أحدث الأخبارسورياشؤون امريكيةلبنانمحور المقاومة

كبيرة يا سورية.. لماذا نجزم ان مرور الكهرباء الأردنية والغاز المصري الى الشعب اللبناني لإنقاذه من ازماته هزيمة “صغرى” تمهيدا لـ”الكبرى” لأمريكا وادواتها القادمة حتما؟

مجلة تحليلات العصر الدولية - عبدالباري عطوان

اذا اعطينا الفضل لأصحابه، فان الموقف الشجاع والمتحدي لأمريكا وإسرائيل الذي اتخذه السيد حسن نصر الله، زعيم “حزب الله”، باللجوء الى النفط والغاز الإيرانيين لإنقاذ البلاد، وحماية ناقلاته بالقوة، هو الذي دفع السيدة دوروثي شيا، السفيرة الامريكية في بيروت التي كانت حتى اليوم الحاكمة بأمرها في البلد، الى التراجع مكرهة عن تعنتها، وحكومتها، والهرولة الى الأردن ومصر بحثا عن الحلول البديلة وكسر الحصار الأمريكي المفروض على سورية تحت ما يسمى بقانون “قيصر” مما يؤكد على هشاشته، ونجاح سياسة الصبر الاستراتيجي في التعاطي معه.
الجهات اللبنانية، او بالأحرى أدوات أمريكا في لبنان، التي تتلقى تعليماتها من السفيرة المذكورة، وظلت تعارض أي تعاون مع سورية، واعتبرت زيارة أي وزير لبناني لعاصمتها “ام الكبائر” طوال السنوات العشر الماضية، يجب ان تشعر بالخجل، وان تعتذر الى الشعبين اللبناني والسوري على مواقفها الحاقدة والعنصرية وقصيرة النظر، وفرض المقاطعة بالتالي على دولة شقيقة وقفت دائما في خندق الشعب اللبناني، وضحت بالكثير من دماء أبنائها وارواحهم لحماية وتعزيز سيادة بلاده واستقلاله والحفاظ على وحدته.
*
لولا حلف المقاومة، وتضحيات “حزب الله” لكانت الدولة الإسلامية (داعش) هي التي تحكم لبنان الآن، وبمباركة أمريكية، ولإشغال مقاومته وسلاحها الاستراتيجي في معارك وحروب استنزاف أهلية، لتحويل انظاره عن الهدف العروبي الإسلامي الأساسي المشرف، أي مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
السلطات السورية لم تتعامل مع الوفد اللبناني الزائر للعاصمة السورية اليوم بنظرية “ألتعامل بالمثل”، ومن منطلقات الحقد والثأرية، وتناست عشر سنوات من المقاطعة، وشتائم البعض وتطاولاته، واستقبلت الوفد اللبناني الذي ترأسته السيدة زينة عكر، نائبة رئيس الوزراء وزيرة الدفاع والخارجية، كوفد شقيق، وعلى اعلى المستويات، ووافقت دون تردد على جميع مطالبه حرصا على مصالح الشعب اللبناني، بكل طوائفه، دون أي تمييز طائفي او عرقي، رغم ان القيادة السورية تعرف بأن هذا الوفد لم يجرؤ على عبور الحدود الا بضوء اخضر امريكي.
القيادة السورية التي اتخذت هذه الخطوة الكريمة والحكيمة والشجاعة، من منطلقات عروبية وإنسانية، كاظمة للغيظ، ومترفعة عن الثأرية، والاحقاد التي تعشش في قلوب وصدور الطرف الآخر، كشفت ضآلة، وصغر وفشل، السياسات الامريكية وادواتها في لبنان، وساهمت بدور كبير في انقاذ البلاد من ازمة حادة بوجهين: الأول سياسي عسكري امني، والثاني معيشي انساني، ولا نبالغ اذا قلنا انها منعت، او اجلت، حربا أهلية طاحنة، واخرست كل الأصوات اللبنانية الطائفية المتشنجة والعميلة للقوى الخارجية.
السفيرة الامريكية في لبنان التي حنّ قلبها أخيرا على الشعب اللبناني بعد ان وصل الجوع الى 80 بالمئة منه، وباتت الحياة فيه بحدودها الدنيا مستحيلة، وهرولت الى الأردن ومصر طالبة “طوق النجاة” لمنع وصول ناقلات النفط الإيرانية الى لبنان محملة بالمازوت والبنزين والديزل، بررت كل ذلك بحرصها على مساعدة الشعب اللبناني، ولكنها هي التي اخترقت قانون “قيصر” العنصري الفاشي، لم تذرف دمعة واحدة تعاطفا مع اكثر من عشرين مليون سوري يواجهون الجوع والموت تحت الحصار الأمريكي، وبفعل انتشار وباء الكورونا.
*
شكرا لسورية قيادة وحكومة، وشكرا للسيد نصر الله وادارته الذكية والمسؤولة للازمة، وخطواته الشجاعة بالاستنجاد بإيران ومحروقاتها التي لم تتردد لحظة في الاستجابة وتلبية النداء، بينما وقف معظم الذين “تعوم” بلادهم وحكوماتهم على بحور من النفط والغاز في الخليج، موقف الشامت بمعاناة الاشقاء في لبنان، من كل الطوائف والاعراق، ولم يرسلوا برميلا واحدا لهم لإنقاذهم من محنتهم.
بعد هزيمة أمريكا المذلة والمهينة في أفغانستان، ها هي تواجه هزيمة “صغرى” على ايدي محور المقاومة ورجاله، كمقدمة لهزيمة كبرى قادمة في العراق وسورية وفلسطين أيضا… والأيام بيننا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى