أحدث الأخبارالخليج الفارسيةالسعوديةقطر

لا مصالحة مثمرة مع قطر قبل وأد الأحقاد والنوايا الشريرة تجاهها

مجالة تحليلات العصر الدولية - أسعد العزّوني

هذا المقال برسم المنطق والتاريخ ولا علاقة له بالإصطفافات والتخندق ،ولست معنيا إن رضي البعض أو غضب منه فهذه قناعتي ،لأن الواقع يغني عن الكتابة ويكرس نفسه ويفضح أصحاب النوايا الشريرة ،الذين لا يريدون الخير لغيرهم الذي تفوق عليهم بعقليته وجهوده ،مع إنه لا يقل ثراء عنهم ،لكنهم إختطوا طريقا مغايرا للسلامة وألحقوا الأذى والخسائر بأنفسهم ،ظنا منهم أنهم سينجحون في إجتياح قطر عسكريا بواسطة المرتزقة بعد حصارها ،ليس لشيء سوى حسدا وغيرة وحقدا على ما أنجزته دولة قطر من تقدم ونهضة وسمعة عالمية طيبة،إنطلاقا من وعي صانع القرار فيها الذي جمع حوله نخبة طيبة يعينونه على إدارة الأمور ،كما رأينا إبان الحصار الغاشم.
لا نأتي بجديد عندما نقول أن الصراع ليس وليد اليوم ولا إبن لحظته ،فالتحالف إياه يبلغ من العمر عتيّا،ولدية محاولات عديدة تهدف لإجتياح قطر بعد شراء المرتزقة من تشاد وغيرها،ولكنه لم ينجح في أي محاولة ،وكانت قطر تخرج منتصرة ،ولكنها لم تفكر بحقد مقابل ،إلى درجة أن صناع القرار فيها كانوا يفضلون عدم إقامة المصانع في قطر ،رغبة منهم في فسح المجال للأخوة في دول الجوار لتسويق منتجاتهم فيها ،ولكن الحسد والغيرة والحقد لا يتركون للود والمحبة مكانا،وقد تصرفت دولة قطر هذه المرة بما يعود بالمفع عليها وعلى شعبها ودخلت بوابة الإنتاج الثقيل والنهضة الشاملة من أوسع الأبواب ،وحوّلت صحراءها القاحلة إلى جنان غنّاء تثمر غذاءا ينافس المستورد،وقد أعطينا هذا الموضوع حقه في كتابنا المشترك مع الدكتور فرحان عاصي الجرباء الصادر عام 2019 بعنوان”قطر ..الجذور التاريخية”.
بعد تغييب الرئيس الأمريكي السابق المقاول ترمب عن المشهد السياسي ،بادرت القيادة السعودية ممثلة بالملك سلمان بمصالحة مع دولة قطر ،ووجهت الدعوة لسمو الأمير تميم لحضور قمة العلا الخليجية 41 يوم الخامس من كانون ثاني 2021،وأكبرنا في السعودية هذه المبادرة ،وإستبشرنا خيرا ،أن صفحة سوء ستطوى في عالمنا العربي المثقل بالسوء وبالمؤامرات،وقلنا أن الأخ الأكبر في الخليج سيجبر الأخ الشقي الأصغر على السير في طريق الخير وطيّ صفحة الماضي مع دولة قطر إنطلاقا على الأقل من مقولة خليجينا واحد،ولكن الملك سلمان لم يتمكن لسوء نوايا الآخر من خلق واقع جديد ،وخرج علينا صراع إماراتي –سعودي جديد ليلهب الساحة ويضفي عليها غيوم شتاء سوداء،وليس سحابات صيف.
السؤال الذي يطرح نفسه ويضرب زوايا العقل الحادة هو:هل السعودية التي يقرر سياستها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان جادة في المصالحة مع قطر؟ولماذا لم يبادر مبس إلى زيارة الدوحة لإبداء حسن النوايا وطيّ صفحة الماضي المرهقة؟رغم أن صانع القرار في دولة قطر أظهر الكثير الكثير من حسن النوايا تجاه الشقيقة الكبرى في الخليج السعودية ،وآخرها تعيينه سفيرا معتبرا جديدا لدى الرياض وهو سعادة الأخ السفير المفوض فوق العادة الذي يحمل مرتبة دبلوماسية هي الأعلى في مراتب السفراء بندر محمد عبد الله العطية ،الذي عرفناه دبلوماسيا فذّا في عمّان قبل الحصار،وينتمي لعائلة كبيرة وقوية في قطر ،وإنطلاقا من معرفتنا بسعادته ومقام والده الكبير ،فإننا نتأمل خيرا في أدائه ،شرط توفير بيئة صحية له ،بمعنى المعاملة بالمثل .
كشفت مصالحة العلا أن السعودية لم تعد هي صاحبة القول الفصل في الخليج،خاصة بعد أن تنمّر ولي عهد الإمارات ودخل في نفق التطبيع التهويدي مع مستدمرة إسرائيل ،ونزع الإمارات من محيطها العربي وخلع عنها هويتها العربية ،ولمسنا هذا إبان نشاط مجلس التعاون الخليجي إذ لم تنجح السعودية في تمرير مخططاتها على بقية دول المجلس مثل النقد الموحد وغير ذلك،وتبين أن غالبية دول الخليج وحاصة الإمارات وسلطنة عمان وقطر والكويت ،كانت بالمرصاد لكل النوايا السعودية الهادفة للهيمنة على دول الخليج العربية.
لو أجرينا مقارنة سريعة بين دولة قطر وخصومها الحاسدين في مجال الثراء ،لوجدنا أن قطر ليست الأغنى في الخليج،ومعروف إنها دولة صغيرة المساحة والسكان،ولكنها وبفضل سياسة صانع القرار فيها جعلت من العالم إمتدادا لها ،وكانت ادواتها في ذلك كثيرة أهمها:قناة الجزيرة وبناتها ،التي رسمت حدود قطر وعدد سكانها بعدد المشاهدين لها في العالم وأين يصل بثها،وكذلك الخطوط الجوية القطرية التي أسهمت هي الأخرى بتوسيع حدود قطر الدولية وزيادة عدد سكانها ،إذ أضافت لسكان قطر الركاب الذين تقلهم ،وجعلت من المطارات والدول التي تهبط فيها ضمن حدود قطر،ولا ننسى عامل الإغاثة الإنسانية ودوره في توسيع حدود قطر وزيادة عدد سكانها الإفتراضيين ،حيث شمل كافة المهمشين والمحتاجين الذين تصلهم الإغاثة الإنسانية القطرية بدون تمييز في العرق أو اللون او الدين أو اللغة،ناهيك عن دور ناقلات الغاز القطري التي تجعل المواني التي تصلها حدودا لدولة قطر وتضيف مستخدمي الغاز القطري إلى قائمة سكان قطر،وهذا ما يفتقده الخصوم الذين لا يحسنون التصرف بثرواتهم ،ولا يستغلونها لصالح شعوبهم.
عند إستعراضنا لمسيرة قطر نجد الأثر والتأثير،فقد نجح صانع القرار فيها بتثبيت بصمة قطر في كافة أرجاء العالم ،بدليل أنه قلب الأمور إبان الحصار لصالحه ،فكان الشيخ تميم يزور عواصم صنع القرار العالمية الكبرى وفي مقدمتها نيويورك وواشنطن ،ويتم إستقباله إستقبال الفاتحين ،في حين أن خصومه محجور عليهم ومطلوبون للقضاء الدولي،وهذه ميزة لا توجد إلى في قطر،التي قلبت ظهر المجن للتخلف واحضرت جامعات العالم الكبرى إليها ،وهذه الخطوة بحاجة لدراسة من قبل المعنيين ،لتأثيرها الإيجابي في الحفاظ على ثروة الوطن الحقيقية وهم الشباب الذين يسافرون للدراسة في الخارج،ويتعرضون للإبتزاز والضياع.
يمكن وصف دولة قطر بأنها صاحبة أكبر ملف للمصالحات العالمية وأغنى ملف تحالفات بتحالفها مع القطبين الإقليميين إيران وتركيا ،وإمتازت بمتابعة الملف حتى تحقيق المصالحة ،ولا مجال هنا لإستعراض الملف لثقل حجمه ،ومن يرغب بذلك يستطيع الدخول عليه في إمبراطورية العم غوغل،وآخر المصالحات ما يتعلق بأفغانستان ،وما يزال الملف مفتوحا حتى اللحظة،في حين نجد البعض يعانون من تصحر وإفلاس في هذا المجال،ولا يشهد لهم بتحقيق أي مصالحة ،بل على العكس من ذلك ،فإنهم يعملون على خلق الفتن وإثارة المشاكل هنا وهناك،وآخر جرائمهم ما حدث في تونس مؤخرا.
العلاقة مع إيران مؤشر على النجاح او الفشل ،وقد سارت دولة قطر في الطريق القويم عندما إستثمرت علاقاتها مع قطر وعززتها منذ اليوم الأول للحصار،وكذلك فعلت مع تركيا ما أعانها على الصمود ،لإيمانها بأن العامل الداخلي وحده لا يحقق الهدف،وهذا ذكاء نابع من ذكاء يفتقد إليه الخصوم الذين يعادون كلا من إيران وقطر،وقد نجح الأردن مؤخرا في رأب الصدع بين افمارات وتركيا بعد او وصلت الأمور إلى مرحلة كسر عظم بينهما ،لتطاول مبز على تركيا وعبث أدواته مثل الجاسوس دحلان على الأمن القومي التركي،ولا ننسى بطبيعة الحال جريمة إغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإستانبول على يد فريق مبعوث من قبل ولي العهد السعودي.
لا نستطيع القول أن دولة قطر إستخدمت التوازن في سياستها الخارجية – الأردن نموذجا- بل إستخدمت ذكاء بعيد المدى،بحفاظها على حبل الود مع الأردن الذي بادلها هو الآخر هذا التصرف ولم يشترك في حصار قطر ،ودفع ثمنا باهظا،ولا ننسى إن الخصوم منعوا جلالة الملك عبد الله الثاني من القيام بدور المصالحة إبان كان رئيسا للقمة العربية،كما إنهم أعاقوا مبادرة الراحل الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت السابق.
ميزة أخرى أضافها صانع القرار إلى ملف دولة قطر وهي أن قطر تصرفت في هذا الملف بذكاء ليس بعده ذكاء،وتطهرت من رجس تعمد الخصوم تغطيس أنفسهم في مجاريه ،إذ قامت بتقنين علاقاتها مع “إسرائيل” وهي تعلم غنها مفتاح التعقيد والحل في المنطقة ،ومع ذلك تصرفت الدوحة بطهارة نقية في هذا المجال،رغم إندلاق الخصوم في تطبيع تهويدي مع إسرائيل ،وهذه النقطة تحسب لها عن مئة علامة،لأنها دليل ذكاء لصانع القرار في الدوحة ومؤشر غباء للخصوم المنسحقين امام إسرائيل وبمسميات عديدة.
قضية أخرى تمثل بيضة القبان بالنسبة لدولة قطر وهي العلاقة مع القضية الفلسطينية،إذ أن الدوحة ورغم الحصار الغاشم والوضع المعقد ،لم تتراجع عن دعمها للفلسطينيين في قطاع غزة تحديدا ولم تقصر مع سلطة اوسلو،كما إننا لم نسمع أصوات خيانة في قطر تشيطن الفلسطينيين وتتهمهم ببيع أرضهم لليهود،وتمجد إسرائيل وتطلب زيارة لتل أبيب للذهاب إلى شارع “ديزنكوف”،الذي يحوى مومسات تل أبيب المرخصات،بينما الخصوم فجروا في خصومتهم مع الفلسطينيين ،وها هي السعودية تعتقل ممثلي حركة حماس لديها وتحكم عليهم بعشرات السنين سجنا بتهمة دعم المقاومة ،في حين أن ولي عهد أبو ظبي ذهب إلى أبعد من ذلك وأعلن وحدة حال مع إسرائيل.
وختاما فإن الخصوم لن ينجزوا “مصالحة مثمرة”مع قطر ،بدون قتل أحقادهم ونواياهم الشريرة تجاهها ،ومعرفة الأصول في قواعد التعامل الدولي ،وإعتبار إيران وتركيا دولا أساسية في الإقليم يصعب تهميشها،وضرورة الإبتعاد عن إسرائيل المنزلقة إلى الزوال رغم تعهدهم وتبنيهم ودعمهم لها،ولا بد عليهم من مغادرة خندق التآمر على دولة قطر،وآخر الجرائم محاولة تحريك قبيلة آل مرة في قطر ضد الحكم،ونحن هنا لسنا معنيين بالغوص في هذا الموضوع لأنه محلي صرف ،وحكومة قطر ادرى بملف مواطنيها،كما غن الخصوم يفتقدون للشفافية في هذا المجال،وننصح الخصوم بالإستفادة من خبرات قطر كي تسمح لهم بالمشاركة في أفراحها التي ستنطلق العام المقبل بإذن الله بمناسبة إحتضان قطر لمونديال 2022،وعليهم أن يفهموا أن إلحاق الأذى بقطر بات مستحيلا حتى لو أنتجوا وموّلوا ألف فيلم مسيء لها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى