أحدث الأخبارالثقافة

قراءة موجزة في كتاب ( أشرطة تسجيل صدام )

مجلة تحليلات العصر الدولية - علي مارد الاسدي

اِستولت قوات التحالف التي أسقطت نظام الدكتاتور صدام في نيسان عام ٢٠٠٣ على كنز وثائقي مهم جداً ، يتكون من آلاف أشرطة التسجيلات الصوتية والفديوية التي تكشف ما كان يدور في كواليس إجتماعات الطاغية مع ما يسمى بمجلس قيادة الثورة ومع كبار مسؤوليه وضباط جيشه، للفترة من ١٩٧٨ والى عام ٢٠٠١ ، حيث قام معهد التحليلات الدفاعية في وزارة الدفاع الأمريكية بإعداد نسخة منها باللغة الإنجليزية لمكتب نائب وزير الدفاع الأمريكي لشؤون السياسة، وقد أخضعت هذه النسخة قبل اتاحتها للجمهور الى عمليات مراجعة وتنقيح هدفها إخفاء المعلومات والتفاصيل التي قد تلحق الضرر بالأفراد من غير المسؤولين الكبار في نظام صدام، أو يتسبب كشفها في إحراج جهات ودول حليفة للولايات المتحدة الأمريكية.
ومن أبرز الاحداث التي تم القفز عليها وتجاهلها تماماً في الشريط السردي المحرر لإجتماعات صدام السرية :
١. قرار تصفية الاحزاب الشيعية، وتهجير المكون الشيعي الفيلي لإيران، واعدام السيد محمد باقر الصدر وحملة القمع التي طالت أتباعه.
٢. كل ما يتعلق بدول الخليج التي ساعدت ومولت نظام صدام أثناء حربه العبثية مع إيران.
٣. العلاقة السرية التي ربطت صدام بقادة الحزبين الكرديين في شمال العراق، وبعض المعارضين العراقيين في الخارج، والأحداث التي رافقت دخول قوات الجيش العراقي لاربيل عام ١٩٩٦
٤. خلفيات ما يسمى بالحملة الايمانية التي أطلقها صدام، وأسرار عمليات اغتيال بعض رجال الدين الشيعة في نهاية التسعينات من القرن المنصرم.
٥. لم يكشف الا النزر اليسير جدا من ملف الاجتماعات السرية للمجرم صدام حول الانتفاضة الشيعية في الجنوب والوسط في آذار عام ١٩٩١ والكردية في الشمال في نفس التأريخ.
لكن رغم هذه الملاحظات وغيرها، فقد وفرت المعلومات السرية المفرج عنها من خلف جدار التعتيم الحديدي لنظام البعث، مقاربة أكثر دقة ومصداقية لسايكولوجيا وعقلية دكتاتور دموي مهووس بالمؤامرة، حكم العراق بالحديد والنار ، كما أبرزت الوثائق بوضوح مدى الاهمال والتقصير الحكومي العراقي المتواصل وربما المقصود منذ عام ٢٠٠٣ في متابعة وإستعادة ومعالجة أرشيف النظام السابق، الذي ينبغي أن يكون متوفراً ومتاحاً للرأي العام بما يخدم مسارات بناء الديمقراطية وتحقيق العدالة والشفافية والحق في حرية الوصول للمعلومات.
وفي مراجعة سريعة لبعض ما كشف عنه كتاب ( أشرطة تسجيل صدام ) الذي حرره كيفن أم.وودز و ديفيد دي.بالكاي و مارك إي. ستاوت . الصادر عن منشورات الجمل، ترجمة السيد علي عبد الأمير صالح، نتوقف ملياً أمام هذه الوحشية التي لا مثيل لها في العصر الحديث:
* يبدو أن كراهية صدام لعرب الخليج قديمة ومتجذرة في نفسيته، حيث ترك لنا في إجتماع مسجل يعود لتشرين الثاني من عام ١٩٧٩ هذه القطعة الأدبية لفن الحقد والكراهية المسجلة بصوته، والتي تفتقر لأسباب ومبررات واضحة :
( العرب في الخليج، عرب الخليج، إنهم لا يتغيرون. ليكن الله في عوننا، إنهم عرب الانحلال، عرب العار ، عرب قيمهم تناقض جميع القيم المعروفة في السماء والارض، نحن أول من عرف انحلالهم، خميني لن يعطيهم فرصة للبقاء على قيد الحياة. إن ذبحهم سيكون نعمة قربانية، عملا عظيماً ، سيثبت ذبحهم أنه نافع، هذا بسبب الفساد والانحلال، كل الانحلال في الأرض وبوسعكم جميعا أن تتخيلوه، إنه موجود في دول الخليج العربي)!!!
* بدأ نظام صدام استخدام الأسلحة الكيماوية في حربه العبثية ضد إيران منذ عام ١٩٨٣ ولغاية نهاية الحرب في عام ١٩٨٨ . وقد كشفت التسجيلات أن صدام قد أتفق مع كبار مستشاريه العسكريين في آذار ١٩٨٧ على الاستعداد لتوجيه ضربات شاملة بالأسلحة الكيماوية على مدينة قم المقدسة لقتل جميع ما فيها من كائنات حية!
* ‏كشف صدام عن نيته ضرب السعودية، وتحديداً مدينتي الرياض وجدة، بالاسلحة الجرثومية في إجتماع مسجل عقده مع عدد من المسؤولين قبيل أيام من بدء حرب عاصفة الصحراء عام ١٩٩١ وكان قلقاً من أمكانية الجيش الامريكي في أعتراض الطائرات والصواريخ التي تحمل الذخائر البيولوجية المعدة لابادة الشعب السعودي!!
* ‏في تسجيل صوتي لاجتماع ما يسمى بمجلس قيادة الثورة ،بعد غزو الكويت، تحديداً في تأريخ ٧ آب ١٩٩٠
وقبل يوم واحد من إعلان ضم الكويت للعراق في (وحدة إندماجية)..
صدام أو “عبد الله المؤمن” يأمر بنشر مخدرات الهرويين بين أبناء الشعب الكويتي لتدمير شبابهم ودفعهم للموت والانتحار !!
* بمنهجية مريضة لازمته منذ أن كان نائباً، ظل عقل الطاغية محكوماً بالمؤامرة، يستشعر الخطر من كل شيء . إذ يقول صدام في إجتماع ٢١ كانون الثاني ١٩٨٨ ( أشعر دوما بالشك من الجميع، حتى أولئك الذين يقولون انهم اصدقاؤنا)!
وكان يشتم ويرمي الحكام العرب في اجتماعاته الخاصة بأقذع الالفاظ، لم يسلم من لسانه حتى المتحالفين معه، فهم في نظره عملاء ، جبناء ، خونة، وحتى فروخ….!!
* تكشف بعض التسجيلات التي أُفرج عنها أن صدام كان يتحدث أحيانآ ،في نوبات الغضب والاهتياج التي تنتابه،بجانب من نواياه وخططه لاغتيال بعض القادة العرب، بينهم الرئيس المصري حسني مبارك والملك السعودي فهد بن عبد العزيز وأمير الكويت جابر الصباح، أمام من يشغلون المناصب السياسية فيما يسمى بمجلس قيادة الثورة.
حتى أنه في إجتماع عقد يوم ٩ آب ١٩٧٨ ناقش مع رفاقه في الحزب إمكانية أغتيال ياسر عرفات بسبب بعض الخلافات في الموقف السياسي!!
وقد كشفت لنا مداخلات المتحدثين معه أنه كان يستخدم في مهماته القذرة داخل وخارج العراق ، كل من المخابرات والاستخبارات وأجهزة الامن العراقية، والمنظمات الفلسطينية والمعارضة الإيرانية (مجاهدي خلق).
* قبيل غزو الكويت زود صدام النظام الحاكم في السودان آنذاك، الذي كانت لديه مشاكل سياسية مع مصر، بعدد غير معروف من صواريخ سكود ،حيث تم نشرها وتوجيهها لضرب سد أسوان والاهرامات اذا لزم الأمر!!
هذا الموضوع ناقشه صدام مع كبار مسؤوليه في اجتماع ٣٠ ايلول ١٩٩٠.
* في ١٩ نيسان عام ١٩٩٠ ألتقى صدام بياسر عرفات وبعض أعضاء الوفد المرافق له ، حيث ناقش معهم القيام بعمليات إرهابية داخل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأخرى التي تضم قواعد عسكرية أمريكية، واستعرض فكرة القيام بعملية انتحارية تستهدف الرئيس الأمريكي جورج بوش!
* في تأريخ ٧ آب ١٩٩٠ وبعد إجتماع مطول لمجلس قيادة الثورة، تم فيه التصويت بالإجماع على “الوحدة” مع الكويت، وبخ صدام كبار مساعديه وضباطه المعنيين بالملف الكويتي، بعد ان تناهى له أن هناك أصوات حرة داخل الكويت تعارض سياسة فرض الامر الواقع، بل أن البعض قام بكتابة شعارات مناهضة وتمزيق صور صدام ، الأمر الذي أستفز الطاغية فقال ما نصه :
( اذا سمعت أنكم لم تقطعوا لسان اي شخص يتكلم بريبة سأبدلكم جميعاً ، قولوا لهم انكم عراقيون الان، وإذا فتح اي فرد فمه أو أثار ضجة، عليكم أن تفرغوا الرصاص في حنجرته)!!
فيما يجيب سبعاوي (الأخ غير الشقيق للطاغية) في إجتماع ايلول ١٩٩٠ الذي أمر فيه صدام بنهب الكويت، بكلام مقزز هذا نصه :
( ذبحنا ٢٨ شخصاً في مركز واحد من مراكز القيادة، بعد ان أنهينا استجوابهم، تعاملنا معهم بقسوة بالغة، حقيقةً بقسوة بالغة، ومن ثم قتلناهم ودفناهم، أخذناهم إلى امكنة سكناهم، أخرجنا النساء ، قتلناهن، وبعدها دفنا منازلهم)!!
ثم يضيف قائلا ( سيدي.. في الواقع لم نفعل ذلك لأننا قتلة ومجرمين نحب القتل، غير ان هذا هو الاسلوب الامثل للتعامل معهم، هناك اختلاف هائل بين أخلاقنا واخلاقهم، لهذا السبب تعاملنا معهم بلا رحمة)!!!
*وصف صدام في اجتماعاته الخاصة انتفاضة الشيعة في آذار عام ١٩٩١ بأنها انتفاضة (الشروك) ، وهي تسمية مختلف على أصلها، لكنها صارت في العراق تستخدم للتحقير والازدراء والتمييز الطائفي والعنصري.
وقد وثق الطاغية اجتماعه المهين ببعض شيوخ عشائر مدينة الثورة في بغداد نهاية عام ١٩٩١ ، اذ نفس في هذا الاجتماع القسري عن مقته وكراهيته لابناء المدينة التي تمردت عليه عدة مرات، فقام بعملية خلط أوراق غريبة عندما وصف الذين ثاروا ضده بالغوغاء وفي نفس الوقت بالمخنثين الذين يتشبهون بالنساء ولا يستحقون الحياة!!
حيث وجه صدام كلامه لشيوخ العشائر :
( عار عليكم أن تسمحوا لهم بالعيش، عليكم أن تذبحوهم بأيديكم…)
فأجابه أحدهم: نحن نخاف من…
فقال صدام : ( انني اتولى المسؤولية كاملة عن هذا)!
فقال أحد الحاضرين:
نحن نخشى أن يكون هذا العمل جريمة.
فرد عليه صدام: ( إنني أضطلع بالمسؤولية كاملة عن هذا العمل وهو ليس جريمة)!!
* تضمن الفصل الاخير من الكتاب ، تفاصيل بعض اجتماعات صدام مع مجموعة من أعضاء مجلس قيادة الثورة وبعض المقربين منه لمناقشة تداعيات هروب حسين كامل إلى الاردن،
الاتجاه السائد في البداية بين الحاضرين كان تبريرياً ، يحيل هروبه إلى مشاكل صحية ونفسية قيل أنه يعاني منها، ثم في الاجتماعات اللاحقة بدأت تتغير النبرة وتحولت القضية إلى خيانة ومؤامرة حاكها حسين كامل مع الاردن والولايات المتحدة، تستهدف قلب نظام الحكم في العراق.
الجديد الذي كشفته التسجيلات الموثقة حول هذا الموضوع هو وصول رسالة استرحام واستعطاف خطية من حسين كامل إلى (عمه) صدام ، يعلن فيها نيته العودة للعراق ، ويطلب لقاء صدام على انفراد لكشف سبب هروبه إلى الاردن.
ناقش الطاغية والمقربين منه فحوى الرسالة، واتفقوا على استدراجه ،وتوافقوا ضمناً على التخلص منه وطوي قصته للأبد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى