أحدث الأخبار

كيف تُدار الحروب…؟

} ميرنا لحود-البناء
تُشَنّ الحروبُ بطرقٍ ووسائلَ عدّةٍ. فالحروبُ ليست فقط عبر الأسلحة رغم أنها هي السائدة، لكنَّ هناك طرقاً مختلفة تُتّبَع لإضعاف وإنهاك الدولة المسمّاة “عدوّة”.

بعد الحرب العالمية الثانية، وضعت المخابرات الأميركية “سي أي آي” مخطّطاتٍ بهدف اجتياح العالم والسيطرة على ثروات العالم. وكلّ هذه المخطّطات هي سريّةٌ بغالبيّتها وإنْ كانت غيرَ سريةٍ فهي غيرُ معروفة ولا يستطيع أيّ كان أن يصلَ إليها لصعوبة الشروط التعجيزيّة.

لقد كتب في هذا الصدد نعوم تشومسكي في كافة دراساته وكتبه. لا بل أسهب في وضع دراساتٍ، شارحاً للرأي العام كيفيّة التوصّل إلى الهدف المرجو والمطلوب من قِبَل الحكومات “العميقة” والتي هي غالباً ما تحكم حتى لو لم تُمسك بمقاليد الحكم، خاصةً من ناحية الشكل. إنَّ الذي يحكم في أميركا فعلياً هو الدولة «العميقة» المؤلّفة من «سي أي آي» وقوامها وعناصرها مكوّنة من الموساد القدامى. كلّ من يترك الموساد يذهب إلى أميركا ويلتحق بالمخابرات الأميركية، وهذا أمرٌ معروف.

إذاً لتفكيك الدول المقاوِمة للنهج الأميركي المُسيطِر، توضَع خططٌ مؤلّفةٌ من عدة استراتيجيات يتمّ تطبيقها بمساندة عناصرَ داخليةٍ هي غالباً من المعارضة وموالية للنهج الأميركي وتتقاضى الأموال لتنفيذ المطلوب.


نحن اليوم في عالم المعلومات والتقنّيات والتطبيق لبرامجَ هي دائماً تابعة لشركات متخصّصة في التجسّس تأخذ ما يهمّها من «شاردة وواردة» وتبني عليه. وتأتي الوسائل المرئية والمسموعة في طليعة الأدوات المستخدَمة لتنفيذ سيطرة الاستخبارات الغربية على العقول وجعلها في قفصها وإدارتها كما تشاء.

ما يحصل في البلدان العربية مثل ليبيا ومصر والمغرب ولبنان والعراق، هو واقعٌ لا بدّ من الانتباه إليه. كلما كان الوضع الأمني والاقتصادي والثقافي هشّاً كلما نجح المشروع وبسطت «سي أي آي» سيطرتها بشكل مُطبق. إنَّ أميركا هي قادرة على شنّ حرب على لبنان، كما كانت تجري الأمور في السابق. فالرادع لها هو وجود المقاومة والحرب العسكرية هي مكلفة ومتى بدأت قد لا تنتهي، وقد تؤدي إلى حرب عالمية خطيرة لا أحدَ يريدها. لكن أميركا لا ولن تتخلّى عن مخطّطاتها طالما هناك عناصرُ في الداخل يساهمون ويسارعون إلى تقدمة العون وأحياناً كثيرة يقدّمون أنفسهم في خدمة الاستخبارات ويعطونها الأفكار لشنّ حروب.

أميركا لا تدخل في حروبٍ تعرفها خاسرة من بدايتها، بل تتسلّل إلى داخل الدول بطرق مختلفة، جالبةً الويل إذا استطاعت، وهذا مُتاحٌ في العراق مثلاً وفي لبنان وليبيا. في لبنان، تدير أميركا عبر سفارتها منصّات سياسية مباشرةً مع بعض السياسيين الضعفاء الأنفس وعبر منظَّمات «المُجتمع المدني» ومتى بحثنا عن المُمَوّل تتوضّح الصورة للإنخراط. على سبيل المثال، إنّ المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان مكوَّن من أعضاءٍ كانوا رؤساءَ لجمعيات كان يموّلها «جورج سوروس»، وقد فرض هذا الأخير على المجلسِ الأعضاءَ الذين يريدهم؛ كونه يملك الأموال، ومن لديه المال حتماً يتمتع بسلطةٍ ومن يضغط بهذا الشكل على مؤســسة أوروبية فهذا يعني أنها تتقاضى الأموال من مؤســساته وجمعيّاته المهتمّة بالأعمال الخيرية والتي هي تخريبّية.

إنّ الإستراتيجيات العشْر هي لائحة مُبرمَجة لإخضاع المجموعة لما يريده النظام العالمي المتجدّد والمستجدّ. الهدف الأول هو تهديم الثقافة وانعدامها وإبقاء الشعوب في الجهل والسخافة، وكل ذلك يمرُّ عبر الإعلام المجرّد من الصحافة والتحاليل النزيهة الحرّة ومن التحقيقات الهادفة للوصول إلى الحقيقة والمعرفة. نحن اليوم في سياساتٍ ثقافية شيطانية معدومة الأخلاق والآداب. لبنان نموذج لتطبيق هكذا نوع من الاستراتجيات.

1 ـ استراتيجية الترفيه السخيف
عامل مهمّ لحرف الأنظار عن القضايا المهمة. بهذه الطريقة تسيطر القوى المعادية للأمّة على الأمور الاجتماعية لتأخذَ الناسَ إلى أماكنَ أخرى محاولةً إيعازهم بأنّ الأهم هو في ما تبثّ لهم الأخبار والبرامج. وهي في الحقيقة أخبار غير مهمّة، لا بل أسوأ من ذلك قد تشنّج العقول وتتملّك بالعواطف بشكل غير عقلاني، كما أنها تُحدث خبولاً في العقول وتُعدم البصيرة والتفكير وتقضي على المنطق. الهدف إشغال المجموعة وإشغالها ثم إشغالها بأمورٍ تافهة بعيدة عن الأمور الأساسية.


2 ـ استراتيجة خلق المشاكل كي تقدّم لاحقاً حلولاً محضّرة مسبقاً
نموذج يعيشه الشعب اللبناني اليوم. إنّ التلاعب في سعر الدولار وخفض الدين العام والسرقات التي دارت على مدى عقود على أيدٍ خبيثة هي من تدير اللعبة الاقتصادية وهدم الليرة والقضاء عليها. فالذين سرقوا البلد هم من يعطون الحلول للناس. وستكون الخسائر على حساب المودِعين والشعب، في حين أنّ الذين سرقوا سيخرجون من اللعبة دون خسائرَ، السارق يقدّمُ الحلولَ. حلول أم قضاء على الحلول؟
3 ـ استراتيجية التدنّي
إنّ تدنّي مستوى المعيشة في لبنان (البطالة وتدني الأجور…) قد يُرغم الناس على القبول بأن يكون السعر غير الرسمي للدولار 30000 ألف ليرة لبنانية. هذه الاستراتيجية تدفع وتهدف لتطبيق إجراءات لم تكن مقبولة سابقاً. وتعمل الدولة العميقة على تدنّى مستوى الحياة كي تصلَ إلى هذه النتيجة كأنها الأمرُ الواقع، ولا مجال لطريقة أخرى.

4 ـ استراتيجية ما كان مستبعداً لفترة أو مؤجلاً لوقتٍ ما
يُعمل بهذه الاستراتيجية كأنها الخلاص. لا يستطيع صندوق النقد الدُولّي الدخول إلى بلدٍ إلاّ بعد انهيار مؤســسات الدولة. وبسذاجة يعتقد الشعب أو الشعوب أنّ الخلاص سيكون من خلال مؤســسة أمميّة نهبت بلداناً وكبّلتها إلى ما لا نهاية. إنّ صندوق نقد «الخراب» الدُوَلّي لا يدخل إلاّ إلى البلدان المعتّقة الفساد. لأنه قبل دخوله يُدرِجها ويستدرجها لإخضاعها لشروطه التعجيزيّة، والمساعد والمساند هو الطابور الخامس الخائن الذي يعمل لمصلحة العدو الخارجي ضدّ البلد. هذا ما حصل لبلدان كثيرة، نذكر منها اليونان الذي عانى كثيراً حتى وُضع في فخ ابتزاز الغرب وصندوقه الدُولّي للنهب والسيطرة على الثروات والأملاك الطبيعية للشعوب والبلدان.

5 ـ استراتيجية التعاطي مع الشعوب كأنها طفل دون السنّ
تُعدّ إعلانات وترويج أخبار لا تحمل موضوعاً عقلانياً، كأنّ المُشاهد هو طفل ما دون السنّ. الهدف هو طمس العقول. كأنّ التفكيرَ ممنوعٌ. يجب على العقول أن تنامَ ولا تفكّرَ. كل ما تبثُّه القنوات هو أخبار وإعلانات لا قيمة لها وهذا مقصود. لا أحدَ ينتبه لهذا العامل إلاّ المثقّف والذي يهتمّ بالوعي الجماعي.

6 ـ استراتيجية العمل على العواطف والغرائز ولا التحليل
تعمل القنوات المُموَّلة خارجياً على بثّ معلومات أو استضافة أشخاصٍ لا ثقل لهم على المستوى الثقافي والآداب الأخلاقية، بل كلّ ما لهم من أدوار هو إثارة النعرات وشتم سواء كان الأديان أو الشخصيات والتهجّم على أشخاص أو قادة معروفين ومشهورين ثقافياً وأخلاقياً أو سمعتهم عالمية. بمعنى آخرَ، إنّ أشخاصاً ما دون المستوى يتطاولون على قادة يُعدّون من الجبابرة. هذا خلل في التوازن والمستوى.

7 ـ استراتيجية إبقاء المجموعة في الجهل والخَبْل
تُستخدَم هذه الاستراتيجية في المناهج التربوية، ويتمّ خصوصاً إضعاف مستوى الثقافة ويُعمل على أن تشعر المجموعة بأنها غيرُ قادرةٍ على فهم التقدّم السريع للتقنيات، كي تخلق تفاوتاً بين طبقات المجتمع.

8 ـ استراتيجية تشجيع المشاهد أو المجموعة على ألاّ تقبل إلاّ بالبرامج التافهة وأن تفرحَ بها
بمعنى أنه لا بأس بمشاهدة هكذا برامجَ فهي مسلّية. هذه خطورة قصوى، تقضي على العقل وتُفرِغه من التفكير. ويُروَّجُ لهذه البرامج بشكل مكثَّف. فالمشاهد يرى كلّ شيء ويتفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي كما أنه يؤسس لفكره أرضية ثقافية ممّا يسمعه ويراه من خلال هذه البرامج. وغالباً ما يكون المستوى في الإنشاء واللغة منكهاً بين ركاكة مخيفة وهزل مفرط.

9 ـ استراتيجية الشعور بالذنْب بدل الثورة على الخطأ
تمارس هذه الاستراتيجية عندما تكون الحكومات عاجزة عن تقديم حلول. إنَّ ارتفاع سعر الدولار في لبنان هو من غلطة المواطن الذي يعيش على مشاريع الريع والاعتياد على الدَين. إنّ البطالة هي مشكلة المواطن الذي لا يعرف كيف يجد فرص العمل.


10 ـ استراتيجية معرفة الأشخاص أكثر ممّا يعرفون هم أنفسهم بشكلٍ جيّد
إنّ التقدّم في العِلم والتكنولوجيا والتقنيّات وعِلم الفيزياء ساعد على معرفة الكثير عن الإنسان وما يتعلّق بسلوكيّاته وشخصيّته. فهناك هوّة بين معرفة الحكّام أو من يديرون الحكم وبين الشعب. هذا يعني أنّ المعرفة التي يحصل عليها الحكّام تبقى بين أيديهم من أجل السيطرة على إرادة الشعوب. ولا يجب أن ننسى أنّ شركات استطلاع الرأي والقنوات الإعلامية وكافة الوسائل هي تابعة لجهة معيّنة ومموَّلة من جهة معيّنة وفي الأغلب هي الجهة الحاكمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى