أحدث الأخبارايرانشؤون آسيويةمحور المقاومة

قراءة سياسية في زيارة تركيا وهل إيران هي التالية؟

د. محمد مشتهى

تركيا بالنسبة للامارات هي ليست صديقة تماما مثل إيران، الرئيس أبو مازن حين يعطي تركيا دورا في المصالحة الفلسطينية، ويرسل وفدا برئاسة الرجوب لزيارة تركيا تحت عنوان لقاء وفد من حماس من أجل المصالحة، برأيي هي رسائل سياسية مبطَّنة للعربان الذين يتاجرون بفلسطين، لماذا تركيا؟ هل لأن العاروري موجود فيها؟ ألا يستطيع الرجوب لقاء العاروري في دولة غير تركيا؟ بالتأكيد يستطيع…إذن لماذا تركيا؟

هذه رسالة سياسية مفادها: يا عرب يا مصريين، يا عرب يا اماراتيين، يا عرب يا سعوديين، اليوم تركيا وغدا نحن ذاهبون لإيران.

ذهاب الرجوب لتركيا هو بمثابة إعطاء دور لها للدخول في الملف الفلسطيني، وليس الهدف هو المصالحة الفلسطينية، لأنه ببساطة، ماذا ستُضيف تركيا في ملف المصالحة ومصر وقطر أصلا موجودتين في مركز الملف المصالحة؟ هل تركيا ستضغط على حماس أكثر من قطر ومصر؟!! هذا مستحيل….إذن لماذا الرئيس أبو مازن يطلب من تركيا التدخل في المصالحة؟ إذن هي رسالة وإعطاء دور اقليمي لتركيا، بكل تأكيد أبو مازن لن يقول: أنا أطلب من تركيا التدخل في المصالحة لأنني أريد إعطائها دور إقليمي!!.

أيضا الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في لقائه الأخير على قناة الميادين في برنامج لعبة الأمم أعلن أن هناك تقدم في موقف تركيا تجاه فلسطين، ثم قال: ولو ببطء، لماذا دخَّل الأمين العام تركيا في القصة؟
هذه رسائل سياسية واضحة، فالانهيار والتراجع العربي يقابله تقدم وبناء وتطور علاقات جديدة، وهذه أيضا إشارة لمصر بأن ملف المصالحة لن يبقى للأبد عندها.

الملف الفلسطيني مهم وقوي بالنسبة للدول وليس سببه التعاطف مع القضية الفلسطينية او لأنها قضية محقة، لكن تكمن أهمية وقوة الملف الفلسطيني بسبب وجود “إسرائيل” في ذات الملف، كلهم يحتاجون ل “إسرائيل”، فمثلاً: عندما الأمريكان يقولون للقطريين: إستضيفوا حماس عندكم، هذا بالتأكيد ليس من أجل خاطر حماس، بل من أجل “إسرائيل”، وعندما الأمريكان يقولون للقطريين: استضيفوا طالبان، هذا بالتأكيد ليس من أجل خاطر طالبان، بل من أجل مصلحة الجيش الأمريكي الموجود على أرض أفغانستان، إذن قوة الملف الفلسطيني بقوة خصمه ومَنْ يقاوِمُه الفلسطيني، قوة الملف تكمن بأن الفلسطيني يُقاتل “إسرائيل”، عندما النظام المصري يأخذ ملف غزة وملف المصالحة، هذا ليس لأنه يعشق غزة أو لأجل سواد عيون فصائل المقاومة، بل لأن النظام المصري يعلم بأن غزة تؤثر على “إسرائيل”، والنظام المصري يسعى لنيل رضى “إسرائيل”، إذن العالم والدول تريد الملف الفلسطيني والورقة الفلسطينية لأن قوتها في معاداة “إسرائيل”، وإن الدخول من بوابة الملف الفلسطيني هو دخول على العالم كله، الدخول من بوابة الملف الفلسطيني هو دخول للصراع الدولي الذي أصلا يتقاتل في أرض فلسطين، التاريخ والجغرافيا والدين كله في فلسطين.

إذن زيارة وفد فتح لتركيا وتصريح الأمين العام للجهاد الإسلامي هي رسالة للعرب بأن تركيا ستملأ مكانكم، وهذا ما يسمّى بالإحلال والإبدال السياسي، وهو أقرب لدراسة إعادة للتموضع الاقليمي.

في ظل التراجع العربي بكل تأكيد لن تتوقف او تنتهي السياسة، وفي ظل انسحاب دول عربية من الملف الفلسطيني بكل تأكيد ستحل دول أخرى مكانها، وبقدر تراجع الدول من الملفات تتقدم دولا أخرى.

السؤال الآن: كيف ممكن لتركيا المطبِّعة مع “إسرائيل” أن تحل مكان دول طبَّعت أو تريد أن تطبِّع مع “إسرائيل”؟

الآن روسيا مطبِّعة مع “إسرائيل” وبوتين صديق لنتنياهو، أليس كذلك؟، لكن عندما تأخذ روسيا موقفا داعما للقضيةالفلسطينية يُصبح الفلسطيني يتفاخر بالموقف الروسي، وفي السياسة عندما يقول الأتراك بأن هناك استيطان واحتلال صهيوني لأرض فلسطينية ويؤيدون الحق الفلسطيني ويرفضون جرائم العدو الصهيوني وما إلى ذلك من مواقف داعمة، هذا يبقى أفضل من بعض الدول العربية التي انهارت وأصبحت تتبنى الموقف الصهيوني وتسوّق لصفقة القرن الأمريكية وتدعو لتشديد الحصار وتقطع المساعدات وتصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، مع إنهم عرب!!!

في النهاية الفلسطيني ليس له علاقة بسياسة الدول الخارجية، ومطلوب منه أن ينظر لسياسة الدول بمقدار تقدمها بما يلي الحق الفلسطيني، ومن غير المنطقي سياسيا الطلب من الدول “خصوصا الغير عربية” ألا تقترب من الملف الفلسطيني إلا إذا سارت كما يريد الفلسطيني!!، أما بما يخص الدول العربية فإن الأمر يختلف لأنهم أمة عربية والفلسطيني هم جزء من الأمة العربية، والفلسطيني لديه حق على العرب، قد يتساءل أحدهم بأن تركيا أيضا دولة مسلمة ومطلوب أن تقف مع الشعب الفلسطيني المسلم؟
والامارات دولة مسلمة والبحرين ومصر والأردن والسعودية كذلك…كلهم دول مسلمة…أليس كذلك؟

تركيا أصبحت عدو لبعض الدول العربية تماما كما إيران هي عدو لهم، مع أن تركيا دولة مسلمة سنيَّة.

إن إنتقال الدول من معسكر معادي الى معسكر مؤيد لفلسطين هذا شيئ جيد

، ومادام الدول تعترف بحقوق الفلسطيني، فالحكمة السياسية تقتضي عدم كسب عداء تلك الدول، فالقطري مثلا: إذا دعم الفلسطيني واعترف بحقوقه المشروعة ولا يفتح التطبيع على مصراعيه “بمعنى فتح سفارات وتعاون أمني وإقتصادي وووو” كما فعلت بعض الدول العربية المتلهفة للتطبيع وفتحته على مصراعيه مع العدو الصهيوني، من هنا تكمن أهمية الرسائل السياسية التي يرسلها الفلسطيني بتطوير العلاقة مع تركيا، والرسالة السياسية الأقوى ستكون هي فتح علاقات مع إيران، وأتوقع بأن يقوم الرئيس أبو مازن بزيارة إيران فور إعلان السعودية التطبيع مع “إسرائيل”.

في السياسة مطلوب قراءة الخطوات، حتى الضعيفة منها وحتى الغير مؤثرة، وزيارة تركيا هي إشارة مفادها: بأن تركيا ستأخذ دور ومحل بعض الدول العربية التي تراجعت عن دورها في قضية فلسطين، تركيا (بعجرها وبجرها) في النهاية إذا تقدمت خطوة باتجاه الحق الفلسطيني، مطلوب حينها من الفلسطيني أن يأخذ هذا الجانب الذي تقدمت فيه، ثم يُمسِك به ويبني عليه، يبني عليه موقف وجسر سياسي، لأن الدول العربية التي تراجعت أصبحت تتآمر على الحق الفلسطيني، والسياسة ليست طفولية بمعنى: إما تعطيني كل شيئ أو بأحرد ولا أريد شيئ….وهذا لا يستقيم سياسياً إلا عندما تصبح فلسطين دولة عظمى، عندها ممكن القول: يا كله يا بلاش.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى