أحدث الأخبارشؤون امريكية

لماذا أصابت المرأة الفولاذية ميركل بعدم اعتذارها لأمريكا وحلفائها … فمن الذي يجب ان يعتذر لمن؟ …وكيف اثبتت النتائج بُعد نظرها في ثلاث محطات: الحرب الأوكرانية.. واستيعاب اللاجئين السوريين.. والاعتماد على الغاز والنفط الروسيين ..؟

╯✨.

✍…. عبد الباري عطوان

▪️✨. تثبت المئة يوم الأولى من عمر الحرب الأوكرانية ان نظرية المستشارة الألمانية السابقة انجيلا ميركل في اعتماد الدبلوماسية والتجارة لتجنب الحرب مع روسيا في أوكرانيا كانت “صائبة” كليا، ولهذا جاء رفضها “الاعتذار” عن هذه النظرية، او “المدرسة” الدبلوماسية في العلاقة الدولية مبررا، في أول مناظرة شعبية مباشرة لها في أضخم قاعات برلين.

🔸الذين يطالبون السيدة ميركل بالاعتذار يتهمونها بزيادة اعتماد أوروبا على قطاع الطاقة الروسي بالترويج لبناء خط انابيب الغاز “نورد ستريم ٢” على الرغم من تحفظ شركائها الأوروبيين والامريكان، بالنظر الى حالة الاعتماد، وفشل التوصل الى قرار اجماعي أوروبي بفرض الحظر، حسب ادبيات الأخيرة، ولكنهم، أي هؤلاء، ينسون أمرين أساسيين الأول، انهم ينظرون الى هذا الاعتماد على الغاز والنفط الروسيين بعيون ما بعد الاجتياح الروسي لاوكرانيا، ويتجاهلون أسبابه الحقيقية والإستفادة التجارية من الإمدادات الروسية تجاريا وإقتصاديا على مدى عقود، اما الأمر الثاني، فهو العلاقة الوثيقة التي كانت تربط الحكومات الامريكية السابقة بروسيا، وخاصة إدارة دونالد ترامب، ولم نر مثل هذا العداء الا في العامين الماضيين فقط، وإدارة الرئيس بايدن تحديدا، منذ معاهدة انهاء الحرب الباردة بين غورباتشوف وجورج بوش الاب عام ١٩٩١.

▪️إذا كان الرئيس بوتين أصبح يشكل تهديدا للأمن الأوروبي، فهذا يعود بالدرجة الأولى الى استخدام إدارة بايدن الحالية أوكرانيا كـ”طعم” لإصطياده للوقوع في مصيدة حرب استنزاف طويلة ماديا وبشريا، وانهاكه اقتصاديا من خلال عقوبات “شرسة” وبما يؤدي في نهاية المطاف الى إستسلامه ورفعه الرايات البيضاء، وما حدث هو العكس تماما، والوقائع على الأرض لا تكذب، سياسيا وعسكريا واقتصاديا.


🔸السيدة ميركل، وهذا ليس دفاعا عنها، كانت تؤمن دائما ان روسيا جارة لأوروبا لا يجب تجاهلها، مثلما تؤمن أيضا انه إذا لم يتم تحقيق تقارب سياسي فمن الأنسب قيام علاقات تجارية على الأقل، وهذا قمة العقلانية من قِبَل سيدة حكمت بلادها 16 عاما وجعلت منها القوة الإقتصادية الأضخم في أوروبا، وربما العالم أيضا.

▪️الولايات المتحدة الأمريكية التي بات خليفة ميركل اولاف شولتز تابعا لها، وأخرج بلاده من إستراتيجية النأي بالنفس عن الحروب، وعاد الى التسليح مجددا، وقدم الدعم الرئيس الاوكراني زيلينسكي بالدبابات والدفاعات الصاروخية، فأمريكا هي التي نقلت الحروب الى قلب القارة الأوروبية العجوز، دون ان ترسل جنديا واحدا الى أوكرانيا، وأثبتت انها قوة عظمى تركب ظهور الآخرين وتستخدمهم لخوض حروبها، وتمويلها جزئيا او كليا، مثلما حصل في العراق وأفغانستان وسورية وليبيا، وكانت السيدة ميركل واعيه لهذه السياسة الامريكية ومخاطرها، ولهذا طالبت في سنواتها الأخيرة بضرورة إعتماد أوروبا على نفسها عسكريا وأمنيا بعيدا عن الولايات المتحدة وحلف الناتو، ووجدت تأييدا من فرنسا، وكاد البلدان ان ينشآن نظاما أمنيا بديلا لحلف الناتو وواشنطن.

✨🔸السيدة ميركل لم تكن متيمة في حب المهاجرين السوريين عندما فتحت أبواب بلادها لإستيعابهم، وإنما فعلت ذلك من أجل مصلحة بلادها التي “هَرَم” مواطنوها، وباتت بحاجة الى أيدي عاملة شابة مبدعة لدعم الإنتاجية الاقتصادية، والإحصاءات الأخيرة تؤكد انها كانت بعيدة النظر، فالغالبية العظمى من اللاجئين السوريين اندمجوا في الإقتصاد الألماني، وباتوا يشكلون قوة إنتاجية متميزة، تدفع الضرائب ولم يعودوا عالة على الدولة ونظام الإعانات المالية.

▪️أوروبا بحثت عن البدائل للغاز والنفط الروسيين، ولكنها فشلت حتى الآن، والأخطر من ذلك ان أسعار النفط والغاز تضاعفت بسبب الحرب، وباتت الشعوب الأوروبية تدفع الثمن تضخما وغلاء معيشة، بينما يتدفق 9 مليار دولار شهريا على الميزانية الروسية كعوائد اضافية بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وربما ضعفا هذا المبلغ بسبب ارتفاع القمح والحبوب الأخرى في ظل أزمة الغذاء العالمية.

✨. فإذا كان المحللون الإقتصاديون في الصحف الأوروبية الكبرى مثل “الغارديان” و”الفايننشال تايمز” و”الإيكونوميست” يعترفون بأن روسيا كسبت الحرب الاقتصادية، فمن الذي يجب ان يعتذر لمن، السيدة ميركل صاحبة النظرة الثاقبة، والقراءة الصحيحة لهذه الحرب وتبعاتها، ام أولئك الاغبياء الذين هاجموها، وانتقدوا سياساتها، وورطوا أوروبا في حرب خاسرة قد تمتد لعدة سنوات رضوخا لرئيس أمريكي قصير النظر، هذا اذا كان يملك هذا النظر في الأساس؟
▪️أليس من المفارقة أن حلفاء أمريكا من العرب الذين “تنعموا” وعروشهم بحمايتها على مدى قرن كامل تقريبا، يتمردون عليها هذه الأيام ويطرقون أبواب موسكو، وينقلون البندقية من كتفها الى الكتف الروسي الأقوى، بينما قادة دول أوروبية يدّعون السيادة يهرولون خلف امريكا، وينخرطون في حروبها وهم مفتوحو الاعين، ويدفعون بإقتصادهم نحو الإنهيار، وشعوبهم نحو خطر الحرب النووية، ويطالبون السيدة ميركل بالإعتذار؟

🔸✨. كانت ميركل امرأة فولاذية عندما قادت أوروبا وبلادها نحو الإستقرار، وأثبتت صلابة معدنها عندما رفضــــت الإعتــــذار، وبــــدأت الأيام تثبت، وستثبت، أنها كانت محقة في الحالين.. والأيام بيننا.

🔹🔸 اللهم صل على محمد وآله 🔸🔹

#القدس_عاصمة_فلسطين_الابدية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى