أحدث الأخبارشؤون امريكية

لكل المخدوعين والغافلين عما تحوكه أمريكا ضد شعبهم وبلدهم ومستقبلهم …..

مجلةتحليلات العصر الدولية - د. شذى البصري

لن يستغرق وقتا طويلا حتى نعرف اسم العملية التي قادتها المخابرات الأمريكية لإسقاط حكومة عادل عبدالمهدي، بمساعدة اطراف محلية واقليمية، وحينها سينكشف جميع العملاء الذين شاركوا كأدوات طيعة ضد حكومة بلدهم التي قادت خطوات حقيقية في بناء الدولة.
فمثلما انشأت المخابرات المركزية الأمريكية في ايران شبكة من العملاء تضم أكثر من مائة عميل، ومولتهم بميزانية سنوية تتجاوز المليون دولار (مليون دولار عام 1953 تعادل 100 مليون دولار كقيمة سوقية للدولار بسعر اليوم ), كذلك انشأت في العراق شبكة من العملاء تضم مئات من المدونين تحت مظلة حقوق الإنسان او حرية التعبير.
آنذاك، طلبت الإدارة الأمريكية من المخابرات أن توظف هذه الشبكة من أجل تدبير عملية انقلاب على رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق عام 1953، والأمر نفسه حدث مع رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي عام 2019.
بعد انتخاب الرئيس (داويت إيزنهاور)، أجرى احد كبار رجال المخابرات (وودهاوس) زيارة الى واشنطن لتقديم تقريره الى الإدارة الأمريكية. وحينها قام الأَخَوان (جون فوستر داليس): وزير الخارجية الأمريكية، و(ألان داليس) مدير المخابرات المركزية، بإبلاغ وزير الخارجية ومدير المخابرات المركزية البريطانيَّيْن بأنهما على استعداد للإطاحة بحكومة (مصدّق)، وقد رشّحا لهذه المهمة ( كيرمت روزفلت) حفيد الرئيس الأمريكي (ثيودور روزفلت) الذي كان يرأس إدارة الشرق الأدنى وآسيا في المخابرات الأمريكية في ذلك الوقت. وبعد الاتفاق وصل (روزفلت) إلى إيران باسم مستعار، هو (جيمس لوكريدج)، من بيروت ثم روسيا والعراق، حاملا خطة جهنّمية ستغيّر مجرى التاريخ الإيراني الحديث بأكمله. ولعله يمكن لأي مطلع ملاحظة التشابه بين دور جون فوستر دالاس عام 1953 فيما يخص الانقلاب على مصدق ايران، ودور مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكية إبان ادارة دونالد ترامب عام 2019 في ما يخص الاطاحة بعبد المهدي العراق.
يتحدث ستيفن كينزر ( Stephen Kinzer ) في كتابه (كل رجال الشاه) عن أول عملية انقلاب للمخابرات الأمريكية في الشرق الأوسط، بعد الحرب العالمية الثانية، والتي مثلت بداية للتدخل الأمريكي السافر في تقرير مصائر شعوب المنطقة، والتحكم في القرارات السياسية فيها. وكينزر الذي ولد عام 1951 هو صحفي ومؤلف وأكاديمي امريكي، عمل سابقا مراسلا لصحيفة نيويورك تايمز، يحكي كتابه أحداث انقلاب عام ١٩٥٣ الذي فجّرتْه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في إيران؛ ذلك الانقلاب الذي أطاح برئيس الوزراء المنتخب، لتبدأ خمسة وعشرون عاما من الحكم الوحشي تحت قيادة (شاه بَهْلَوي). ويعتقد الكاتب انه ظهرت نتيجةً لذلك الحركات الأصولية الإسلامية في الشرق الأوسط، وحركة معاداة الولايات المتحدة. ولان الكتاب كتب بأسلوب روائي شيّق، بما يشبه قصص الرعب، فقد اختارته صحيفة (واشنطن بوست) و(إيكونوميست) كأفضل كتاب للعام الذي صدر فيه، وهو كتاب انصح بقراءته، كلَّ من يريد فهم طبيعة الغزو الأمريكي للعراق وتداعياته اللاحقة.
…………. وبالعودة الى المقدمات التاريخية في ايران؛ ففي العام 1901م، منح الشاه الإيراني المستثمر البريطاني وليام نوكس داسي، الامتياز الحصري للتنقيب عن البترول، وعلى أثر ذلك قام دارسي باحتكار التنقيب، واستغلال وتكرير البترول في إيران، بشرط حصول الشاه على 16% من الأرباح، وعلى الفور قام البريطانيون بتدشين شركة النفط الأنجلو ــ إيرانية AIOC لاستخراج البترول وتكريره، بصفتها الشركة المحتكرة الوحيدة لإنتاج وبيع النفط الإيراني. وبسبب الثروة الهائلة الموجودة في باطن الأرض الإيرانية، ضمنت هذه الشركة تعزيز القوة البريطانية في الحروب العالمية في أوائل القرن العشرين. ولبيان اهمية النفط الإيراني آنذاك، لا بدّ ان نعرف انه في عام 1940م, كان 40% من بترول الغرب يتم إنتاجه في إيران، من ضمنه 75% من استهلاك النفط في أوروبا، الأمر الذي جعل من هذه الشركة تتطور بشكل واسع، حتى صارت تُعرف حاليا بـ(British Petroleum ) المعروفة بانها إحدى أضخم شركات العالم على الإطلاق.
برز اسم محمد مصدق بين عامي 1923 و 1928 عندما كان عضوا لامعا في البرلمان الإيراني، الأمر الذي جعل الشاه (رضا بهلوي) يقرر نفيه بسبب آرائه السياسية والاقتصادية، ثم اضطر لأن يعيده عام 1939 تحت تهديد الضغط الشعبي، لكن مصدق ظل معارضا للتبعية الغربية، ما دفع البرلمان لان يختار طريق الشعب، وان يحقق آمال الشعب الايراني في ثروته، وحينها اطلقت عليه مجلة تايم ( Time Magazine) الأمريكية لقب (جورج واشنطن الإيراني) عام 1952، أو وصف الرجل الأبرز في الساحة الدولية.
حدث التحول الجذري في أبريل/ نيسان عام 1951م، فقد تم انتخاب مصدق رئيسا لوزراء إيران من قبل الشعب الإيراني الساخط على الاحتلال البريطاني، فكان أول قراراته بعد شهر واحد فقط من توليه الحكم، هو تنفيذ قرار البرلمان بتأميم النفط الإيراني ونزعه من أيدي البريطانيين من أجل التخلص من التبعية الأجنبية واعادة حق الشعب الإيراني بثروته. ومثله فعل عبدالمهدي حينما اعلن عدم تطبيق العراق أية عقوبات امريكية ضد اية دولة، ثم راح ليقتطع جزءا من واردات النفط المهدورة ليستثمرها في برنامج النفط مقابل الإعمار (اتفاقية الصين) الأمر الذي يؤدي الى بناء البلاد من خلال قدرة التنين الصينية المتقدم بسرعة الصاروخ, لكن واشنطن أدركت خطورة هذا الاتفاق، الذي يشكّل استغناء جزئيا عن التعامل بالدولار الأمريكي، ما يشجع دولا على الانتقال الى سلة عملات مختلفة، وحينها تفقد امريكا هيمنتها الفعلية على العالم من خلال الدولار، علما انه لا يوجد غطاء مادي للدولار الأمريكي حاليا، سوى قوة امريكا العسكرية.
غضبت بريطانيا أمام هذا التحول الإيراني، وفورا شنت حملة دولية ضد مصدق، وبدأت أولا بالطلب من المحكمة الدولية والأمم المتحدة أن يعاقبوه، ثم الطلب بتجميد الأصول الإيرانية في الخارج، خشية من انتقال فكرة التأميم إلى بقية مستعمراتها، مثلما غضبت امريكا على عادل عبدالمهدي، وبدأت تضيّق الخناق على تعاملات العراق المالية او قضية استثناء العراق في استيراد الغاز الإيراني.
لم تسفر هذه الضغوط عن نتيجة تُذكر مع مصدق، فلجأت بريطانيا إلى تحريك بوارجها الحربية إلى الخليج العربي، لتفرض حصارا خانقا، أدى إلى تدمير الاقتصاد الإيراني، لكن مصدق صمد أمام هذه الحملة الدولية، بسبب وقوف الشعب بجانب سياساته الوطنية، ولأن مصدق أخبرهم منذ بداية الأمر عن الصعوبات التي ستواجه التأميم، عندما وقف أمام البرلمان خاطبا فيهم: (إن الإيرانيين قد قاموا بالكشف عن كنز كان مخفيا، ومن فوق ذلك الكنز يرقد تنين)، وهو يشبه ما قام به عبدالمهدي حينما شرح للبرلمان مخاطر الخيارات المتاحة امام العراق، واوصى لهم بأفضلها وهو الانسحاب الأمريكي من العراق.
بعد أنْ يأس البريطانيون طلبوا من الولايات المتحدة الأمريكية العمل معا من أجل التخلص من خطر مصدق على مصالحها. وبعد أيام قليلة من انتخاب ايزنهاور، تقابل مسؤولون بريطانيون مع مسؤولي المخابرات الأمريكية المركزية CIA، وتم الاتفاق على العمل المشترك من أجل الإطاحة بمصدق، بعدما تيقنت الإدارة الأمريكية، أن في ايران خطرا محتملا على مصالحها، وتهديدا قد يساهم في انتشار حركات التحرر القومي. كما أنها رأت في الانقلاب على مصدق فرصة لتوزيع ثروات إيران بين بريطانيا والولايات المتحدة، بدلا من استئثار بريطانيا بالحصص النفطية وحدها.
أرسلت الولايات المتحدة ضابط المخابرات كيرميت روزفلت (1916 ــ 2000) الذي يطلق عليه مهندس الانقلابات الأمريكية في الشرق الأوسط لقيادة عملية الانقلاب على مصدق، التي سميت بالعملية أجاكس (Operation Ajax) بحسب الوثائق التي تحدثت عن دوره ودور بلاده في انقلاب 1953 في إيران، والتي رفعت عنها السرّية في العام 2013، وبعد أن ظلت تلك التفاصيل متداولة لسنوات عبر مصادر استخباراتية، قبل أن تعترف أمريكا بما جرى اخيرا. ومن المتوقع أن تظهر وثائق حقبة عبدالمهدي، وتعترف الولايات المتحدة حينها، لكن بعد ان يزيد عمر اصغر متظاهر تشريني على خمسين عاما.
ومثلما حدث في العراق عام 2019 حدث في ايران عام 1953, فقد استخدمت الـ CIA أسلوب الرشوة لشراء ولاءات معلقي الأخبار، والصحفيين، ومقدمي البرامج الحوارية، ورجال الدين من الخط الثاني، والسياسيين، ورجال العسكر والمخابرات. وقدمت الـ CIA لهم عشرات الآلاف من الدولارات شهريا. لدرجة أن بعض التقديرات تقول إن إجمالي ما تم إنفاقه من أجل إسقاط مصدق وصل إلى 19 مليون دولار (تعادل 200 مليون دولار اليوم). ويذكر انه في أحد لقاءات روزفلت مع الشاه للتخطيط للانقلاب، أخبره روزفلت بالقول (أنه يملك تحت يديه العديد من المتخصصين والمنظمين لتوزيع المنشورات، أو لتنظيم العصابات، أو لتتبع المعارضة، قل ما شئت: أنا أملكه).
وكانت العملية (أجاكس) تتضمن أربعة خطوط من الهجوم.
أولًا: إدارة حملة إعلامية منظمة وبروباجندا متواصلة ضد مصدق في المساجد والصحافة والشوارع لتحجيم شعبيته.
ثانيًا: ستتحكم العصابات بالشوارع لإثارة الشغب والاضطرابات.
ثالثاً: سيسلم الضباط العسكريون البيانات الملكية إلى مصدق لإزاحته من السلطة.
رابعًا: توفير بديل لمصدق وهو الجنرال (زاهيدي) الذي سيرقيه الشاه إلى مرتبة رئيس الوزراء.
في أغسطس/ آب 1953م، كانت طهران تشتعل حيث نظمت العصابات المدعومة من المخابرات الأمريكية، التي وزرعت عملاءها في المظاهرات الإيرانية المؤيدة لمصدق، وعلى امتداد المظاهرات كان هؤلاء العملاء يقومون برمي الحجارة وقنابل المولوتوف والتعدي على الممتلكات الخاصة والمساجد وعلى رجال الدين. وكان غرض هذا الأمر، وفقاً للأكاديمي الأمريكي المتخصص بالشؤون الايرانية (ريتشارد كوتام) هو إظهار مصدق بصورة الرجل الشيوعي العنيف الذي يحارب الدين والحريات, وهو يتطابق مع ما تمت صناعته من أحداث بسيناريوهات مكتوبة مسبقا في ساحة التحرير، وبقية ساحات الاحتجاج في جنوب العراق، لإظهار عبدالمهدي قاتلا امام الشعب. وأخيرا شهد الجنرال جورج ستيوارت أمام الكونجرس الأمريكي بالقول: (انه تم انتهاك جميع معاييرنا الطبيعية، وأيدنا الجيش فورا على أساس طارئ، ووزعنا البطانيات، الأحذية، الملابس، مولدات الكهرباء، والإعانات الطبية على المحتجين، وكل ما يلزم من أجل خلق مناخ لتأييد الشاه.. لقد سمحنا بغلق الطرقات وحرق المؤسسات)، وهي نفس الفعاليات التي حدثت في العراق، ومن المؤكد سنشهد شهادات لمسؤولين امريكان عن تورطهم في احداث تشرين 2019 في العراق، يوما ما.
كان 80% من الجرائد التي تصدر في طهران تحت سيطرة المخابرات الأمريكية، مثلما هو حال مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك وغيرها) في عملية الانقضاض على حكومة عبدالمهدي. يقول (كوتام) احد الصحفيين المجندين لهذا الأمر: (أي مقالة كنت أكتبها كانت تظهر في اليوم التالي فورا في الصحف الإيرانية)، لكن عندما حانت لحظة تنفيذ عملية الانقلاب لم تمضِ عملية (أجاكس) بسلام كما خطط لها في يوم 16 أغسطس/ آب عام 1953م، فقد رحل الشاه خارج البلاد، قبل أن يوقع على فرمان عزل مصدق. كما تأخر الانقلاب عن موعده المقرر عدة أيام، ما أدى إلى تسرب أخبار الانقلاب إلى مصدق، قبل أن تصل إليه القوات العسكرية الموالية للشاه، فسحقت جنود مصدق جنود الشاه، وتم القبض على العشرات والمئات من العناصر الانقلابية.
أمر مصدق باعتقال الجنرال فضل الله زهيدي، زعيم الانقلاب العسكري ــ وهو أمر يشبه الى حد ما، لكن بشكل مسالم وهادئ، عملية عزل أو نقل ضباط كانوا يترددون بشكل منتظم على السفارة الأمريكية في بغداد، بحسب تقارير الاستخبارات العسكرية العراقية ــ إلا أن الولايات المتحدة قامت بإخفاء زهيدي في قلب السفارة الأمريكية، مثلما اعترضت بشكل سافر ضد قرارات عبدالمهدي في التعامل مع ضباط محددين. أما الشاه فقد وصلته أخبار فشل الانقلاب، فهرب مسرعا خارج إيران إلى بغداد. وفي طهران خرجت الجماهير تهتف بانتصار مصدق، وسرعان ما عادت الحياة في إيران إلى طبيعتها، وتعامل مصدق في اليوم التالي مباشرة على أن الانقلاب أصبح حدثاً من الماضي لا أكثر. وأمضت المخابرات الأمريكية ليلة سوداء أمرت فيها عناصرها بالهروب من إيران في أقرب فرصة ممكنة، وكذلك في العراق هرب العملاء الى أربيل والسليمانية وتركيا والى اماكن اخرى خارج العراق، قبل عودة الاحتجاجات في 25 تشرين الاول عام 2019، مثلما عادوا في ايران حينها، حيث أرسل رئيس مكتب الـ CIA في إيران رسالة إلى المسؤول عن العملية (كيرميت روزفلت) قائلًا له: (إذا لم تكن محاصرًا، فافعل ما يتوجب عليك فعله. كانت الرسالة واضحة: افعل أي شيء في سبيل أن ينجح الانقلاب العسكري، مهما كلف ذلك من أموال أو دماء أو أشلاء). وحدث نفس الأمر في العراق، حينما كانت تعد حفلات قتل وسفك دماء يومي الثلاثاء والأربعاء في ساحات الاحتجاج بهدف احراج المرجعية الدينية، التي تقدم كلمة حول التظاهرات يوم الجمعة، من كل اسبوع. ولعل المرجعية الدينية العليا في النجف قد ادركت النهايات الكارثية لما يحدث، فقررت قطع الطريق امام مؤامرة كونية ضد العراق، على أمل المعالجة في انتخابات مبكرة، يعود فيها الجميع الى ما يقوله الشعب، باعتباره مصدرا لجميع السلطات.
استعادت المخابرات الأمريكية أنفاسها، وأصر روزفلت على استكمال ما قدّم من أجله أساسا، وفي اليوم التالي مباشرة قام بتنظيم صفوف أنصار الشاه، وسخرت المخابرات الأمريكية آلة طباعة، وقامت بنسخ الفرمانات الملكية الانقلابية في قلب مركز المخابرات الأمريكية، ووُزعت على ضباط الجيش، وعلى المارين في الشوارع، وعلى الصحف الإيرانية كلها وانتشر عملاء المخابرات الأمريكية في اليومين القادمين في كل شوارع طهران لتقديم الرشوة لكل من تقع أيديهم عليه (الساسة، رجال الدين، المسؤولين في الجيش والشرطة والمخابرات، وكل من يستطيع تحريك وتثوير الجماهير).
في تلك الأوقات العصيبة كانت المخابرات الأمريكية تدفع بالعصابات المأجورة لإثارة الشغب والفوضى في الشوارع باسم مصدق. آلاف المتظاهرين خرجوا من أجل نهب المحلات، وتدمير صور الشاه، وسرقة الممتلكات الخاصة، وإطلاق الرصاص على المدنيين، وانضم الشيوعيون والقوميون المتحمسون إلى تلك المظاهرات. كانت خطة روزفلت تعتمد على تعميم شعور الضجر بين الشعب الإيراني، جرّاء أحداث الشغب لعدة أيام متواصلة، وخلق انطباع جمعي أن طهران قد خرجت عن السيطرة وأن حكومة مصدق لم تعد قادرة على التحكم في الوضع، ثم تقديم طوق النجاة لإيران في صورة عودة الشاه، عبر حشد شعبي ضخم لمعارضة مصدق وحكومته.
من ضمن التخطيط الأمريكي في ذلك اليوم هو أن المظاهرات المؤيدة للشاه، بدأت بعروض استعراضية من الرياضيين والمصارعين والبهلوانات، بالإضافة إلى المشعوذين والمهرجين. كل ذلك من أجل جذب المارة، ثم أُزيلت الاحتفالات الكرنفالية ورُفعت شعارات تأييد الشاه وبدأت العصابات في الهتاف باسم الشاه. وهذا نفسه ما حدث في العراق فقد شارك فنانون مأجورون وشعراء ورسامون، وصارت ساحة التحرير ساحة فنية وأدبية يمارس فيها كل شيء باسم الشعب.
سيطرت العصابات المأجورة من قبل المخابرات الأمريكية على كل الميادين الرئيسية في طهران، وحرقت المؤسسات الحكومية ومقرات الشرطة وحررت الضباط الانقلابين المقبوض عليهم في المحاولة الأولى للانقلاب. انضم إلى العصابات المواطنون الساخطون على مصدق، بالإضافة إلى مؤيديه السابقين الذين رفضوا سياساته مؤخرا كنتيجة للبروباجندا الأمريكية ضد مصدق.
حينها أعلن الراديو الإيراني (تمت هزيمة حكومة مصدق، وأصبح فضل الله زهيدي رئيسا للوزراء وأن الشاه في طريقه للرجوع إلى دياره)، وسار كل شيء وفقاً لما أعلن في هذا البيان، وعمت الاحتفالات شوارع إيران ابتهاجا بانتصار (الحرية والإرادة الشعبية)، وهي تشبه بالضبط ما جرى من احتفالات في ساحة التحرير وبقية الساحات، حينما اعلن عبدالمهدي الاستقالة في 29/11/2019. فقد كان ذلك احتفالا بخراب العراق، حيث رقص الشباب ومعهم رقصت عاهرات مأجورات لهذا الغرض. لا يعرفن على ماذا يرقصن. بينما احرقت صور الشهداء.
يبدو أن الأساليب متشابهة، وان الشعوب يمكن خداعها بسهولة، لكن المؤكد اننا سنقرأ اسم عملية اسقاط حكومة عبدالمهدي، وسنعرف المكلفين بها من المخابرات الأمريكية وعملائهم في الداخل، ودعونا نفترض اسمها مؤقتا لحين الإعلان عنها بـ( Operation X). فحتى ذلك الحين, ألا يحق لنا ان نفكك احداث تشرين 2019، وان نتساءل مع انفسنا؟ ألا يشكل ذلك درسا وعبرة لنا لنعتذر من عبدالمهدي قبل فوات الأوان، مثلما اعتذر الإيرانيون لمصدق، ولو بعد مضي 27 عاما من عملية الانقلاب ضده؟ الا نعتقد ان من الشجاعة ان نراجع مواقفنا مع عادل عبدالمهدي الذي وصفته الوثائق الأمريكية الرسمية المتسربة من خلال موقع ويكيليكس بانه (افضل تنفيذي) في العراق؟ وهل يمكن ان نقرأ لاحقا وصفا له في الصحف الأمريكية بـ( محمد مصدق العراقي) أو ( جورج واشنطن العراقي) مثلما سمت مجلة التايم مصدق حينها؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى