أحدث الأخبارالسعودية

لماذا أقدم الأمير بن سلمان على إعدام 81 شخصًا أُدينوا بتُهمة الإرهاب؟ ولماذا كانت نسبة كبيرة من المَعدومين من الشيعة؟ وما صحّة التقارير التي تتحدّث عن كونها “ضربة استباقيّة” لمنع انتفاضة شعبيّة؟ ولماذا تتصاعد الآن الأصوات المُطالبة بالثّأر واللجوء إلى العُنف؟ وماذا يعني تعليق إيران للمُباحثات مع الرياض؟

خالد الجيوسي

لم تَمُر أسابيع على تصريحات وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الإيجابيّة حول إيران، وشُعوره بالألم والظلم جرّاء تأثيرات تورّط بلاده باغتيال جمال خاشقجي على خططه الإصلاحيّة، ورغبته التصالحيّة مع طهران وتحسين صورة بلاده أمام الغرب، حتى صدمت سُلطات المملكة العالم، وجبهتها الداخليّة، بإعدامها 81 شخصاً، وبالتهمة المُرفقة بالأدبيّات السعوديّة “التورّط في الإرهاب”.
هذه الإعدامات الجماعيّة ليست سابقة على الحكومات السعوديّة السابقة، ولكنها الأكبر في التاريخ الحديث، ولافتة في توقيتها مع رغبة القيادة السعوديّة بأن تجعل العالم ينسى تورّطها بجريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وملفها المُتراجع غربيّاً بحُقوق الإنسان، إلى جانب طي صفحة حرب اليمن، حيث ثلاثة من الذين أعدمتهم أيضاً يتبعون لجماعة أنصار الله الحوثيّة، قالت الأخيرة إنهم من أسراها، وهُنا رسائل تصعيديّة من جانب المملكة تجاه الحوثيين، واستفزازهم للرّد الانتقامي.
ارتفعت الآمال قبل هذه الإعدامات التي وصفتها مؤسسات حُقوقيّة بالمجزرة، بأن المملكة ذاهبة باتجاه إصدار عفو عام، بدأ بالإفراج عن المُدوّن الليبرالي رائف بدوي، والممنوع من السّفر، على شاكلة زميلته لجين الهذلول، ولكن بدأ أن هذا الإفراج يتعلّق لعلّه بالمطالب الأمريكيّة الأخيرة التي طالبت السعوديّة، بإعادة النظر بمُعتقلي الرأي، فالأمير بن سلمان، كان قد أشار في مضمون مُقابلته الأخيرة مع مجلة “ذا أتلانتك” الأمريكيّة، أنه لا يُمكنه إصدار عفو عن ليبرالي، وترك إسلامي، ما يدفعه للإفراج عن أسماء لا تستحق الإفراج عنها وفق سياق كلامه.
هذه الإعدامات الجماعيّة، أعادت للواجهة مشهد الصراع بين السلطة السعوديّة، وبين الطائفة الشيعيّة في المنطقة الشرقيّة، التي كان لافتاً أنها تتمتّع بحالةٍ من عدم التضييق بعهد بن سلمان، وانعدام نقاط التفتيش المعهودة في مناطقهم، ولكن أثار اختيار إعدام 41 مُعتقلاً من أهالي القطيف دفعة واحدة من 81 شخصاً، 3 منهم حوثيين، تساؤلات حول الرسائل التي أراد الأمير بن سلمان إيصالها، وتركيز وزراة الداخليّة السعوديّة أن من بين الذين أعدموا مُدانين باعتناق الفكر الضّال، والمُعتقدات ذات الولاءات الخارجيّة، وهي رسائل تحمل مضمونين كما يقرأها مراقبون، الأولى أن حرب بن سلمان على “الفكر الضال” معتقد وهابي أو شيعي مُستمرّة، والثاني إعادة توجيه الاتهام للطائفة الشيعيّة، وربطها بالولاء الخارجي كما ورد في بيان الخارجيّة، أي الولاء للولي الفقيه، والطاعة المُطلقة للمُرشد الإيراني، وهي تهمة ينفيها أهل القطيف، ويُؤكّدون أن مُظاهراتهم الشعبيّة مطلبيّة، وليست مُؤدلجة سياسيّاً.
وبالرغم أن العربيّة السعوديّة قامت بإصلاحات قضائيّة من بينها إلغاء عقوبة الإعدام لمن ارتكبوا جرائم دون سن الثامنة عشرة، لكن كان من بين الذين جرى إعدامهم قُصّر، كانوا قد ارتكبوا جرائم في العام 2012، وجرى إعدامهم بعد تخطّيهم السن القانوني، وينتقد نشطاء حالة حشر مُعتقلين الرأي والقضايا السياسيّة الذين جرى إعدامهم من أهل القطيف، مع البقيّة بجرائم إرهاب، وذلك في حالة ما أسموها تضليل الرأي العام وفي ظل انشغال العالم بالحرب الأوكرانيّة- الروسيّة.
وفي ردود الأفعال، صدر بيان عن لقاء المعارضة في الجزيرة العربيّة الذي عقد أول مُؤتمراته في الضاحية الجنوبيّة، لفت إلى أنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أكّد اليوم أنّه ليس أكثر من مجرد قاتل ساديّ يتلذّذ بقتل الأبرياء ويسعد بآلام ذويهم”، وأضاف “دماء هؤلاء الأبرياء هي في رقابنا ورقاب كل الذين تعنيهم الكرامة والعدالة والحقوق المشروعة”.
ويبدو أن الإعدامات الجماعيّة، قد أثارت حفيظة إيران، التي قالت تقارير إعلاميّة تابعة للدولة الإيرانيّة، تعليق مُشاركتها في المُحادثات السريّة التي انعقدت منها جولات سابقة في بغداد، فيما قالت وكالة “إرنا” الإيرانيّة إنه لم يجر تحديد موعد لعقد الجلسة الخامسة من المُفاوضات بين طهران، والرياض، وتأتي ردّة الفعل الإيرانيّة هذه، بعد يوم واحد فقط من تنفيذ السعوديّة لهذه الإعدامات دفعةً واحدة، وهو ما قد يُنبئ بتواصل قطع العلاقات الدبلوماسيّة بين البلدين، والتي كانت قد انقطعت على خلفيّة إعدام الشيخ الشيعي المُعارض السعودي نمر النمر.
وتجنّب بيان الداخليّة السعوديّة الإشارة إلى انتماء المُدانيين المَعدومين المذهبيّة، وحصرهم بتهم تتعلّق بالإرهاب، وعلّقت الصحفية اللبنانيّة ديانا مقلد، وقالت في تغريدة: “في مجزرة صارخة أعدمت السعوديّة اليوم 81 شخصًا بشكل دموي شكل صدمة واسعة”، وأضافت: “هل تفلح محاولات “تجميل” عهد بن سلمان بعد هذه المجزرة كما حصل بعد جريمة قتل خاشقجي؟”، الأمر الذي دفع الأمير عبد الرحمن بن مساعد إلى الرد: من أُعدموا هم من ارتكبوا المجازر الصارخة فقد استهدفوا المساجد والمقار الحكومية واستهدفوا بالإغتيال عدد من المسؤولين وقتلوا رجال أمن… إلخ”، وختم الأمير السعودي تغريدته قائلاً: “إمّا أن جهلك فادح أو أن حقدك فاضح!”
من غير المعلوم ما إذا كانت حالة الغضب المرصودة على منصّات المُعارضة السعوديّة وعلى “السوشيال ميديا” ستُتَرجم عمليًّا بأعمال عُنف على الأرض في أوساط الطائفة الشيعيّة في المنطقة الشرقيّة ضدّ السلطات السعوديّة، ولكن هُناك مُطالبات علنيّة بالانتقام واللجوء إلى العُنف لحماية أبناء هذه المنطقة، لأن السّكوت حسب أحد عناصر هذه المُعارضة في لندن سيُؤدّي إلى تمادي الأمير بن سلمان في أعمال القمع والقتل.
مصدر سعودي مُعارض في لندن قال لـ”رأي اليوم” إنه لا يستبعد أن يكون الأمير بن سلمان الذي أراد أن يستغل الانشغال العالمي بأزمة أوكرانيا قد استشعر قُرب انفجار حالة الغضب والإحباط الشعبي من سياسته القمعيّة، وحالة الانفتاح “المُبتذلة” التي خرجت عن كُل الخُطوط الحُمر الدينيّة، ولهذا قرّر الإقدام على ضربةٍ استباقيّة بتنفيذ هذه الإعدامات لتوجيه رسالة تحذير لأيّ أعمال عُنف احتجاجيّة أو انتقاميّة، وأكّد المصدر نفسه أن البلاد تشهد حالة غليان غير مسبوقة هذه الأيّام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى