أحدث الأخبارشؤون امريكية

كيف تتعامل واشنطن مستقبلاً مع عالم فوضوي؟

مجلة تحليلات العصر - أحمد عبد العليم

من المرجح أن يلعب كل من ملفا السياسة الخارجية والأمن القومي دوراً جوهرياً في حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة في عام 2016، إذ سيحاول المرشحون تقديم أفكار جديدة وسياسات مختلفة لهذين الملفين عن الإدارة الحالية للرئيس “باراك أوباما”، والتي تعرضت لانتقادات شديدة في التعامل مع مثل هذه الملفات. ومن أبرز تلك الموضوعات: العدوان الروسي على الأراضي الأوكرانية، وصعود تنظيم “داعش”، واستمرار انتشار جماعات الإرهاب والتطرف في جميع أنحاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا.

وثمة ملفات أخرى مهمة للغاية، منها الأمن السيبراني؛ حيث برز الفضاء الإلكتروني كساحة قتال جديدة بين عناصر حفظ النظام الدولي والساعين إلى الفوضى، وملف تغيُّر المناخ، بالإضافة إلى الصعود الصيني المتزايد، وأيضاً انتشار الأمراض المعدية مثل الإيبولا، وما يرتبط بذلك من مخاطر عالمية جمَّة.

في هذا الإطار، يأتي كتاب “الخيارات الأمريكية في ظل عالم مُضطرب”، والذي شارك في تحريره عدد كبير من الباحثين والمتخصصين، ويأتي كأول كتاب في إطار سلسلة تحاول من خلالها مؤسسة “راند” الأمريكية استكشاف استراتيجية واشنطن في التعامل مع الملفات المتعلقة بالسياسة الخارجية.

ومن ثم، يناقش هذا الكتاب الخيارات الأمريكية المختلفة مع الملفات العديدة التي تتعاطى معها الإدارة الأمريكية في مختلف مناطق العالم، مُستعرضاً هذه الخيارات في ظل عالم أكثر فوضوية من ذي قبل، وكذلك تقييم المخاطر المترتبة على أيّ خيار قادم في ظل تكلفة هذا الخيار، وصولاً إلى استشراف مستقبل الإدارة الأمريكية في التعامل مع القضايا الدولية المختلفة، وتوضيح طرق التعامل مع التهديدات، وذلك بما يجعل الإدارة الأمريكية القادمة لا تُكرر أخطاء الماضي.

الخيارات الأمريكية الصعبة في ظل عالم مُضطرب

يشير الكتاب إلى أن الولايات المتحدة تواجه خيارات عدة ناتجة عن تزايد التواصل والترابط العالمي في ظل استمرار التوسُّع في التجارة العالمية والسفر والاتصالات، وما ارتبط بذلك من زيادة فرص النمو الاقتصادية، وما نتج عن ذلك التواصل أيضاً من تغيُّرات مناخية تتطلب جهود دولية كبيرة، بالإضافة إلى تزايد وتيرة الإرهاب العالمي بشكل أكثر من العقد الماضي، وانتشار المجرمين والمخدرات، مع تفاقم حالة الفوضى العالمية الناتجة عن الفضاء الإلكتروني وما ارتبط به من تهديدات للدول القومية وظهور فاعلين جدد وتسهيل تجنيد الأتباع وشن الهجمات من مسافات بعيدة، علاوةً على إمكانية تدمير البُنى التحتية للدول في ظل اعتماد الدول بشكل كبير على التكنولوجيا.

وفي ظل كل تلك المعطيات التي تزيد من فوضوية النظام الدولي بشكل كبير عن السنوات الماضية، تظل واشنطن في موقف قوي من أجل قيادة النظام الدولي في ظل صعود دول أخرى خاصةً الصين. وشدد الكتاب على ضرورة أن تبذل الولايات المتحدة جهداً أكبر في المجال الاقتصادي وأن تكون أكثر قدرة على إيجاد خيارات أفضل لها، وأن تحاول من خلال الترتيبات متعددة الأطراف ممارسة دور يستوعب الصعود والتوسُّع الصيني الاقتصادي، وإبرام اتفاقيات التجارة الحرة مع أوروبا ودول شرق آسيا.

أما فيما يتعلق بالخيارات في مجال ميزانية الدفاع الأمريكية، فإن الولايات المتحدة تواجه ميزانية هي الأقل وفي أدنى مستوياتها كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الخمسين عاماً الأخيرة، وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية القادمة في حاجة إلى الاختيار ما بين الاستمرار في تحسين قدراتها الرادعة من أجل مواجهة أي تهديدات صينية ضد حلفائها وشركائها في شرق آسيا، أم الاستمرار في دعم حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أم تحديث القوات الأمريكية النووية بشكل يجعلها أكثر قدرة على ردع أي هجمات مستقبلية، أم استمرار الهجمات الجوية ضد “داعش” في سوريا والعراق، والقضاء على الشبكات الإرهابية مع دور توعوي للمجتمعات التي ينتشر فيها التطرُّف والإرهاب.

 

وهذا معناه، أن الإدارة الأمريكية الجديدة مُطالبة بتحديد خياراتها بين توسيع أو تضييق جهود مكافحة الإرهاب بشكل لا يُخلّ بدور الولايات المتحدة في مواجهة الخصوم التقليديين مثل الصين وروسيا.

وفي السياق ذاته، يرى معدو الكتاب أن كلاً من منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا تمثلان أيضاً خيارات صعبة أمام الولايات المتحدة، خاصةً في ظل الفجوة التي حدثت في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وكذلك تطورات الأحداث في أفغانستان وهل تنسحب قوات “الناتو” أم تستمر هناك؟ بالإضافة إلى تزايد خطر “داعش”؛ حيث تحاول واشنطن التخلص من الخطر “الداعشي” بحلول نهاية عام 2016.

ولكن يتوقع الكتاب مع استمرار الحرب الأهلية في سوريا أن يساعد ذلك في جذب العديد من المتطرفين حول العالم. وبالتالي فإن الولايات المتحدة أمامها خيار صعب بين القوة والدبلوماسية لحل تلك المشكلات الكبيرة، كذلك فإن التوصل لاتفاق نووي نهائي مع إيران لا يعني أن خيار التعاون مع طهران بالأمر اليسير أبداً. كما أن الولايات المتحدة تواجه خياراً صعباً مع كوريا الشمالية.

وهكذا، تبدو الخيارات صعبة ومعقدة للغاية في ظل نظام دولي مختلف، وكذلك في ظل تزايد الملفات الشائكة وترابطها بشكل يجعل اتخاذ أي قرار أو التفكير في خيار ما أمر ليس بالسهل أبداً.

تقييم المخاطر المختلفة في ظل الخيارات الصعبة

يشير الكتاب إلى أن الخيارات السابق ذكرها مرتبطة بالمفاضلة بين التكاليف والمخاطر المترتبة على أيّ خيار، حيث إن الولايات المتحدة يمكن أن تنفق أكثر على ميزانية الدفاع من أجل مواجهة المخاطر الاستراتيجية في أوروبا وشرق آسيا والشرق الأوسط، وكذلك من الممكن أن تنفق أكثر على ملف التغيُّرات المناخية في ظل تعاظم المخاطر الناتجة عنه.

وبالتالي، فإن القرارات الاستراتيجية مرتبطة بالاختيار بين الإنفاق أكثر الآن أو في وقت لاحق، حيث إنه في أوروبا قد ترغب واشنطن في رؤية أوكرانيا موحدة تتجه نحو عضوية حلف شمال الأطلسي، ولكنها قد تواجه أيضاً فكرة أوكرانيا منقسمة وغير منضمة إلى حلف شمال الأطلسي.

أما في الشرق الأوسط؛ فإن الولايات المتحدة ترغب في وجود دولة سورية مستقرة في ظل حكومة موالية للغرب ومواقفها معتدلة، ولكن في هذه المرحلة يمكن أن تقبل واشنطن بوجود دولة سورية سلمية فقط قادرة على فرض السيطرة والحفاظ على النظام من أجل مواجهة الجماعات المتطرف.

وفي ذات السياق، فإنه في شرق آسيا؛ تواجه الإدارة الأمريكية مُعضلة حماية حلفائها من الصين، ولكن تظل تلك المخاطر ليست وجودية بشكل كبير، كذلك فإنه ليس ثمة معادلات جاهزة يمكن من خلالها تقييم التكاليف والمخاطر فيما يتعلق بالسعي إلى احتواء الولايات المتحدة لدولة كبرى مثل الصين.

ويعاود الكتاب التأكيد على أن الإدارة الأمريكية القادمة تواجه خيارات صعبة في ظل صعوبة تقييم المخاطر نظراً لتشابك الملفات بشكل كبير، ولكن يظل الخيار الأصعب للقيادة القادمة هو القدرة على إلهام أتباعها، لأن ذلك يرتبط بإعلان سياسات تدعم الشركاء، وتحترم الخصوم ولكتن تردعهم في الوقت ذاته. كما أن القيادة الأمريكية تواجه صعوبات متعلقة بتدفق المعلومات بسرعة أكبر وعلى نطاق أوسع، وتسارع التطورات الجيوسياسية.

ويشير الكتاب إلى أن ثمة جيلاً عانى من الحرب الخاسرة في فيتنام، وهناك جيل يتعافى من الانتكاسات في العراق وأفغانستان والنتائج المخيبة للآمال من انتفاضات الربيع العربي. وبالتالي، فإن الإدارة الأمريكية القادمة عليها أن تعي دروس الماضي بشكل يجعل الأخطاء لا تتكرر مرة أخرى، وأن تستفيد من تجارب التدخُّل في العراق وليبيا، وأن تدرك أن تغيير النظام بشكل قسري لا يؤدي إلى نتائج ناجحة، بل يخلق فوضى عاصفة تؤثر ليس فقط على الأمن الإقليمي، ولكن أيضاً على الأمن القومي والمصالح الأمريكية، كذلك فإن التدخُّلات تلك مكلفة للغاية وتستغرق وقتاً طويلاً. وفي ذات الإطار، فإن الولايات المتحدة عليها أن تعمل على تعزيز أسس لحكومات ديمقراطية مدنية تُعلي من سيادة القانون.

مستقبل تحرُّكات الإدارة الأمريكية القادمة

يؤكد الكتاب على أن أكثر ما يمكن أن يخدم المصالح الأمريكية في المستقبل، وفي ظل قدوم إدارة أمريكية جديدة، هو التزام الولايات المتحدة بالقواعد المعمول بها عالمياً من أجل تعزيز السلام وازدهار المجتمعات حول العالم، كذلك فإن سيادة الدول بشكل عام باتت مهددة في ظل زيادة حركة التجارة والسفر والاتصالات، وعلى واشنطن أن تبذل جهداً أكبر من أجل تلافي المخاطر الناتجة عن ذلك حتى لا يتحول العالم إلى ملفات شائكة تهدد الأمن والاستقرار الدولي.

من جانب آخر، يُبرز الكتاب التهديدات ذات الصلة بروسيا وإيران وكوريا الشمالية باعتبارها التهديدات الأكبر التي تواجه الولايات المتحدة الفترة القادمة، بالإضافة إلى احتمال بروز الصين كتهديد واقعي بشكل أكبر. وينصح الكتاب بضرورة مواجهة روسيا من أجل ألا يتكرر تدخلها في أوكرانيا بشكل يؤثر على هيبة الولايات المتحدة ومكانتها العالمية، وكذلك على الصين أن تشعر بالقلق وأن يتم ردع سلوكها بسياسة خارجية تجمع ما بين القوة والدبلوماسية. وفيما يتعلق بإيران، فإنه لابد من منعها بشكل حازم من امتلاك أسلحة نووية، وكذلك الأمر ذاته بالنسبة لكوريا الشمالية التي لا تكف عن تهديد جيرانها.

ختاماً، يشير الكتاب إلى أن طرق التعامل مع تهديدات الدول القوية قد تكون مكلفة نظرياً، ولكن يتعين أن يكون التعامل شاملاً الوسائل الدبلوماسية مثل الضغط الاقتصادي، والردع، والاحتواء، بالإضافة إلى تعزيز الدفاع الجماعي.

أما التهديدات القادمة من الدول الضعيفة، فإنه يجب التعامل معها بمكافحة الإرهاب والتمرد والفوضى، مع بذل جهود كبير من أجل بناء تلك الدول من أجل عدم عودة الحكومات المتطرفة أو المستبدة إلى الحكم مرةً أخرى، فذلك يأتي في ظل ميل المجتمع الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى وجود قيادة أمريكية تدعم نظاماً دولياً قائماً على تعزيز قواعد التجارة الحرة والتسوية السلمية للمنازعات، وذلك في ظل وجود قوة دبلوماسية وعسكرية واقتصادية متطورة من أجل تحقيق ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى