفعة العقوبات الاميركية الجديدة لأنه مهتم بأن تكون لروسيا حصة الأسد في عملية إعادة اعمار سوريا التي تبلغ تكلفتها اكثر من 400 مليار دولار .
لبنان يبدو ادنى استعداداً من جارته لمواجهة الهجمة الصهيواميركية ، ذلك ان إنهياره الإقتصادي المريع جرّه الى إلتماس العون من صندوق النقد الدولي. هذا التوجّه نحو الصندوق يحدّ من هامش المناورة لديه كما يحدّ من امكانية اتخاذه مبادرات جريئة مخافة ازعاج اميركا ذات النفوذ الكبير في صندوق النقد الدولي نتيجةَ مشاركتها بنسبة تقارب 16 في المئة من رأسماله. مع ذلك ، فإن المتضررين من “قانون قيصر” وانعكاساته ، ولا سيما حزب الله وحلفاءه الأقوياء سياسياً وشعبياً والحريصين على حماية أنفسهم ، سيضغطون على الحكم والحكومة لرفض الإنصياع لأحكام “قانون قيصر” داخلياً، وتفادي تنفيذ احكامه خارجياً بسبب حاجة لبنان إقتصادياً الى سوريا اكثر مما هي بحاجة اليه.
في هذا المنظور ، يستطيع البلدان مجتمعَين او منفردَين إعتماد المبادرات والتدابير الآتية:
اولاً، التنسيق الهادف بينهما لكونهما يواجهان الصعوبات والتحديات السياسية والاقتصادية نفسها ولاسيما تلك النابعة من الولايات المتحدة المنحازة دائماً لـِ “اسرائيل” .
ثانياً ، تفاهم حكومات سوريا والعراق وايران ولبنان ، على فتح جسر بري من ايران الى لبنان لتسهيل النقل والتبادل والتعاون الإقتصادي في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية الصهيواميركية .
ثالثاً ، تنظيم المعابر البرية بين لبنان وسوريا على نحوٍ يخدم هدفيّ التعاون والتبادل بينهما مع الحرص على قمع اعمال التهريب المخالفة للقوانين والأنظمة النافذة.
رابعاً ، الإنفتاح الإقتصادي على الصين وروسيا وايران التي تبدو مستعدة للإسهام بكثافة في مشروعات الإعمار والإنماء في دول المشرق العربي.
خامساً ، تسريع مشروع إقامة سوق مشتركة بين لبنان وسوريا والعراق والاردن ، وتنشيط توجّه الصين وروسيا والهند وجنوب افريقيا الى انشاء مصرف عالمي مختص بالتمويل الإنمائي بغية التحرر من ضغوط الولايات المتحدة على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتدخلها في قراراتهما .
يبقى املٌ كبير بإخفاق ترامب في تجديد ولايته علّ اميركا تصبح أقلّ عداءً للعرب ولكل الشعوب في العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى