أحدث الأخبارالعراقايرانمحور المقاومة

قــادة الـنـصــر شــهــداء الـطــف

مجلة تحليلات العصر الدولية - صالح الصيرفي

العدالة
الحرية
الجهاد
الشهادة

لذا وقف الامام الحسين عليه السلام عشيَّة رحيله من مكة خطيباً يقول: “خُطَّ الموت على ولد آدم مخطَّ القلادة من جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف… ألا ومن كان باذلاً فينا مهجته، موطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإنّي راحل مصبحاً إنْ شاء الله”

قـادة الـنـصـر شـهداء الـطـف

يخطأ من يعتقد ان واقعة الطّف مجرد مجزرة وجريمة بحق ثلة من آل النبي محمد “صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ” ، وقعت وتماثلت مع آلاف المجازر التي ارتكبت في حقبة من التاريخ (الاسلامي الدموي) بحق الاحرار والثوار ، ولاهي ايضا مجرد سردية اجتماعية وقعت في بطن التاريخ مثقلة بأبشع صور السلوك الانساني الوحشي ، وبتراجيديا الالم والمعاناة الانسانية في زمن ومكان محددين ، و لا هي ايضا مجرد طقوس موسمية تمارسها طائفة من المسلمين ( الشيعة الامامية الاثني عشرية) خلال شهري محرم وصفر من كل سنة ، نتيجة لارتباط مأساة السردية بشخصية إبن بنت نبي الاسلام محمد (ص) ، الامام الحسين بن علي بن ابي طالب (ع) من جهة ، وارتباطها بشيعة علي بن ابي طالب من جهة ثانية ، فلو كانت كذلك بهذا التبسيط السردي التاريخي والتسطيح الثقافي ، لجاز لنا ان نعبر عن القرآن بكتاب تاريخ وأساطير ( والعياذ بالله ) عند ذكره قصص ووقائع الانبياء والامم ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ) 111 يوسف
عندئذ وبناءاً على ماتقدم فقصة كربلاء وثورة الامام الحسين (ع) عام 61 للهجرة تتماثل مع قصص الانبياء والمصلحين على مر التاريخ ، وتلتقي مع اهدافهم بعد أن ذابت في مبادئهم وورثت سيرتهم ، وبالتالي لو جاز لنا الافتراض جدلاً ، و ( فرض المحال ليس بمحال ) ، القول لو “ان قرآنا نزل بعد واقعة الطف لاحتلت قصة الامام الحسين ع مساحة واسعة من هذا القرآن ” إسوة بقصص الانبياء والامم ! .
اما لماذا ؟
لأن واقعة الطف لاتختلف في مقاصدها ودلالاتها وجوهرها عن القصص القراني ، وهي أحد أوضح مصاديق تفسير الاية المباركة اعلاه (لقد كان في قصصهم عبرةً لاُولي الألباب).
يقول الشيخ مكارم الشيرازي في تفسير الامثل في تفسير الاية ( فهي مرآة يستطيعون من خلالها أن يروا عوامل النصر والهزيمة ، والهناء والحرمان ، والسعادة والشقاء ، والعز والذلة ، والخلاصة كل ماله قيمة في حياة الانسان وما ليس له قيمة ، وهي مرآة لكل تجارب المجتمعات السابقة والرجال العظام ، ومرآة نشاهد فيها ذلك العمر القصير للانسان كيف يطول بمقدار عمر البشر) .
اذن واقعة الطف هي تجربة انسانية حصلت في التاريخ ومرآة عاكسة في حركة الحاضر تتكرر كشاهد يومي في حركة الانسان الباحث عن العدالة والحرية ، وتمتد في أفق المستقبل ، لأنها مدرسة اصلاح ، ومنهج تغيير ، وعقيدة ثورة ، ومسيرة حياة ، وقصة كفاح … وبالتالي كل الحركات والانتفاضات والثورات التي تقوم بوجه الظلم والطغيان ومن اجل تحرير الانسان من العبودية والقهر وتنشد تحقيق العدالة والحرية والحياة الحرة الكريمة المبنية على المعارف والعلوم ومواكبة العصر والتطور في بناء الانسان والمجتمعات ، هي ثورة حسينية بالمعنى الانساني الشمولي ، وهي حركة نبوية إصلاحية رسالية في مضمونها القصدي “تعبيد الناس لله تعالى على اساس التوحيد والايمان بالله ورسله وكتبه وخاتم الانبياء ورسالته الخاتمة ” ، وهي مدرسة خالدة في القيم والمثل الانسانية العليا ، وفي تربية وتعليم الاجيال معاني التضحية والبطولة والفداء ونبراس وأنموذج للشعوب المتعطشة لنيل العدالة والحرية .
قادة النصر الشهيد السعيد الجنرال قاسم سليماني والشهيد السيد ابومهدي المهندس هم أحد أبرز ابناء هذه المدرسة الحسينية الخالدة في وجودنا ، الراسخة في وعينا وادراكنا وانتمائنا الرسالي ، وهم يمثلون أوضح المصاديق المعاصرة في حركة الشهادة الحسينية ، فكانت تربيتهم نبوية وتعليمهم حسيني .

تـوأمــة الـجـهـاد والـنـضــال

منذ نعومة أظافرهم أدركوا أن رفاه وتطور وقوة اوربا وامريكا مرهون بنهب ثروات الامم والشعوب المستضعفة ( النفط والغاز والذهب واليورانيوم والليثيوم والمعادن النفيسة الاخرى ) التي تدخل في الصناعة والزراعة والعمران والتقنيات المتقدمة الاخرى عبر شركاتها المعولمة وشركائها وعملائها حكام منطقة الشرق الاوسط واسيا وافريقيا وامريكا الجنوبية ، وادرك الشهيدان ان هذه الانظمة ماهي الا بيادق تتحرك وتتغير وفق خطط ومشاريع مرسومة للسيطرة على العالم ونهب الثروات والتحكم بمصائر الشعوب ، وأدركوا ايضا ان العدالة المفقودة والحريات المنتهكة والحروب العبثية والقتل العشوائي والاضطهاد الكيفي والإستلاب المعرفي ومظاهر الجوع والفقر والجهل والتخلف ماهي الا نتائج كارثية لسياسات الهيمنة للاستكبار العالمي .
وبناءاً عليه لايمكن تخليص هذه الشعوب المستضعفة الا من خلال استرداد إرادتهما المسلوبة وكسر كافة القيود المفروضة عليهما والانطلاق بهما نحو التحرر والحرية والعدالة ، ولاسبيل الى ذلك إلا من خلال الكفاح والنضال بكافة اشكاله وانواعه ضد طواغيت الارض وشياطين السياسة والمال والاقتصاد وأذنابهم المحليين ( الحكام والانظمة العميلة ) .
وانطلاقا من هذه الرؤية الاستشرافية المبكرة في حينها حمل شهيدينا ( قاسم سليماني وابو مهدي المهندس ) راية الحسين وطافوا بها شوارع الجهاد والنضال في كرمان وطهران والبصرة وبغداد ضد طواغيت عصرهم ، الشهيد قاسم سليماني يقارع الشاه محمد رضا بهلوي والشهيد جمال ابو مهدي المهندس يقارع صدام المقبور ، وفي الوقت الذي كان يحتفي الشهيد سليماني مع ابناء شعبه بانتصار الثورة الايرانية المباركة بقيادة الامام روح الله الموسوي الخميني عام 1979 ، كان الشهيد ابومهدي المهندس يشارك في انتفاضة رجب المبارك في نفس العام (1979) ضد الطغمة الظالمة في بغداد ، وعندما أمرت امريكا واسرائيل وأذنابها من حكام الخليج والعرب عميلها السري ( صدام حسين بعد ان مكنته وأوصلته الى دفة حكم العراق عبر انقلاب داخلي ودموي في حزب البعث ) بشن حربة الظالمة وغير المبررة ضد الجمهورية الاسلامية الناشئة وثورتها الفتية عام 1980.
وفي الوقت الذي انخرط الشهيد سليماني في التشكيلات الأولى للحرس الثوري ، وشارك في ميادين حرب الدفاع المقدس ضد الغزو الصدامي الغادر والمباغت للاراضي ايرانية عام 1980،
كان الشهيد ابو مهدي المهندس من أوائل المهاجرين من كوادر حزب الدعوة الاسلامية الى الكويت ، وعند اندلاع الحرب الصدامية الظالمة ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية عام 1980 ، كان من أوائل المجاهدين الذين التحقوا بركب قافلة الهجرة الى ايران والالتحاق بقوافل المشاركين في حرب الدفاع المقدس من خلال تأسيس معسكر الشهيد الصدر الذي أخذ على عاتقه مهمة تدريب وتأسيس الوية عراقية مقاتلة تقاتل جنبا الى جنب مع اخوانهم الايرانيين دفاعا عن الجمهورية الاسلامية وثورتها الفتية ، ضد ابناء جلدتهم وعشائرهم واخوانهم ، سواء من المغرر بهم أو المكرهين قسراً ، حيث عمد المجرم صدام في حينه تخيير ابناء الجيش العراقي بين الموت والاستئصال لذويهم من الدرجة الاولى أو المشاركة في الحرب الظالمة .
وهكذا التقى الشهيدان قاسم سليماني وابو مهدي المهندس في سوح الجهاد وخنادق القتال يداً بيد وظهراً لظهر طيلة ثمانية اعوام من الحرب الضروس ، ولم ينفكوا حتى بعد انتهاء الحرب الظالمة حيث استمر التنسيق والعمل الجهادي داخل العراق بين الشهيدين تخطيطا وقيادة ًوتنفيذا لكافة المحطات الجهادية المقدسة ، بدأ بمحطة الانتفاضة الشعبانية الكبرى عام 1991 ضد نظام صدام المهزوم ، مرورا بالتنسيق الكامل مع فيلق القدس سواء في تأسيس كتائب حزب الله ، أو في رعاية ودعم كافة الكتائب الاخرى التي أخذت على عاتقها مسؤولية التصدي لقتال ومحاربة قوات الاحتلال الامريكي منذ عام 2003- حتى عام 2009 يوم توقيع اتفاقية جدولة انسحاب تلك القوات الاحتلالية من العراق وانتهاءاً بحرب دواعش امريكا واسرائيل والسعودية عام 2014-2017 .
وقد خاض الشهيدان تفاصيل الحرب الداعشية خطوة بخطوة ومن خندق الى خندق ومن معركة الى أخرى كانا يتقدمان المجاهدين في الصفوف الاولى ويوصلون الليل بالنهار في متابعة الخطط والاطمئنان على خط سير المعارك بالاتكال على الله وعلى سواعد المجاهدين الابطال فكانوا المثل الاعلى والقدوة الحسنة والصورة الناصعة في الايمان والصبر والشجاعة والحكمة والتضحية والايثار والترابية والتواضع فهم كـ اصحاب الامام الحسين عليه السلام ، بل ربما أكثر !! ، ولا مبالغة في هذا القول ، فان كان اصحاب الامام الحسين عليه السلام قد خاضوا معركة واحدة فـ شهيدينا خاضوا مئات المعارك وعشرات الطفوف الحسينية تحت راية الحسين ومن أجل مبادئ الثورة الحسينية في العدالة والحرية ونصرة المستضعفين والوقوف بوجه الطواغيت والمستكبرين وشذاذ المتأسلمين والحكام الخائنين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى