أحدث الأخبارشؤون اوروبيية

قصة صناعة البطل في دوائر مخابراتةالبريطانية

مجلة تحليلات العصر الدولية

د. علي الصلابي – خاص ترك برس

بعد الانقلاب الذي قامت به جمعية الاتحاد والترقي عام 1909م، تولَّى السَّلطنة والخلافة بعد السُّلطان عبد الحميد الثَّاني أخوه محمَّد رشاد، إِلا أنَّه في الحقيقة لم يملك أيَّ سلطةٍ فعليَّةٍ، وإِنَّما السُّلطة الفعلية أصبحت بيد جمعيَّة الاتِّحاد والتَّرقِّي، وغدت الحكومة العثمانيَّة تركيَّة في مضمونها، قوميَّة في عصبيَّتها، بينما كانت مِنْ قَبْلُ عثمانيَّةً في مضمونها، وإِسلاميَّةً في رابطتها. فقد تأثَّرت هذه الجمعيَّة بقوَّة الأفكار القوميَّة الطُّورانيَّة الَّتي تدعو إِلى تحرير كلِّ الأتراك، مدَّعين: أنَّ الشُّعوب الإِسلاميَّة في الأناضول، وآسيا الوسطى تشكِّل أمَّة واحدةً، وفي الأفكار الَّتي تطوَّرت أخيراً بمجهودات بعض كتَّاب الجمعيَّة، وعلى رأسهم موئيز كوهين اليهوديُّ، والكاتب التُّركيُّ الشَّهير ضيا كوك آلب؛ فاتَّبعت سياسة التَّتريك، وذلك بجعل اللُّغة التُّركيَّة هي اللُّغة الرَّسميَّة الوحيدة، وإِن كانت تقف اللُّغة العربيَّة إِلى جانبها. فتأجَّجت حركة الدَّعوة إِلى القوميَّة العربيَّة في مواجهة حركة التَّتريك.

قام الاتِّحاديُّون بتوجيه الدَّولة وجهةً قوميَّةً لا دينيَّةً، ولمَّا احتلَّ الإِنجليز إِستانبول (الآستانة) وأصبح الخليفة شبه أسير في أيديهم، وأصبح المندوب السَّامي البريطـاني، والجنرال هازنجتون (القائد العامُّ لقوَّات الحلفاء في إِستانبول) هما أصحاب السِّيادة الفعليَّة، وكانت اللُّعبة العالميَّة للقضاء على الخلافة العثمانيَّة نهائيَّاً تستدعي اصطناع بطل تتراجع أمامـه جيوش الحلفاء الجرَّارة، وتعلِّق المِلَّة الإِسلاميَّة اليائسـة فيه أملهـا الكبير، وحلمها المنشود، وفي أوج عظمته وانتفاخه ينقض على الرَّمق الباقي في جسم الأمَّة فينهشه، ويجهز عليها.

وتمَّت صناعة البطل بواسطة المخابرات الإِنجليزيَّة بنجاحٍ باهرٍ، وظهر مصطفى كمال بمظهر المنقذ لشرف الدَّولة من الحلفاء، واليونان الَّذين احتلُّوا أزمير بتمكينٍ من بريطانيا سنة 1338هـ وتوغَّلوا في حقدٍ صليبيٍّ دفينٍ في الأناضول، فقام مصطفى كمال باستثارة روح الجهاد في الأتراك، ورفع القرآن، وردَّ اليونانيِّين على أعقابهم، وتراجعت أمامه قوَّات الحلفاء بدون أن يستعمل أسلحته، وأخلت أمامه المواقع، وبدأ مصطفى كمال يطفو على السَّطح تدريجيَّاً، فقد ابتهج العالم الإِسلامي، وأطلق عليه لقب الغازي، ومدحه الشُّعراء، وأشاد به الخطباء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى