أحدث الأخبارالبحرينالخليج الفارسيةلبنانمحور المقاومة

قرار إبعاد أعضاء جمعية الوفاق البحرينية من لبنان في القانون والسياسة

مجلة تحليلات العصر الدولية - أحلام بيضون

إن القرار الذي اتخذه وزير الداخلية اللبناني، والقاضي بإبعاد أعضاء جمعية الوفاق البحرانية من لبنان يثير مسائل قانونية عدّة، ويستقر في قاع سياسي.
لمناقشة هذا الموضوع سنستعرضه في الوقائع، في القانون، وفي السياسة.

في الوقائع:
عقدت “جمعية الوفاق الوطني” البحرينية المعارضة، مؤتمرا صحفيا في العاصمة اللبنانية، بيروت، في 11/12/2021، اتهمت فيه النظام في مملكة البحرين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان تتضمن التدقيق الأمني على مواطنين مخالفين في المعتقد، لمنعهم من الترشح في الانتخابات المحلية والمؤسسات المختلفة واعتقال الآلاف “بشكل تعسفي”، وتعذيب المعتقلين وإصدار أحكام مسيّسة.

أعربت وزارة الخارجية البحرينية عن “بالغ أسفها واستنكارها من استضافة العاصمة اللبنانية بيروت مؤتمرا صحفيا لعناصر معادية ومصنفة بدعم ورعاية الإرهاب، لغرض بث وترويج مزاعم وادعاءات مسيئة ومغرضة ضد مملكة البحرين”.
وأعلنت أنه “تم تقديم احتجاج شديد اللهجة إلى الحكومة اللبنانية بشأن هذه الاستضافة غير المقبولة إطلاقا، والتي تعد انتهاكا صارخا لمبادئ احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، بما يخالف المواثيق الدولية، وميثاق جامعة الدول العربية”.

في 15/12/2021، أصدر وزير الداخلية اللبناني، بيانا موجها إلى المديرية العامة للأمن العام، يطلب فيه ـ”اتخاذ كل الإجراءات والتدابير الآيلة إلى ترحيل أعضاء جمعية الوفاق البحرينية، من غير اللبنانيين إلى خارج لبنان، وذلك نظرا لما سببه انعقاد المؤتمر الصحافي، الذي عقدته الجمعية المذكورة في بيروت بتاريخ 11/12/2021، من إساءة إلى علاقة لبنان بمملكة البحرين الشقيقة، ومن ضرر بمصالح الدولة اللبنانية”.
وقال وزير الداخلية غسان مولوي، الذي تلقى اتصالا هاتفيا، في 15/12/2021، من وزير الداخلية البحريني، الفريق أول ركن راشد بن عبدالله آل خليفة: “تداولنا بالملفات الأمنية المشتركة خصوصا ما يتعلق بالمؤتمر الصحافي الذي عقد في بيروت، السبت الفائت، من قبل جمعية الوفاق البحرينية.” وأنه أكد خلال الاتصال “حرصه على ضمان أمن مملكة البحرين واستقرارها، ورفضه القاطع لأن يكون لبنان منصة لبث الكراهية أو العداء باتجاه أي دولة عربية ولاسيما دول مجلس التعاون الخليجي”. ووجّه بمنع الفنادق وقاعات المؤتمرات من عقد أي نشاط ذو طابع سياسي قبل الاستحصال على الموافقة القانونية والإدارية اللازمة”. وأضاف: “عرضت الخطوات التي قامت وتقوم بها الوزارة عبر الأجهزة الأمنية التابعة لها لناحية جمع المعلومات عن الأشخاص المنضوين ضمن مؤسسات أو جمعيات مناهضة” (المصدر: “الوكالة الوطنية للإعلام” + وكالات).

في القانون:
سنبدأ بالكلام عن الوضعية القانونية لجمعية الوفاق البحرينية أو أعضائها في لبنان. فجمعية الوفاق، هي حركة سياسية بحرينية معارضة، كان لها أعضاء في البرلمان البحريني، وهي تطالب بإجراء إصلاحات على نظام الحكم، خاصة لناحية التطبيق، حيث يتم جمع السلطات فعليا في يد الملك. وقد شكلت رأس حربة للمعارضة البحرينية، التي اتخذت شكلا واضحا مع بداية التحركات الشعبية العربية، المطالبة بالإصلاح، أو المسماة “الربيع العربي”، والتي تمّ استغلالها، ومحاربتها لصالح الأنظمة القائمة في أغلب البلدان. تعرّض أعضاء “جمعية الوفاق” للاضطهاد والعنف، خاصة بعد أن تدخلت المملكة العربية السعودية، وتمّ قمع المظاهرات بوحشية، والزجّ بالمعارضين في السجون، وطرد بعضهم من البلاد، بعد أن جرّد معظمهم من الجنسية.
لبنان بلد معروف تاريخيا، بأنه ملجئ للمعارضين السياسيين من البلاد العربية، حيث يتمتعون بحسن الضيافة وحرية التعبير عن الرأي. وهكذا فقد قصد قسم من أعضاء “جمعية الوفاق” لبنان، بينما قصد قسم آخر العاصمة البريطانية بشكل خاص، حيث يتظاهرون، بحرية، وحيث أقاموا تلفزيون خاص بهم هو تلفزيون اللؤلؤة، نسبة إلى نصب اللؤلؤة، في ساحة الثورة، والذي أقدمت السلطة البحرينية على إزالته، لأنه أصبح شعارا لثورة البحرين وساحتها.

أعضاء “جمعية الوفاق”، وغيرهم من معارضين بحرينين، يقيمون في لبنان بشكل قانوني، وبعضهم استقر وتزوج من لبنانيات، ولا يتدخلون بالشؤون الداخلية اللبنانية، أو يشكلون أي تهديد للأمن اللبناني. كما أنهم يتمتعون، بموجب القانون اللبناني بحرية المعتقد، والتنقل، والتعبير عن الرأي، والبحث عن فرص عمل ضمن حدود القانون، إسوة باللبنانيين.
مضى على تواجد البحرينيين المعارضين في لبنان ما يقرب من عشر سنوات، وهم يقيمون المؤتمرات، والندوات، وينشطون إعلاميا، لنقل صورة حقيقية عن معاناة الشعب البحريني، وتوضيح مطالبهم الإصلاحية، وفضح حقيقة الانتهاكات لحقوق الإنسان التي يتعرض لها السجناء، والتضييق على المواطنين، ومنعهم من التعبير عن رأيهم، واعتماد خطوات تميزية ضد قسم كبير من السكان، بسبب انتمائهم، إلى طائفة غير طائفة السلطة الحاكمة (أنظر تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان، للعام 2021، فيما خصّ البحرين، والتقارير الدولية بهذا الشأن.)(1)

بناء على ما تقدم، فإن قرار وزير الداخلية اللبناني، يكون في غير محله، وبالتالي هو:
-أولا، مخالف للقانون الدولي، خاصة للاتفاقية الدولية للعام 1951، وبروتوكولها لعام 1967، والمتعلّقة باللجوء السياسي، والتي تضم 149 عضوا من بين الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة. لبنان من ضمن دول في منطقة الشرق الأوسط التي لم توقع على الاتفاقية، رغم أنه شارك في صياغتها. لكن ذلك لا يعني أن الدول غير الموقعة على الاتفاقية غير ملزمة بتنفيذها، ذلك أن الدول بمجرد أنها أعضاء في الأمم المتحدة، وملتزمة ميثاقها، فهي ملتزمة بالاتفاقيات الدولية، خاصة تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، من ضمنها اتفاقية اللاجئين السياسيين. غير أن هناك أمور أبعد من هذا المبدأ، فالدول غير الموقعة على الاتفاقية هي فعليا منخرطة في تطبيقها، لضرورات الواقع الدولي، والاعتبارات الإنسانية، وهي تشترك في تطوير قانون اللاجئين، وتستضيف على أرضها المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين، وتلتزم باتفاقيات ومذكرات تفاهم معها، وهذا هو حال لبنان. مهمة المفوضية تقرير صفة اللاجئ، هل هو لاجئ سياسي، أم اقتصادي، وتوفير الحماية له، والحماية هنا حماية دولية، يستفيد منها كل لاجئ تنطبق عليه الصفة قانونيا. وعادة تذكر في مذكرات التفاهم بين الدول المضيفة سواء كانت موقعة على اتفاقية عام 1951 أو بروتوكولها أم لا، والمفوضية، شروط التعاون، ويعاد ذكر المبادئ الأساسية لحماية اللاجئين، حتى لو اختلفت الصياغة بين بلد وآخر. إن مذكرات التفاهم بين الدول غير الموقعة على الاتفاقية والمفوضية، تشكّل ربطا للدول غير الموقعة بالاتفاقية، وتلزمها ببنودها، حتى تلك الدول التي تتشدد في موقفها، مثل لبنان تحديدا، حيث، تمّت المفاوضة بين المفوضية والمديرية العامة للأمن العام، في العام 2003، وتمّ التركيز على وجهة نظر ترى في اللاجئين تهديدا للأمن اللبناني. ولعل وراء هذا الموقف أسبابا واقعية وسياسية، حيث أن التفاهم، حصل مع موجة النزوح السوري إلى لبنان بمئات الآلاف. ويجب التذكير هنا، إلى أن ذلك النزوح كان لأسباب أمنية عامة، وأسباب اقتصادية، وليس هو تحديدا لجوءً سياسيا لأشخاص معينين، هُددوا مباشرة، كما هي الحال بالنسبة لّلاجئين السياسيين البحرينيين.
ولا بد من لفت الانتباه أيضا، بخصوص الالتزام بقانون اللاجئين، إلى أن المحاكم المحلية، حتى في الدول غير الأطراف في اتفاقية 1951، تطبق نصّ الاتفاقية، حين تعرض عليها حالة لجوء، أو لاجئ، وهذا ما فعلته المحكمة العليا في بنغلادش، وكذلك محكمة هونغ كونغ، وقضت هذه الأخيرة بمسؤولية حكومة هونغ كونغ في تحقيق الحماية من الإعادة القسرية لّلاجئين، بالاستناد إلى المادة 33 من الاتفاقية.
ولعل آخر الأسباب التي تلزم الدول التي ليست طرفا في اتفاقية 1951، أو بروتوكولها، هو المنتديات العالمية للجنة التنفيذية لحماية اللاجئين (لعام 1958، والمؤلفة من 107 أعضاء)، والتي تشارك فيها وتوقع عليها الدول، سواء كانت طرفا أو غير طرف، حيث أن الخلاصات التي يتم التوصل إليها، وتؤخذ بالإجماع في جلسة عامة، وإن لم تكن مُلزِمةٍ رسمياً، فهي مع ذلك، تكون ذات صلة وثيقة في تعبيرها عن إجماعٍ دولي حول المسائل القانونية المتعلّقة باللاجئين.

وإضافةً إلى عمل الدول غير الموقِّعة في اللجنة التنفيذية لمفوضيَّة اللاجئين، تُشارِكُ في غير ذلك من اجتماعاتٍ ومنتدياتٍ رفيعة. وبمناسبة الذكرى الستين للاتفاقية، سنة 2011، أُخِذَ ببيانٍ وزاري قالَ فيه ممثِّلو الدول الموقِّعة وغير الموقِّعة بالسَّواء، مؤكِّدين:
«… إنّ اتفاقية اللاجئين لعام 1951 المتعلقة بصفة اللاجئين وبروتوكولها لعام 1967 هما أساس نظام حماية اللاجئين الدولي، ولهما قيمة وأهمية دائمتان في القرن الحادي والعشرين. فإنّا ندرك أهمية احترام ودعم المبادئ والقيم التي هي أساس هذه الصكوك، ومنها المبدأ الأساسي لعدم الإعادة القسرية، والنظر عند الضرورة في الانضمام إلى هذه الصكوك أو إسقاط التحفظات أو كلا الأمرين».
وقد شاركت الدول غير الموقِّعة أيضا، في المفاوضات التي أدت إلى اعتماد “إعلانِ نيويورك” في شأن اللاجئين والمهاجرين سنة 2016، والاتِّفاق العالميّ في شأن اللاجئين في كانون الأول/ديسمبر 2018، وشاركت أيضاً في المنتدى العالمي الأول للّاجئين في أواخر سنة 2019، حيثُ توّعدت الدول بأن تعمَلَ بالاتِّفاق العالميّ في شأن اللّاجئين.
ولعلَّ أحقّ هذه الأعمال بالذكر، “الاتِّفاق العالمي في شأن اللاجئين”، الذي أخذت به 181 دولةً عضواً، كثيرٌ منها دولٌ غير موقِّعة. ويتخذ “الاتِّفاق العالمي في شأن اللاجئين” من اتفاقيّة اللاجئين لعام 1951، مُنطَلَقاً له، وهو يؤكِّد على المبادئ الأساسية من الاتِّفاقيّة، حتى أنه في كثير من الجوانب، يتخطّى الالتزامات القانونية المنصوص عليها في تلك الاتفاقية. وأيضاً يُقِرُّ أحد أقسام “الاتِّفاق العالمي في شأن اللاجئين” صراحةً بإسهام الدول غير الموقِّعة، ويدعو هذه الدولَ إلى النظر في الدخول في اتفاقيّة اللاجئين.

إن ما تظهره الوقائع التي أتينا على ذكرها، هو أنه لم يعد تصنيف الدول بين موقعة أو غير موقعة على اتفاقية اللجوء للعام 1951أو بروتوكولها لعام 1967، أمرا ذو أهمية، ما دامت الدول لا تجد بدا من تطبيقها والتزام بها، لأنها تشكّل النص القانوني الدولي الذي يتناول موضوع اللاجئين، وهي الأكثر اعتمادا دوليا. في وقتنا الحالي، مع موجات اللاجئين الضخمة بسبب الحروب، والنزاعات الداخلية، والضائقة الاقتصادية، لم يعد من الممكن أن تتخذ أي دولة موقفا سلبيا من تطبيق اتفاقية العام 1951، والالتزام بنصها وروحها، لتضمنها مبادئ أساسية من حقوق الإنسان، خاصة حقه في الحياة الكريمة والحماية.(2)

-النقطة القانونية الثانية تتعلق بمستوى الحماية التي يوفرها الدستور اللبناني، والنصوص القانونية الأخرى التي تصون حقوق الإنسان، وتحفظ حقه في التعبير، سواء كان مواطنا لبنانيا، أو أجنبيا، شرط ألاّ يشكل قوله أو تصرفه، تدخلا في الشأن الداخلي اللبناني، أو يشكل تهديدا للأن العام.
بالعودة إلى المؤتمر الصحفي الذي عقده أعضاء من جمعية الوفاق البحرينية، فقد اقتصر على توصيف حالة حقوق الإنسان في البحرين، ولم يتجاوز الواقع، حيث أن ما ورد في المؤتمر الصحفي هو أقلّ بكثير من الواقع الذي يعاني منه أغلبية المواطنين البحرينيين، ولم يخرج عمّا ورد في تقارير المنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان، خاصة تقرير هيومن رايتس ووتش لعام 2021 (3).
إن ما قيل في المؤتمر لم يتطرق من قريب أو بعيد للشؤون اللبنانية، ولا يمكن تصنيفه بكونه عملا يهدد الأمن العام اللبناني، فهو توصيف لحالة يشكو منها مواطنون مطرودون من ديارهم، ومهددون بحياتهم لأسباب سياسية.
بناء على ما تقدم، فإن قرار وزير الداخلية اللبناني، وموقف رئيس الحكومة، يعتبران مخالفان لنص وروح القوانين التي ترعى حقوق الإنسان، وخاصة اللاجئ السياسي، والموصّف كذلك من قبل المفوضية العامة للّاجئين.
في الحصّلة، ووفقا للقانون، لا يمكن للدولة المستقبلة، وهي هنا لبنان، أن تلجأ إلى الإبعاد القسري، للاجئ سياسي، وهي تعرف أن حياته مهددة في بلده الأصلي. أما إبعاده إلى بلد ثالث، فيجب أن يكون قائما على أسباب جوهرية، وأن ترغب الدولة الثالثة في استقباله، وأن تلتزم بتوفير الأمن له. باختصار، لا يمكن إبعاد اللاجئ السياسي إلى بلد لا يكون آمنا فيه، سواء كان موطنه الأصلي، أو أي بلد آخر، والحكومة المضيفة، عليها واجب حمايته.

في السياسة:
بعد كل ما تقدم ذكره لا يمكن أن نصنّف قرار وزير الداخلية اللبناني، وموقف رئيس الوزراء اللبناني، إلا بالخروج عن الإطار القانوني، واتخاذ موقفا سياسيا، متحيّزا لنظام دولة البحرين، وقد جاء كاستجابة لطلب مملكة البحرين على لسان وزير داخليتها، باتخاذ إجراءات ضد المواطنين البحرينيين المبعدين، أو المضطرين إلى الخروج من بلادهم قسرا أيضا، بسبب الاضطهاد، والممارسات غير الإنسانية ضدهم.

إن لبنان الذي عرف منذ قيامه، بأنه البلد الملجأ لكل المضطهدين، خاصة من البلاد العربية، والذي كان واحة لحرية الرأي والتعبير، ومنبرا للدفاع عن حقوق الإنسان، يتحول في الفترة الأخيرة، إلى بلد قامع للحريات، فاقد تماما لاستقلاليته، فتاره، يجبر وزيرا لبنانيا على الاستقالة لأنه عبّر عن رأيه حول حرب “عبثية”، بل مجرمة بحق شعب لم يعتد على أحد؛ وتارة، يُدفع كي يطردَ أشخاصا اضطهدتهم حكومتهم، بسبب معارضتهم لأساليب الحكم والتمييز، ومطالبتهم بالإصلاح، حيث مارست على أقرانهم ممن بقوا في البلاد أقسى أنواع الانتهاكات لحقوق الإنسان، من سجن وتعذيب، وتنفيذ لعقوبة الإعدام، بسبب مشاركة بمظاهرة، أو نشر لرأي على وسائل التواصل الاجتماعي.

الخلاصة:
قرار وزير الداخلية اللبناني القاضي بإبعاد منظمة الوفاق البحرينية من لبنان، هو مخالف للقانون، سواء كان القانون الدولي، أو القانون اللبناني، وخاصة لمبادئ حقوق الإنسان، ولا يجوز تنفيذه. أما سياسيا، فهو يسيء جدا لصورة لبنان، المعروفة عنه كموئل لحرية الرأي، وملجئ أخير للمضطهدين، حتى أن الشعب اللبناني بالذات، هو عبارة عن أقليات، عانت من الاضطهاد في مواطنها الأصلية، ولجأت إلى جباله للحماية.
أحلام بيضون
18/8/2021
………………………………..
(1) منذ العام 2011، والشعب البحريني بأغلبيته المعارضة، يتعرض لشتّى أنواع القمع والاضطهاد، ففي بلد لا يتعدى عدد سكانه 660 ألف نسمة، بأغلبية شيعية، تمّ نزع الجنسية من 990 شخصا بسبب نشاطهم المعارض للحكومة، ومؤخرا أصدر الملك حمد بن عيسى آل خليفة قرارا بتثبيت جنسية 551 مسجوناً صدرت بشأنهم أحكام بإسقاط الجنسية. ويثير قانون إسقاط الجنسية البحريني الكثير من الجدل، حيث يستغل لمعاقبة المعارضة، تحت شعار محاربة الإرهاب. لطالما أبدت المعارضة الشيعية في البحرين وغيرها من منظمات حقوق الإنسان المحلية أو الدولية اعتراضها على هذا القانون المثير للجدل.
فمنذ يونيو/حزيران 2016، تدهور الوضع في البحرين بشكل سريع ليتحول إلى أزمة شاملة لحقوق الإنسان. فقد صعَّدت السلطات بشكل كبير من حملتها القمعية على حرية التعبير، حيث تعرض ما يزيد عن 160 من المنتقدين السلميين للقبض أو المحاكمة أو السجن، بالإضافة إلى أشكال أخرى من المضايقات. وكان المدافعون عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيون والمحامون والصحفيون ورجال الدين الشيعة ممن استُهدفوا على وجه الخصوص. وتشير أنباء موثوقة إلى أن بعضهم تعرضوا أثناء احتجازهم للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة على أيدي قوات الأمن. كما استهدفت السلطات نشطاء بحرينيين يقيمون خارج البلاد، فأخضعت أفراداً من عائلاتهم للتحقيق والمحاكمة على سبيل الانتقام بسبب أنشطة أقاربهم في مجال حقوق الإنسان أو مشاركتهم في احتجاجات في الخارج.
وفي تقريرها السنوي للعام 2021، قالت “هيومن رايتس ووتش” إن السلطات البحرينية صعَّدت في 2020 من قمعها للأنشطة على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وحاكمت المنتقِدين بسبب التعبير السلمي، وأيّدت المحاكم أحكام إعدام بحق نشطاء المعارضة بعد محاكمات جائرة.
أيّدت محكمة التمييز، وهي محكمة الملاذ الأخير في البحرين، عقوبة الإعدام بحق أربعة أشخاص على الأقل شاركوا في أنشطة المعارضة بعد محاكمات شابتها مزاعم التعذيب وانتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة. يوجد في البلاد 27 شخصا على الأقل ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام، من بينهم 26 يواجهون خطر الإعدام الوشيك، وفقا لـ”معهد البحرين للحقوق والديموقراطية.” أعدمت الحكومة ستة أشخاص منذ إنهاء وقف تنفيذ أحكام الإعدام في 2017.
قال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “تستخدم السلطات البحرينية العديد من أدوات القمع المتاحة لها لإسكات ومعاقبة أي شخص ينتقد الحكومة. صعّدت البحرين من استخدامها لعقوبة الإعدام، واستهدفت الأشخاص لنشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وحرمت شخصيات معارضة بارزة من العلاج الطبي أثناء الاحتجاز”.
أفرجت السلطات عن الحقوقي البارز نبيل رجب من السجن في 9 يونيو/حزيران ليقضي بقية عقوبته بسبب انتقاده المسؤولين وسياسات الحكومة والبالغة خمس سنوات بموجب قانون العقوبات البديلة. لكن لا يمكن لرجب السفر أو التحدث عن الانتهاكات الحقوقية.
حاكمت البحرين عدة شخصيات عامة فقط بسبب منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي، بمن فيهم المحاميان البارزان عبد الله الشملاوي وعبد الله هاشم. في مايو/أيار 2019، أعلنت وزارة الداخلية أنها ستقاضي الأشخاص الذين يُتابعون “حسابات تحريضية” أو يشاركون منشوراتهم على تويتر. لم يُسمح للإعلام المستقل بالعمل في البحرين منذ أوقفت وزارة شؤون الإعلام “صحيفة الوسط”، الصحيفة المستقلة الوحيدة في البلاد في 2017.
لا تزال الظروف غير الآمنة على صعيد الصحة والنظافة في سجون البحرين المكتظة خطيرة للغاية. رغم إفراج البحرين عن 1,486 سجينا في مارس/آذار بسبب تفشي فيروس “كورونا”، إلا أن الإفراج استثنى قادة المعارضة، والنشطاء، والصحفيين، والمدافعين الحقوقيين – رغم أن الكثير منهم أكبر من كبار السن و/أو لديهم حالات مرضية مزمنة.
تحرم السلطات السجناء البحرينيين من الرعاية الطبية الكافية. من بينهم بعض المعارضين البارزين الـ 13 الذين يقضون فترات سجن طويلة منذ اعتقالهم في 2011 لدورهم في المظاهرات المؤيدة للديمقراطية. لقد تقاعست السلطات مرة أخرى في 2020 عن إجراء تحقيقات موثوقة ومقاضاة المسؤولين وضباط الشرطة الذين يُزعم ارتكابهم انتهاكات جسيمة، بما فيها التعذيب.

(2) رمت اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، إلى حماية اللاجئين، وتحدد التزامات كل من اللاجئ والحكومة المضيفة تجاه بعضهما البعض.
والاتفاقية كانت تقصد أول الأمر توفير الحماية بصفة أساسية للاجئين الأوروبيين في أعقاب الحرب العالمية الثانية، غير أن بروتوكول عام 1967 وسع بدرجة كبيرة من نطاق الولاية المنوطة بالمفوضية بعد أن انتشرت مشكلة النزوح في مختلف أرجاء العالم. ولقد كانت الاتفاقية الأصلية ملهمة أيضاً لعدد من الصكوك الإقليمية من قبيل اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لعام 1969، وإعلان كارتاخينا لعام 1984 الخاص بلاجئي أمريكا اللاتينية. أزال البروتوكول الحدود الجغرافية والزمنية الواردة فى الاتفاقية الأصلية التى كان لا يسمح بموجبها إلا للأشخاص الذين أصبحوا لاجئين نتيجة لأحداث وقعت فى أوروبا قبل 1 يناير/كانون الثانى 1951، بطلب الحصول على صفة اللاجئ.
وقد وقع ما مجموعه 139 دولة على أحد صكي الأمم المتحدة أو كليهما. وتوفر المفوضية في الوقت الحاضر المساعدة لما يزيد على 22 مليون شخص، ولا تزال هذه الاتفاقية، التي أثبتت مرونتها بقدر ملحوظ في الأوقات السريعة التغير، تشكل حجر الزاوية في ولاية المفوضية الخاصة بالحماية.
كانت هذه الاتفاقية أول اتفاقية دولية حقيقية تتناول النواحي الجوهرية من حياة اللاجئ. وقد بينت مجموعة من حقوق الإنسان الأساسية التي يجب أن تكون على الأقل معادلة للحريات التي يتمتع بها الرعايا الأجانب في بلد ما، وفى العديد من الحالات، الممنوحة لمواطني تلك الدولة. وتعترف هذه الاتفاقية بالنطاق الدولي لأزمات اللاجئين، وضرورة توافر تعاون دولي، بما في ذلك اقتسام الأعباء بين الدول، من أجل معالجة المشكلة.
تعرف المادة الأولى من الاتفاقية بوضوح اللاجئ، بأنه شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوف، له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل/تستظل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد، وبشكل عام اللاجئ هو شخص مدني. كما تذكر الاتفاقية الأشخاص الذين لا تنطبق عليهم صفة اللاجئ كالإرهابين، أو المطاردين قانونين، بسبب جرائم ارتكبوها. كما تمييز بين اللاجئ السياسي، واللاجئ الاقتصادي، حيث أن هذا الأخير، يغادر بلده طوعا من أجل التماس حياة أفضل، ويتمتع بحماية حكومته أو حكومتها الوطنية. أما اللاجئ السياسي، فليس له خيار سوى الفرار من البلد، وعادة يكون وطنه الأصلي، بسبب ما يتهدّده من اضطهاد. ويجب على الحكومات أن تتصدى للمشكلتين بشكل منفصل: معالجة قضايا اللاجئين السياسيين من خلال الإجراءات الخاصة بمنح اللجوء، أما المشكلات المتعلقة بالهجرة، والتي تشمل المهاجرين الاقتصاديين، فتخضع لظروف البلد الاقتصادية، ومدى قدرتها على تحمّل عبئ الهجرة الاقتصادية.
وتحدد الاتفاقية حقوق اللاجئ بشكل عام: كحرية العقيدة، والتنقل، حق التعلّم، ووثائق السفر، وحق العمل، كما أنها تشدد على أهمية التزاماته/التزاماتها تجاه الحكومة المضيفة. وينص أحد الأحكام الرئيسية في هذه الاتفاقية على عدم جواز إعادة اللاجئين. ولعل أهم ما تحتويه الاتفاقية، هو حظر الطرد أو الرد إلى بلد يخشى/أو تخشى فيه من التعرض للاضطهاد.
تقع على عاتق الحكومات المضيفة، بصفة أساسية، مسؤولية حماية اللاجئين. وتعتبر البلدان الـ 139 على نطاق العالم، التي وقعت على اتفاقية 1951، ملزمة بتنفيذ أحكامها. وتحتفظ المفوضية بـ ”التزام رقابي“ على هذه العملية، وتتدخل حسب الاقتضاء لضمان منح اللاجئين الصادقين اللجوء، وعدم إرغامهم على العودة إلى بلدان يخشى أن تتعرض فيها حياتهم للخطر. وتلتمس الوكالة السبل من أجل مساعدة اللاجئين على بدء حياتهم مجدداً، إما من خلال العودة الطوعية إلى أوطانهم أو، إن لم يكن ذلك ممكناً، من خلال إعادة توطينهم في دول مضيفة أو بلدان ”ثالثة“ أخرى.
هذه الاتفاقية قد أثبتت مرونتها بدرجة كبيرة في المساعدة على حماية ما يقدر بـ 50 مليون شخص في جميع أنواع الحالات، وسوف تستمر في توفير ذلك، نظراً لأن طبيعة الاضطهاد ذاتها لا تتغير.
لا تقضى الاتفاقية بمنح حماية تلقائية أو دائمة، بل هي حماية مؤقتة، ممكن أن تنتهي بزوال أسبابها، إي زوال الخطر الذي يتهدد اللاجئ. وقد تنشأ حالات يندمج فيها اللاجئون بصورة دائمة في بلد لجوئهم.
تعتبر جميع الدول، بما فيها الدول التي لم توقع على الاتفاقية، ملزمة بالتمسك بمعايير الحماية الأساسية التي تعتبر جزءاً من القانون الدولي العام. ويجب ألاّ يعاد أي لاجئ إلى بلد، سواء وطنه الأصلي أو بلد ثالث، تتعرض فيها حياته أو حياتها، حريته أو حريتها، للتهديد.
توافق الدول في بعض الأحيان على توفير “الحماية المؤقتة”، عندما تواجه تدفقاً جماعياً مفاجئاً من الأشخاص، كما يحصل في حالات الحروب، غير أن الحماية المؤقتة تعتبر مكملة للحماية التي توفرها الاتفاقية ولا تشكل بديلاً عنها.
أخيرا لا يكفي توفر “عامل الاضطهاد” بحد ذاته لتوفير الحماية، إذا أنه لا بد من تحديد ما إذا كان شخص ما يستحق الحصول على حماية دولية أم لا، بسبب عدم توفّر هذه الحماية في بلده.
(3) تقرير هيومن رايتس ووتش، 2021، مذكور سابقا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى