أحدث الأخبارالثقافة

قراءة في إشكاليات القانون الدولي للفضاء الخارجي

مجلة تحليلات العصر الدولية - سعد عبيد حسين

حينما قفزت الانسانية في المرحلة الاولى, والمتمثلة بالتطور العلمي التكنلوجي الذي القى بظلاله على التصورات والرؤى السياسية القانونية, وباكورة ذلك بنيت على اسباب جوهرية تعلقت بالسيادة والمصالح الاقتصادية, ثم الحرص على الأمن والسلام والخوف من ضياعها نتيجة للمآسي التي مرت بها الشعوب على اختلاف جغرافيتها وانظمتها السياسية, انبرت واصرت على وضع ما يحققها من قوانين, وكان اهمها القانون الدولي, الا ان الاختلاف في الفكر والسياسية, وكذلك اختلاف ضعف وقوة الدول, جعل منها ان يكون القانون الدولي في حالة عدم الثبات والاستقرار نتيجة اختلاف المصالح مرة, ومرة اخرى خوفا على السيادة الدولية, وثالثة نتيجة للتطور الحاصل في الجو أو السلاح, ما يعني بداية نشوء معاهدات واتفاقيات هي الاخرى غير ثابتة- قد تفرض من القوي على الضعيف- كل هذا كان حتى اربعينات القرن الماضي, مما ولد مشاكل دولية اصيب بها القانون الدولي, يمكن تسميتها بمشاكل القانون الدولي.
لم يتوقف طموح الانسان كفرد, في نشدانه غاية الكمال, فهو يفكر ويتفكر في خلق الارض وما تحوي السماء اجرام سماوية , إذ باتت تؤرقه الاف السنين , بل المجتمعات الدولية- خصوصاً الاوربية- هي الاخرى ايضاً تنشد الكمال, الا أن كمالها انصب على بناه التحتية ليشبع غرائزه, مسخرا بذلك الدين والسلطة والمال لخدمة التجربة والعلم وفقاً لفلسفة انظمة الحكم التي تقودها , حتى انفرد القطبان الدوليان في بداية خمسينات القرن الماضي ليقفزا بالإنسانية الى الفضاء, وهو مستحسن لكل المجتمعات الانسانية, لو ساد في روح واضعيها العدالة والمساواة حقا.
لم تكتفي الانسانية عند طموح محدد, بل انتقل الى السماء, بما مكنته علومه الفضائية من سبر اغواره ليصبح الفضاء المرحلة الثانية من مراحل التطور البشري, حيث انتقل الانسان لأول مرة من الكرة الارضية الى خارجها بكل ما يحمله ذلك من اعباء وتداعيات تعد بكل المقاييس حدثاً فريداً غير مسبوق, أثر وسوف يؤثر على كل الأنشطة الانسانية لقرون عديدة قادمة, وحيث أن عوالم الفضاء والكون الذي يروم الانسان ولوجه, هو من العمق والغرابة والاسرار والعظمة بمكان, أن لا يدركه الانسان مهما اوتي من قوة علم ومال وسطوة, إذ أن النفوذ اليه – والارض- لم ولن يكن الا بوسيلة وما لها من سطوة وسلطان (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ) سورة الرحمن , الآية(33), وحيث أن قمة ماتوصل اليه الانسان لسبر أغوار الفضاء , هو الجسم المراد إطلاقه او المطلق الى الفضاء, بل لم يستطيع تجاوز دقائق ضوئية مهما اوتي من سرعة, فكيف به لقطع مسافة مليارات السنين الضوئية ومثلها من الاكوان,- وهو في توسع فسبحانك ربي ما أعظمك, وما أضعفنا.
ان المجتمع الدولي, بلا شك لم يتمكن من حسم توافق الارادات الدولية في كل مناحي القانون الدولي العام, وهو على الارض, إذ لم يتمكن من وضع- وحسم- قانون دولي عام بكل فروعه بلا مشاكل, فكيف يكون الأمر حين يتعلق الامر بالفضاء وهو لا يعرف أسراره, بل لا يتمكن من السيطرة- في بعض الاحيان- على ما يرسله الى الفضاء من أجسام, وعلى الرغم من أن هذا الارسال وفقا لمبادئ القانون الدولي العام والامم المتحدة واتفاقياتها, الأ أن الجسم المطلق قد تنطبق عليه قوانين الطبيعة والجاذبية والضوء والاشعاع الكوني, أكثر من القانون الموضوع لها دون إرادة الانسان وعلمه, ولعل هذا نتيجة لقصور الانسان وحدود طاقته العلمية, تلك الطاقة التي لا تربو على القرن, نسبة الى آلاف السنين وهي عمر الانسانية, وقد تتدخل الارادة البشرية رغم وجود القانون, ورغم سير الاجسام الفضائية المطلقة وفقاً لقوانينها العلمية لتخلق المشاكل في تلكم القوانين المتعلقة بالفضاء, فالمشاكل في القانون الدولي الفضائي, وخصوصاً في النظام القانوني الدولي لاطلاق الاجسام الفضائية, سينحصر بلا شك بين قصوره – الانسان- وإرادته, وهنا ستكون مشاكل قانون الفضاء, ومنها النظام القانوني الدولي لإطلاق الاجسام الفضائية, هي الاكثر والاعقد, بحيث لا يمكن حلها بقانون الفضاء الدولي او بمبادئه, فمنها ما تعلق بإرادة الانسان- من حيث الفعل- ومنها ما له علاقة بالتصرف السياسي للدول المتقدمة في علوم الفضاء, والذي يخشى منها ان تشعل حرباً في الفضاء, فيرتد اثرها على الارض, أذ أن برامجها الفضائية ليست عابرة, بل هي للآجال الطويلة , فهي تخسر المليارات والوقت والعلماء لقاء الحفاظ عليها, فهو متعلق بامنها القومي , وقد تدعي سيادتها الفضائية على ما تطلقه الى الفضاء, فحري بها الدفاع وحماية ذلك, فهي في حالة استعداد عنها مهما كلف الامر, وقد تعتبر هذه المشكلة من أخطر المشاكل وأخفاها على أهل الأرض, ويعلمها صاحب اليد الطولى والسابق في تقدمه على الدول الفضائية المبتدئة, ويخفيها عن الدول صاحبة الباع الطويل في علوم الفضاء, فهو سباق الفضاء أيضا – لكنه الاخطر-, حل محل سباق التسلح في زمن ما يسمى بالحرب الباردة ,كل هذا يشير الى أن السلمية الزائفة او المؤقتة, هي الاخرى قد تثير المشاكل بين الدول أو اختلاف وجاهات النظر في تفسيرها لسلمية الفضاء.
جدير بالإشارة اليه, أن ايراد الدول لمفردة (السلمية) دون تفسيره مع اهمال نطاق ذلك, قد ولَّد مشاكل اكثر تعقيداً, والغريب, أن كل اتفاقيات االفضاء قد اوردت في
ديباجاتها – باستثناء الاتفاقية (هاء) – مفردة السلمية, إلا أن تصرفاتها الفضائية حينما تطلق الاجسام الفضائية, تثير الشك في تفسيرها على الواقع الموضوعي, بل تزرع اليأس من سلميتها, وهذا ما جعل الفقه الدولي, ونتيجة لمتابعته للاجسام المطلقة لاكثر من سبعين عاماً, ان يحدد استعمالات الفضاء الخارجي في الأوجه الأربعة التالية:
1- لإطلاق الأقمار الصناعية التي تحمل أسلحة التدمير الشامل, كما في تجارب القذائف الصاروخية وغيرها.
2- للأقمار الصناعية العسكرية, كالاستطلاع, وجمع الانشطة الاستخبارية( ورصد الانشطة التي تخدم الاستخبارات), وكذلك أجهزة الفضاء التي يمكن استخدامها لالقاء القنابل على الارض وتدمير مركبات الفضاء المعادية.
3- لاقمار الصناعية التي تطلق للقيام بالاعمال العسكرية والسلمية معاً, وتندرج تحت هذه الطائفة الغالبية العظمى من الاقمار.
4- للاقمار الصناعية التي تستخدم للاستكشاف والبحث العلمي في الفضاء وعلى الاجرام السماوية,ولعل هذه تشجع الدول الفضائية المتقدمة ان تكثف من تصنيع الوسائل الدفاعية في الفضاء, ومنها – مثلاً- التكنولوجيا المضادة للاقمار الصناعية, وهذا الاخير قد يؤدي الى فقدان المصداقية فيما بين الدول المتقدمة في مجال الفضاء, فتبدأ الاتهمات بشأن تصرفات او مواقع وعمل الاجسام الفضائية المطلقةومن هنا تبدأ اسقاطات وردود فعلها على اهل الارض, ثم على القانون الدولي, وذلك نتيجة للتصرفات السياسية التي هي الاخرى, قد تؤثر على انشاء او تعديل او تحفظ على المعاهدات الدولية المتعلقة في قانون الفضاء الدولي.
ومما يجدر الاشارة اليه ان مشاكل قانون الفضاء الدولي, وما يتعلق بالنظام القانوني لاطلاق الاجسام الى الفضاء الخارجي, قد تكون اكثر واصعب وتختلف اختلافاُ كثيراً عن غيرها من القوانين الدولية, يصعب على النظام حلها بسهولة على المدى القريب, فعدم تحديد بداية الفضاء الخارجي- ونهايته وهو مستحيل- يؤدي الى عدم المساوات والعدالة بين الدول بسبب غموض ذلك التحديد , فالدول المتقدمة هي من تسيطر وتتصرف في اي مكان من الفضاء وقد يكون في بعض الاحيان داخل محيط الارض الهوائي دون ان تعرف او تنبس الدول الضعيفة ببنت شفه, اذ ان اغلب الاخطاء او المشاكل التي لا تكون بإرادة الانسان, كوجود حطام وما يسببه من مشاكل, هي بالأحرى مشاكل فيزيائية ليس لها علاقة بالقانون بصورة مباشرة في تتبع نظام الجاذبية, فلا يمكن حلها بمادة قانونية من الارض, بل بعمل فعلي علمي كتنظيف الفضاء بواسطة شركات, وهذه الاخيرة الى الان موضع دراسة وبحث جدوى اقتصادية اكثر مما هي لحماية الاجسام المطلقة بعد خمسين عاماً من إرسال الصواريخ والأقمار الصناعية والحمولات إلى المدار، خلقت البشرية مشكلة غاية الخطورة على استكشاف الفضاء وحريته, الا وهي خردة الفضاء, او ما يسمى الحطام الفضائي ماتسمى بالتلوث الفضائي, حيث تشير التقديرات الحديثة أن هناك أكثر من 170 مليون قطعة من الحطام تتراوح أقطارها ما بين أقل من 1 سم إلى عدة أمتار… تهدد المركبات الفضائية ومحطة الفضاء الدولية ), بعد كل هذا, يمكن القول, بان مشاكل الفضاء قد انقسمت بين مشاكل سياسية وامنية, أو اقتصادية بسبب تطور اقمار الاتصالات والاستشعار, او مشاكل طبيعية فيزيائية, ولكن هناك مشاكل مستقبلية ستظهر عاجلا ام اجلا, لم يتطرق لها قانون الفضاء والمتعلقة بكيفية استغلال الموارد الطبيعية, خصوصا التعدين في الاجرام السماوية, علما ان معاهدات الفضاء الخارجي لم تنظم ذلك, وملخص القول, انه طالما ان الفضاء ليس ملكاً لاحد, فان المشاكل جارية وستترى, وعلى ما يبدو انها ستبدأ من القمر- حسب رأينا المتواضع- لان الجرم السماوي الوحيد الذي وصل اليه الانسان بعدته, وبذلك يمكنه التعدين والبحث المواد التي تزيد من رصيده العلمي والاقتصادي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى