أحدث الأخبارلبنان

لبنان:بيئة المقاومة بعد ٤٠ عاماً… من بيئة مُستضعَفة لبيئة قائدة…

مريم نسر
كتّاب الديار

العصر-لم نشهد يوماً قائدا يُبْكيه شعبه امتناناً وحباً، ولم نشهد شعباً يَبكي مِن أجل قائده امتناناً وحباً.. هنا يكمن سر الحب الإلهي…

لا يختلف أحدٌ على أن لبيئة المقاومة سر ولقائدها سر لنرى هذه العلاقة الإستثنائية التي لم نرها يوماً بين قائد وشعب.

فالقائد الذي يهز العدو بإصبعه لا يستطيع أن يتحدّث عن شعبه دون غصة ودمعة تُعبِّر عن امتنانه لهم واعتراف بجميلهم لأن هذه البيئة بالنسبة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ليست مجرّد حاضنة بل هي معسكر تضحية وهو عبّر أكثر من مرة أنها هي المقاومة بحدّ ذاتها، أما اللافت أن السيد نصرالله وكأنه يُقارِن بين هذا النموذج من أنصاره وأنصار الأئمة المعصومين عبر التاريخ فتكون النتيجة أن الله وفّقه بمناصرين يتمنّاهم أهل البيت (ع) لذا يشعر بمديونية تجاههم خاصة وأنه يعلم بأن الأذى يَطالهم والحصار بسبب انتمائهم للمسيرة وثقتهم بقائدها.


صاحب العمامة والرمزية الدينية يرتبط به الناس ويثقون به بدرجة قربه من الله وهذا أيضاً انعكاس طبيعي لثقة السيد نصرالله بشعبه الذي يتحسس جهوزية القيادة بالتضحية ومصداقيتها في مواساة الناس التي تنجذب لهذا النموذج القيادي.

صاحب الوعد الصادق لديه ما يستند عليه بوعوده، هناك الوعد الإلهي الذي صدَق في كل مراحل المقاومة(الثقة بالله) والتحليل الموضوعي لعناصر القوة وموازين الصراع بحيث نرى الشفافية والوضوح ونرى أن السيد يجمع بين أمرين العقلانية والروحانية إضافة الى ثقته العالية جداً بتقديرات السيد علي خامنئي وما حرب تموز إلا دليلاً على ذلك، ولا يخلو الأمر من مُبشِّرات وإخبارات غيبية.

«كربلاء» هي جوهر الإنتماء لحركة بيئة المقاومة، بحيث أن عاشوراء هي النموذج الأعلى للمقاومة التي استطاعت من خلالها تغيير الواقع الضاغط بحيث أن قلة العدد وعدم وجود الناصر لا يُلغي التكليف بالمواجهة إذا كانت كلفة عدم المواجهة أكبر، من هنا نقول ان العقيدة جوهرها عاشوراء ويُغذّيها أمل دائم تمهيداً( للإمام المهدي عج).

مرّت هذه البيئة خلال أربعين عاماً بثلاث مراحل كانت المرحلة الأولى اكتشاف الذات الثقافية من خلال ما طرحه الإمام الخميني حول الإسلام الثوري وما طرحه الشهيد السيد محمد باقر الصدر بأطروحة الإسلام الذي يقود الحياة، ففي هذه المرحلة أصبح هناك انتماء للفكرة أي الإنتماء للهوية الثقافية والعقائدية مقابل الغزو الثقافي المزدوج اليساري-الماركسي والثقافة الغربية القائمة على محورية رأس المال فأتى الإسلام ليقول ان هناك هوية أخرى، وعندما عادت الى هويتها أنتجت المقاومة. في المرحلة الثانية تطوّرت البيئة من خلال التضحيات حيث تم الإستقطاب بسبب الجهاد والشهادة، فجيل الثمانينيات يُعبِّر بهذا الخصوص بالقول انه استُقطِب بتشييع الشهداء حيث أن المسلّمات الشرعية والشهادة أبرز عناوين الصدق للإنتماء الإجتماعي، أما المرحلة الثالثة فكانت جاذبية الإنجاز والتحرير وبروز مصداقية النموذج القيادي وهذه ميزة حزب الله… من هنا يمكننا أن نقول ان هذه المراحل متصلة وليست منفصلة، فالفكرة طوّرها الإنجاز وجاذبية الشهادة تطوّرت لأنها حققت الإنجاز. ففي تجربة المقاومة الفكرة لها جاذبيتها والنتائج عززت الفكرة بمعنى الإنجازات تتحدث عن نفسها، ما يعني أننا أمام بيئة صنعتها الفكرة والتضحية ومصداقية الإنجاز.

بعد كل التضحيات والإنجازات… خرجت هذه البيئة الى مجتمعها بكل تواضع كإستراتيجية تطمين لشركائها في الوطن فبدل أن تُقدَّر شعرَت بمظلومية وأذى وليس بغربة كما يحاول أن يُغرِّبها البعض بحيث أنها باتت رافعة الوطن، بما قدّمته وبثقافتها الإستيعابية لشركائها وبتمييزها بين الداخل والخارج. فهي لا تخوض صراع داخلي ولا إثبات هوية بل هي بمرحلة استثمار حيث أنها نجحت على مستوى المواجهة العسكرية والإقتصادية والحصار وهي الضامنة لاسترجاع لبنان لثرواته المُنعِشة إقتصادياً.


أما على صعيد تشويه الصورة، فقد شكّلت مواقع التواصل الإجتماعي فرصة لضرب احتكارية الإعلام المملوك من قِبل الدول والمموَّل من قِبل السفارات كما شكّلت اختراقاً لتقديم صوَر فردية تراكمية ضربت الصورة النمطية التي حاول الإعلام تكريسها حول بيئة المقاومة من خلال فرصة التواصل المباشر مع هذه البيئة وعرض فعالياتها وثقافتها. فانتقلت من الدفاع الخشن الى الهجوم الناعم، عدا عن الميزة التي تتمتع بها ألا وهي تواصلها مع قيادتها من خلال الإطلالات المتكررة والفعاليات، حتى يمكننا القول انها بيئة قيادتها تعتني بها جيداً.

من قلة قليلة في وطن، الى قوة ونموذج إقليمي ذو تأثير دولي تحمي وطناً، فبعد ٤٠ عاماً تحوّلت هذه البيئة من بيئة مُستضعَفة الى بيئة قائدة، ومن بيئة معزولة مُحاصرة مضحيّة الى بيئة حاضنة لمشروع المقاومة ومشروع استرجاع لبنان لسيادته وقدرته على التمرّد بوجه السياسات الخارجية، بيئة مُطمَئِّنة لمستقبلها.

أربعون عاماً مضت، كانت مرحلة نضج بالتجربة وتثبيت قواعد الإستمرارية وحسم اتجاه الأولويات وتقييم نقاط الضعف، ونحن على مشارف خطوة ثانية لـ ٤٠ عاماً قادمة، سنوات قليلة منها ستَظهر فيها نتائج التحوّلات النوعية لمسار بيئة المقاومة وخياراتها إن كان بمسار قوة الردع، أم بمسار جرعة التدخل بالحياة السياسية الداخلية وبناء المؤسسات والمواجهة الإقتصادية ورفع مستوى الخدمات والمبادرات الشعبية المواكِبة للتحديات، عدا عن أنها باتت التحديات القادمة متوقَعة ومرسومة والأهم أنه خلال ٤٠ عاماً شُكِّلت مجموعات خارج الأُطر الحزببة تشعر بالمسؤولية بالحفاظ على كل ما تحقق من إنجازات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى