أحدث الأخبارشؤون امريكية

لا أســتــطيــع التــنــفــس … ونــهايــة دجــل امبــراطوريــة 

مجلة تحليلات العصر الدولية

بقلم: صالح الصريفي

كلمتان سترسمان نهاية اعظم امبراطورية للشر والدجل في العالم الحديث ، نهاية 400 اربعمائة عام من الحروب والتوحش والقتل والمجازر والدماء والرق والعنصرية والديمقراطية المزيفة والعدالة المفقودة والحرية المنتهكة .
صحيح ان جريمة قتل المواطن (الأسود) جورج فلويد لم تكن هي الاولى ولا الاخيرة في سجل النظام العنصري الامريكي ضد المواطنيين ( السود) ، ….
وصحيح ايضا ان هذه الانتفاضة هي احتجاجات شعبية مطلبية وحقوقية ، سرعان ماتنتهي وتتوقف كسابقاتها نظرا لقدرة وخبرة وتجربة الاجهزة الامنية الامريكية في انهاء مثل هذه الاحتجاجات الشعبية والاعمال الامنية بشتى الوسائل والطرق سواء الطرق القانونية التلفيقية ( الاعتقال العشوائي والاتهام الجزافي ) أو الطرق غير القانونية ( القمع والعقوبات والتهديد بالطرد والحرمان من العمل والتعليم والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي ) .
ولكن الأصح والاهم ان هذه الجريمة وهذه الاحتجاجات ، وعلى الرغم من الاعمال الامنية والخروقات المخلة في الحرق والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة ، الا انها ستأسس لمرحلة جديدة على اعتاب عالم مابعد “كورونا ” في افول وزوال النظام الرأسمالي الامريكي المتوحش ، خصوصا وان المواطن الامريكي العادي ( الكاسب والموظف والعامل والفقير ) بات هو المتضرر الوحيد من تداعيات أزمة كورونا الصحية والاقتصادية وانهيار سوق العمل الامريكي وانتشار البطالة والفقر والجوع .
ومثلما عرّت أزمة كورونا عورات النظام الرأسمالي كذلك كشفت جريمة قتل جورج فلويد عنصرية النظام الامريكي ووحشية وعدوانية اجهزته الامنية اتجاه المواطنين الامريكيين العزل خصوصا ( السود ) منهم ، ومدى انتهاكها لقواعد حقوق الانسان التي طالما عزفت الادارات الامريكية المتعددة على اسطوانتها المشروخة ، وتسويقها كمبرر للتدخل في شؤون الدول .
كما ان هذه الاحتجاجات جاءت في وقت وزمن والنظام العالمي بدوله وشعوبه وحكوماته ومؤسساته الدولية يضج ويأن من سياسات الغطرسة والهيمنة والتنمر الامريكي في خرق المعاهدات والمواثيق الدولية ، وفرض الحصار والعقوبات أحادية الجانب ضد كل من لم يتماشى مع سياساتها ومشاريعها وبرامجها الخاصة
وبالتالي بات كل العالم معبأ ضد سياسيات الولايات المتحدة الامريكية الداخلية ضد مواطنيه السود والمهاجرين ، والخارجية ضد الشعوب والدول ، هذا من جهة ومن جهة اخرى بات العالم مهيأ للتعرف على حقيقة هذا النظام وتاريخه الدموي .
ولعل من الاهمية بمكان الاشارة بشكل موجز الى تاريخ “امريكا التي تأسست منذ 242 عاما في العام 1776م ، وقضت منهن 221 عاما وهي في حالة حرب !! و اشعلت حروبا اهلية في 85 دولة !! وحاولت اغتيال 54 زعيما وطنيا في دول العالم الثالث “! .

امريكا التي وصفها ( فاديم باكاتين ) آخر مدراء جهاز الاستخابرات السوفياتي السابق الـ KGB امام الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش الاب قائلا ( انتم بلد قام بالحرب وتوحد بالحرب وعاش على الحرب فطبيعتكم البشرية لاتعرف السلام ولا العيش في عالم يدون حروب ومؤامرات وإن لم تجدوا عدوا حقيقيا تشبعون شهوتكم في القتال بمحاربته تقومون فورا بصناعة عدو وهمي تخدعون فيه شعبكم لإبتزازه بفرض ضرائب ضخمة لتمويل مشاريعكم العسكرية تحت زعم الحرب على العدو الذي ان لم تتصدوا له فسوف يلتهمكم ويقضي عليكم ) .

نعم هذه حقيقة امريكا التي دفعت صحيفة نيويورك تايمز العام الماضي 2019 وتحت ضغط حقائق التاريخ المزيف لأمريكا الى تبني مشروع (1619)وهو عبارة عن مبادرة كبيرة من الصحيفة للاحتفاء بالذكرى السنوية الأربعمائة لبدء الرق في أمريكا ومدى توحش الرأسمالية الامريكية.

والمشروع عبارة عن سلسلة من المقالات بقلم ( ماثيو ديزموند) تبحث في إرث الرق
في امريكا وحقيقة نظامها الرأسمالي.
ومما يقول الكاتب( ماثيو ديزموند ) في مقالاته … ( ان عبارة “هذا مجتمع رأسمالي” باتت تعويذة قدرية تلقى على مسامع أي شخص يتساءل “لماذا ليس بإمكان أمريكا أن تتحرى الإنصاف والمساواة؟”. ولكن العالم يعج بالكثير من أنماط المجتمعات الرأسمالية، والتي تتراوح ما بين التحرري والانتهازي وما بين الموفر للحماية والمتسبب بالضرر وما بين الديمقراطي وغير المنظم. وعندما يقول الأمريكيون “إننا نعيش في مجتمع رأسمالي” – كما قال تاجر عقارات في تصريح لصحيفة ذي ميامي هيرالد في العام الماضي حين كان يشرح مشاعره حول أصحاب المشاريع التجارية الصغيرة الذين طردوا من محلاتهم في ليتل هايتي – فما يدافعون عنه إنما هو اقتصاد بلدنا المتفرد بقسوته، أو ما أطلق عليه جويل روجرز، أستاذ علم الاجتماع في جامعة ويسكونسن ماديسون، “رأسمالية الطريق الهابط”) .
ويقول ايضا ( في المجتمع الرأسمالي الذي يتعرض للهبوط، تنخفض الرواتب بينما يتنافس أصحاب المشاريع التجارية على أسعار البضائع، وليس على جودتها، ويتم تحفيز ما يسمى بالعمالة غير الماهرة من خلال العقوبات لا المكافآت، ويسود انعدام المساواة وينتشر الفقر.
في الولايات المتحدة، يملك قطاع الواحد بالمائة الأوسع ثراء بين الأمريكيين أربعين بالمائة من ثروة البلاد، بينما يعيش القطاع الأكبر من الناس الذين تتراوح أعمارهم بين 18 الثامنة عشرة و 65 الخامسة والستين في حالة من الفقر تتجاوز مستوى الفقر الذي تعيشه نفس الشريحة في أي من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أو إي سي دي).
ويسترسل الكاتب ماثيو ديزموند
( ولو تأخذ بعين الاعتبار حقوق العاملين في البلدان الرأسمالية المختلفة. في آيسلندا، ينتمي 90٪؜ تسعون بالمائة من العمال الذي يتلقون رواتب شهرية إلى نقابات مهنية مخولة بالدفاع عنهم والنضال من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية وضمان أن تكون ظروف العمل منصفة لهم.
وفي إيطاليا، ينتمي 34٪؜ أربعة وثلاثون بالمائة من العمال إلى نقابات مهنية، وتصل النسبة في حالة العمال الكنديين إلى 26٪؜ ستة وعشرين بالمائة.
أما في الولايات المتحدة فلا تتجاوز نسبة العمال الذين يحملون بطاقات نقابية 10٪؜ العشرة بالمائة !! ، تمنح منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية علامات للبلدان بناء على عدد من المؤشرات، مثل كيفية تنظيم البلدان لترتيبات العمل المؤقت. تتراوح هذه العلامات بين 5 خمسة (صارم جداً) إلى 1 واحد (فضفاض جداً). تحصل البرازيل على 4.1 بينما تحصل تايلاند على 3.7 بما يشير إلى قواعد تنظيمية حازمة تجاه العمل المؤقت. وإذا نزلنا إلى تحت نجد أن النرويج تحصل على 3.4 والهند على 2.5 واليابان على 1.3. أما الولايات المتحدة فتحصل على 0.3 حيث تأتي في المرتبة الأخيرة بجانب ماليزيا. وإجابة على سؤال، ما مدى سهولة فصل العمال من وظائفهم، تحصل أندونيسيا على 4.1 والبرازيل على 3، بما يعكس قواعد قوية لتنظيم مبالغ التعويضات وأسباب الفصل من العمل. وتصبح هذه القواعد أكثر تساهلاً في بلدان مثل الدنمارك (2.1) والمكسيك (1.9).
أما في الولايات المتحدة فتتلاشى تماماً هذه القواعد حيث تأتي البلاد في المرتبة الأخيرة من بين واحد وسبعين بلداً. علماً بأن العلامة التي تحصل عليها أمريكا في هذا المجال هي 0.5.

ثم يضيف ( ماثيو ديزموند في صحيفة نيويورك تايمز )
( أولئك الذين يبحثون عن الأسباب من وراء كون الاقتصاد الأمريكي متفرداً في قسوته ولا شيء يكبح جماحه يجدون ضالتهم في كثير من الأماكن (الدين، السياسة، الثقافة). إلا أن المؤرخين أشاروا حديثاً، وبشكل مقنع إلى حقول جورجيا وألاباما التي يعيث فيها البعوض، وفي بيوت القطن، وفي مزادات بيع وشراء العبيد، باعتبارها مهد المقاربة الأمريكية، مقاربة الطريق الهابط تجاه الرأسمالية.
كان الرق بدون أدنى شك منبع الثروة الاستثنائية التي حظيت بها الولايات المتحدة. فقد كان وادي الميسيسبي عشية الحرب الأهلية موطناً للأثرياء من أصحاب الملايين يفوق عددهم بالنسبة إلى عدد السكان عدد من كان يعيش في أي مكان آخر في الولايات المتحدة. وكان القطن الذي يزرعه ويحصده العمال المسترقون هو أهم صادرات البلد، وكانت القيمة الكلية للمسترقين من البشر تفوق قيمة كل السكك الحديدية والمصانع المقامة في البلاد. وكانت نيو أورلينز تتباهي بأن لديها كثافة من رؤوس المال المصرفية تفوق تلك التي لدى مدينة نيويورك. إن الذي جعل اقتصاد القطن يزدهر في الولايات المتحدة، وليس في كل أطراف العالم الأخرى حيث يتوفر المناخ والتربة المناسبين لإنتاج المحصول، هو استعداد بلدنا الجازم لاستخدام العنف ضد غير البيض من البشر وفرض إرادتها على ما بدا موارد لا نهاية لها من الأراضي والأيدي العاملة. وعندما خيرت بين الحداثة والهمجية، وبين الرخاء والفقر، وبين التزام القانون والتوحش، وبين الديمقراطية والشمولية، اختارت أمريكا كل ما سلف.

مر ما يقرب من 160 مائة وستين عاماً فقط على إنهاء الرق، ومع ذلك ليس مفاجئاً أننا مازلنا نشعر بوجود هذه المنظومة التي ساعدت على تحويل بلد فقير ناشئ إلى عملاق مالي. ولعل الجزء المفاجئ يتعلق بكثير من الأساليب المرعبة التي نشعر من خلالها بالعبودية في حياتنا الاقتصادية. كتب المؤرخان سفين بيكيت وسيت روكمان يقولان: “إن العبودية الأمريكية مطبوعة بالضرورة في المادة الوراثية للرأسمالية الأمريكية.” ويقولان إن المهمة الآن تكمن في “إعداد جدول بالصفات السائدة والمتنحية” التي عبرت إلينا جيلاً بعد جيل، وتحري خطوط تلك السلالات المقلقة، التي يصعب في العادة تمييزها، والتي تتجلى الآن في سلوكيات الجيلين الثالث والرابع.

ويضيف الكاتب في حلقة اخرى …
( كانوا يقطفون في صفوف طويلة، أجساد منحنية تتمازج داخل حقول القطن البيضاء. رجال ونساء وأطفال، يقطفون مستخدمين كلتا اليدين لإنجاز العمل بسرعة. بعضهم كان يقطف وعليه قطعة قماش تعرف بزي الزنوج، إنها المادة الخام التي أنتجوها وقد عادت إليهم منسوجة في مصانع نيو إنجلاند. وبعضهم كان يقطف وهو عار تماماً، بينما الأطفال الصغار يجرون بالماء بين صفوف من الظهور المحدبة. في هذه الأثناء يراقب الحرس من فوق ظهور الخيل بأعينهم جموع القاطفين من العمال المسترقين، الذين يضعون ما جمعوه في أكياس تتدلى من أعناقهم. وما أن تغيب الشمس وتتوارى أشعتها عن الحقول، تبدأ عملية وزن ما جمعه كل منهم، وكما ذكر الرجل المعتوق تشارلز بول، ما كان بإمكانك “التمييز بين الأعشاب ونباتات القطن”. ويل للعاملين إذا كان وزن ما جمعوه خفيفاً، حينها ينتظرهم الجلد بالسياط. وكما كتب بول: “ما كان ليفلت من العقاب من كان يوم عمله قصيراً”) .
كان القطن في القرن التاسع عشر يمثل ما مثله النفط في القرن العشرين: كان واحداً من أكثر السلع تجارة في العالم. كان القطن في كل مكان، في ملابسنا، في المستشفيات، في الصابون. قبل أن يبدأ تصنيع القطن كان الناس يرتدون ملابس ثمينة مصنوعة من الصوف أو من الكتان، وكانوا يغطون أسرتهم بالفراء أو القش. وكل من أجاد إنتاج القطن تفوق، إلا أن القطن كان بحاجة إلى الأرض. وليس بإمكان الحقل إنتاج سوى سنوات محدودة من القطن قبل أن تفقد تربته خصوبتها. كان المزارعون يشهدون كيف أن الهكتارات التي أنتجت ألف رطل من القطن لم تعد تنتج بعد مواسم قليلة سوى أربعمائة. ثم نمت بقوة الحاجة الماسة إلى أراض زراعية جديدة بعد اختراع محلاج القطن في تسعينيات القرن الثامن عشر. قبل المحلاج كان العمال المسترقون ينتجون من القطن أكثر بكثير مما كان بوسعهم تنظيفه، ثم جاء المحلاج ليكسر عنق الزجاجة، وبات بإمكان المزارعين تنظيف كل ما ينتجونه من محصول.

وينتهي الكاتب (ماثيو ديزموند) الى القول
(حلت الولايات المتحدة المشكلة الناجمة عن نقص الأراضي من خلال مصادرة ملايين الهكتارات من السكان الأصليين في البلاد، وعادة ما كان ذلك يتم من خلال استخدام القوة العسكرية، وهكذا تم الاستيلاء على أراضي جورجيا وألاباما وتينيسي وفلوريدا. ثم كانت تبيع تلك الأراضي للمستوطنين البيض بأبخس الأثمان – فقط 1.25 دولاراً للهكتار الواحد في مطلع ثلاثينيات القرن التاسع عشر (أي ما يعادل 38 دولاراً بعملة اليوم). كان طبيعياً أن يستغل ذلك المضاربون على الأراضي، فكانوا أول من أثرى من ذلك. كما أثرت من ذلك الشركات العاملة في الميسيسيبي، حيث كانت تشتري الأراضي بثمن بخس ثم تبيعها مباشرة بأضعاف مضاعفة) .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى