أحدث الأخبارالعراقمحور المقاومة

قراءة في المضامين السامية للخطاب التأريخي الذي وجهه سماحة السيد السيستاني الى بابا الفاتيكان

مجلة تحليلات العصر الدولية

استقبل سماحة السيد السيستاني دام ظله الشريف بابا الفاتيكان فرنسيس في منزله في النجف الاشرف صبيحة اليوم الحادي والعشرين من شهر رجب عام ١٤٤٢ المصادف السادس من آذار عام ٢٠٢١ وعقب اللقاء الذي طال لمدة ٤٥ دقيقة اصدر مكتب سماحة السيد السيستاني بياناً وضح فيه ما بينه سماحة السيد للبابا في لقائه.

في مقدمة البيان ورد ما يلي:

(التقى سماحة السيد السيستاني (دام ظله) صباح اليوم بالحبر الاعظم (البابا فرنسيس) بابا الكنيسة الكاثوليكية ورئيس دولة الفاتيكان)

حيث عرّف مكتب سماحة السيد السيستاني البابا فرنسيس ببعده الديني (الحبر الأعظم) في إشارة الى الوصف القرآني لعلماء النصاري، اذ وصف البيان البابا بأنه كبير الزعماء الدينيين للديانة النصرانية وذلك لتحميل البابا المسؤولية الدينية.

اذ قال تعالى:

يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ ﴿٤٤ المائدة﴾

وعن دور الاحبار في هداية شعوبهم يقول عز وجل:

لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ﴿٦٣ المائدة﴾

ويصف القرآن الكريم حال اكثر احبار النصارى بقوله تعالى:

إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ﴿٣٤ التوبة﴾

وعن حال شعوبهم يقول جل وعلا:

اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴿٣١ التوبة﴾

كما وصف البيان البابا ببعده السياسي (رئيس دولة الفاتيكان) ليتحمل المسؤليات السياسية التي سيتحدث عنها البيان لاحقاً.

حيث ورد في ديباجة البيان ما يلي:

(ودار الحديث خلال اللقاء حول التحديات الكبيرة التي تواجهها الانسانية في هذا العصر ودور الايمان بالله تعالى وبرسالاته والالتزام بالقيم الأخلاقية السامية في التغلب عليها)

ماذا كان يقصد الامام السيستاني بالتحديات الكبيرة التي تواجهها الإنسانية في هذا العصر يا ترى؟!

وما هو الايمان المرموز بالله تعالى وبرسالاته والالتزام بالقيم الأخلاقية السامية في التغلب على تلك التحديات الكبيرة التي تواجهها الإنسانية؟

في الجزء الآتي من البيان إجابة على هذه التساؤلات!

فقد أشار البيان الى ما يلي:

(تحدث سماحة السيد عما يعانيه الكثيرون في مختلف البلدان من الظلم والقهر والفقر والاضطهاد الديني والفكري وكبت الحريات الاساسية وغياب العدالة الاجتماعية، وخصوص ما يعاني منه العديد من شعوب منطقتنا من حروب وأعمال عنف وحصار اقتصادي وعمليات تهجير وغيرها، ولا سيما الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة)

لاريب ان سماحة الامام السيستاني يعني بشعوب منطقتنا الشعوب التالية على اعتبار انها تعاني من الازمات المذكورة أعلاه في البيان:

الشعب السوري.

الشعب اليمني.

الشعب العراقي.

الشعب الإيراني.

الشعب البحريني.

الشعب السعودي.

الشعب الليبي.

الشعب الفلسطيني!

هذه الشعوب تعرضت للظلم والقهر والفقر والاضطهاد الديني والفكري وكبت الحريات وغياب العدالة الاجتماعية والحروب واعمال العنف والحصار الاقتصادي وعمليات التهجير وغيرها وكالآتي:

الشعب السوري منذ سنين يتعرض للارهاب الناصبي والاعتداءات الصهيونية والاعتداءات الامريكية.

الشعب اليمني منذ سنين يتعرض للارهاب السعودي والاماراتي والتحالف الدولي الغربي النصراني ويعاني من الظلم والقهر والفقر.

الشعب العراقي منذ عقود يتعرض للظلم الطاغوتي والحروب وللارهاب الناصبي والاعتداءات الامريكية والحصار الاقتصادي والاغتيالات بالمفخخات والطائرات المسيرة والإرهاب الجديد الجوكري وانتهاك السيادة.

الشعب الإيراني منذ عقود يتعرض للارهاب البعثي المدعوم من الغرب وحلفائهم من طغاة العرب ولاغتيال قاداته وتجويع شعبه.

الشعب البحريني منذ سنين يتعرض للقتل واعمال العنف والسجن والتهجير القسري من قبل الالة العسكرية السعودية والسلطة البحرينية ويتعرض شعبها الى الاضطهاد الديني والفكري وكبت الحريات!

الشعب الحجازي منذ قرن من الزمن يتعرض للاضطهاد الديني والفكري وكبت الحريات.

الشعب الليبي يتعرض للظلم والقهر والفقر والحروب والتهجير!

الشعب الفلسطيني قضيته اشهر من البابا نفسه فيما يعانيه من جور الكيان الصهيوني الغاصب.

وحيث اكد سماحة السيد على القضية الفلسطينية معلنا رفضه القاطع للتطبيع مع الكيان الصهيوني، والذي كما يبدو ان التطبيع من اهم أولويات زيارة البابا!

نلاحظ ان ما تعرضت له شعوب المنطقة من جور كان المسبب الأساسي له هم الجهات التالية:

القوى العظمى النصرانية (أمريكا واوربا)

حكومات الخليج الطاغوتية المدعومة من قوى القوى العظمى.

إرهاب القاعدة وداعش وغيرها والمدعومة من قبل القوى العظمى.

الكيان الصهيوني الغاصب لارض فلسطين الإسلامية والمدعوم من القوى العظمى.

واعقب البيان بالقول:

(وأشار سماحته الى الدور الذي ينبغي أن تقوم به الزعامات الدينية والروحية الكبيرة في الحد من هذه المآسي، وما هو المؤمل منها من حثّ الأطراف المعنيّة ـ ولا سيما في القوى العظمى ـ على تغليب جانب العقل والحكمة ونبذ لغة الحرب، وعدم التوسع في رعاية مصالحهم الذاتية على حساب حقوق الشعوب في العيش بحرية وكرامة)

هنا القى سماحة السيد السيستاني بالثقل الأكبر على عاتق البابا (الزعامات الدينية والروحية الكبيرة) مذكراً له بواجبه في الحد من هذه المآسي، وذلك لكون المسبب الرئيسي في هذه المآسي هم قوم البابا الذين يعتنقون الدين النصراني، هم أمريكا واوربا وكذلك الكيان الصهيوني المرعي من قبلهم (لا سيما القوى العظمى)

حيث ان المطلوب من القوى العظمى (الدول النصرانية) والكيان الصهيوني تغليب جانب العقل والحكمة ونبذ لغة الحرب (أي ان تلك القوى العظمى) تفتقر الى التعقل والحكمة وان لغتها هي لغة الحروب لا لغة السلام التي اتى البابا داعيا لها، لذا على البابا قبل ان يتحدث عن نبذ العنف والفساد وصمت السلاح في العراق بقوله يوم امس (كفى عنفاً وفساداً ولتصمت الأسلحة) عليه ان يحث الأطراف المعنية (القوى العظمى النصرانية) على نبذ العنف وصمت السلاح ومعهم الصهاينة الذين يسومون الشعب الفلسطيني سوء العذاب!

كما أشار سماحة السيد السيستاني الى البابا بحث (القوى العظمى النصرانية) والكيان الصهيوني على عدم التوسع في رعاية مصالحهم الذاتية (الاستعمارية) على حساب حقوق الشعوب في العيش بحرية وكرامة.

وبين سماحة السيد ما يلي:

(كما أكّد على أهمية تضافر الجهود لتثبيت قيم التآلف والتعايش السلمي والتضامن الانساني في كل المجتمعات، مبنياً على رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين أتباع مختلف الاديان والاتجاهات الفكرية)

أي ان التعايش السلمي هو مطلب جميع الشعوب والمجتمعات لا حسب ما ترتئيه القوى العظمى وحلفائهم، وينبغي ان يكون التضامن الإنساني شاملا لكل المجتمعات ومبنيا على رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين مختلف الأديان والاتجاهات الفكرية، لا هيمنة ديانات معينة مستندة الى القوة العسكرية او الاقتدار الاقتصادي والتقني كما تفعل اليوم (القوى العظمى النصرانية والكيان الصهيوني اليهودي)

كما نوه سماحة السيد السيستاني الى ما يلي:

(ونوّه سماحته بمكانة العراق وتاريخه المجيد وبمحامد شعبه الكريم بمختلف انتماءاته، وأبدى أمله بأن يتجاوز محنته الراهنة في وقت غير بعيد. وأكّد اهتمامه بأن يعيش المواطنون المسيحيون كسائر العراقيين في أمن وسلام وبكامل حقوقهم الدستورية، وأشار الى جانب من الدور الذي قامت به المرجعية الدينية في حمايتهم وسائر الذين نالهم الظلم والأذى في حوادث السنين الماضية، ولا سيما في المدة التي استولى فيها الارهابيون على مساحات شاسعة في عدة محافظات عراقية، ومارسوا فيها أعمالاً اجرامية يندى لها الجبين)

هنا يذكّر سماحة السيد السيستاني البابا بأن العراق بلد عريق وأشاد بمحامد شعبه، وابدى امله ان يتجاوز العراق محنته الراهنة في وقت قريب عطفاً على كف (القوى العظمى والكيان الصهيوني) أيديهم عن العراق والمنطقة والدور الذي من المفترض ان يلعبه البابا في هذا المجال، ويبقى ذلك مجرد امل لان سماحة السيد يعرف بان المقابل ليس جادا في دعواه!

وذكّر سماحته بالدور الذي لعبته المؤسسة الدينية الإسلامية الشيعية في النجف الاشرف من الدفاع عن الأقلية المسيحية، وحمايتهم من حوادث السنين الماضية التي كان سببها الإرهاب المدعوم من أمريكا واوربا والكيان الصهيوني، مشيرا سماحته بأن المؤسسة الدينية في العراق احرص على سلامة أبناء البلد من البابا وغيره وسواء كانوا مسلمين او مسيحيين او من ديانات أخرى بلا فرق.

وختم البيان بما يلي:

(وتمنى سماحته للحبر الاعظم وأتباع الكنيسة الكاثوليكية ولعامة البشرية الخير والسعادة، وشكره على تجشمه عناء السفر الى النجف الأشرف للقيام بهذه الزيارة)

تضمنت الخاتمة رسالة بليغة الى البابا بعد شكره على قدومه الى النجف الاشرف، بما لو انه قام بدوره الدعوي في كبح جماح قومه الامريكان والاوربيين وكذلك من يدعمونهم من الصهاينة وطغاة العرب لما احتاج الى ان يتجشم عناء السفر الى النجف الاشرف داعيا الى السلام!

وبعد ذلك كله فإن في بيان سماحة السيد السيستاني إشارة بليغة أخرى الى الدور المستقبلي الذي يقع على عاتق البابا في توجيه الدول العظمى المعادية للمنطقة وللبلاد الإسلامية وللعراق على وجه الخصوص، لاجل تغيير طبيعة توجهاتهم التوسعية الطاغوتية سيما وان قيادة الولايات المتحدة أصبحت بيد الكاثوليكي بايدن، مما يعني انه قد اصبح للبابا يد طولى في تقرير مصير بلدان المنطقة!

نلاحظ ان حديث سماحة السيد السيستاني كان منصباً على تعريف وملامة وحث البابا على القيام بدوره العملي تجاه الإنسانية لا مجرد اطلاق العبارات، لأن الحديث بلا تطبيق وبلورة على ارض الواقع لا قيمة له، وان أس الشر والفساد والعنف في العالم انما هو صادر من قوم البابا انفسهم، فرحم الله امرؤ قوّم نفسه وقومه قبل ان يدعو الى تقويم الآخرين.

هكذا كان خطاب العقيدة الإسلامية الإنسانية الحقة، خطاب المقتدر الحكيم الذي لا تاخذه في الله لومة لائم، حيث لم يجامل او يتساهل او يقصر في أداء دوره العقائدي والإنساني والقيمي والأخلاقي والتأريخي، في فرصة تاريخية اتيحت لسماحته ليضع النقاط على الحروف، فليرى العالم شأن شيعة امير المؤمنين عليه السلام على لسان اسدهم الساكن في زقاق من ازقة النجف الاشرف، فماذا لو ان امامهم المغيب قد ظهر، حينها سيكون للفعل دوره الفصل في ازالة الظلم والجور وإقامة القسط والعدل في ارجاء المعمورة. منقووول

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى