أحدث الأخبارلبنانمحور المقاومة

لماذا لا يَستبعِد البعض دور “الموساد” بالوقوف خلف عمليّة اغتيال لقمان سليم المُدانة في لبنان؟ ولماذا نُطالب باستِخلاص الدّروس من اتّهامات مُتَسرّعة مُماثلة صدرت يوم اغتِيال الشّهيد رفيق الحريري؟ إليكُم درسًا مُوثّقًا مُماثِلًا من أرشيف الثّورة الفِلسطينيّة

مجلة تحليلات العصر الدولية

في أوائل الثّمانينات من القرن الماضي استضافت الجزائر حِوارات مُصالحة بين فصائل المُقاومة الفِلسطينيّة في إطار مساعيها لترتيب البيت الفِلسطيني وإعادة توحيده، وإزالة الخِلافات السياسيّة والفصائليّة التي أدّت إلى نسف الوحدة الوطنيّة، وتَعاظُم ظاهرة الاغتِيالات السياسيّة سواءً على أرضِ لبنان أو أوروبا.في إطار هذه المُصالحة جرى ترتيب لقاء بين المرحومين جهاد الوزير (أبو جهاد) عضو اللجنة المركزيّة لحركة “فتح” ومسؤول جِهازها العسكري، وصبري البنا (أبو نضال) الذي كان يتزعّم فصيل “المجلس الثوري” المُنشق عن حركة “فتح”، الشّهيد أبو جهاد، رحمه الله، وجّه سُؤالًا مُحَدَّدًا لأبو نضال، لماذا قتلت 17 مُناضِلًا من خيرة “سُفراء” وشخصيات سياسيّة بارزة في حركة “فتح” ومنظّمة التحرير في أوروبا وأماكن أخرى؟ فأجابه أنا لم أقتل إلا أربعة فقط، وسمّاهم اسمًا اسمًا، فبادر “أبو جهاد” والدّهشة على وجهه: من قتلهم إذن؟ فردّ “أبو نضال”: لا أعرف.هذا الحِوار أكّده الشّهيد “أبو جهاد” في أحد العواصم الأوروبيّة الشرقيّة، وقال بالحرف الواحد إنّ “الموساد” استغلّ الخِلاف داخل حركة “فتح” وأقدم على تنفيذ هذه الاغتِيالات، للإيحاء بأنّها من فِعلٍ فِلسطينيٍّ وإلصاق تُهمَة الإرهاب بالمنظّمة.تذكّرنا هذه الرّواية ونحن نُتابع حالة الرّعب التي تجتاح لبنان حاليًّا بعد الكشف عن مقتل النّاشط والنّاشر الشّيعي اللّبناني لقمان سليم بخمس رصاصات، أربعة منها في الرّأس وخامسة في الظّهر، عندما كان يقود سيّارته في طريقه لزيارة أقارب له في الجنوب اللبناني.ولأنّ المرحوم كان من أكثر الأقلام انتقادًا لحزب الله، وزعيمه السيّد حسن نصر الله، ووصفه له بترهيب الآخرين، واتّهامه في آخِر لقاء له مع قناة “الحدث” التلفزيونيّة السعوديّة للحزب “أنّ دِمشق وحليفها حزب الله لهما دور في انفِجار مرفأ بيروت الذي وقع في 4 آب (أغسطس) الماضي، وأدّى إلى مقتل 200 شخص، وإصابة الآلاف، وتدمير نِصف العاصمة، فإنّ أصابع الاتّهام بالمسؤوليّة عن اغتِياله من قِبَل الكُثر توجّهت إلى “حزب الله” بعد دقائق من عمليّة الاغتِيال الإجراميّة والمُدانَة، وقبل أن تبدأ التّحقيقات.نحن في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” لا نُصدِر شهادات بتبرئة هذا الطّرف أو إدانة ذاك، لأنّ هذه مَهمّة السّلطات الأمنيّة اللبنانيّة التي من المُفتَرض أن تُجري التّحقيقات الدّقيقة المأمولة، وتُحَدِّد الجِهَة المسؤولة بالتّالي، لكنّ ما يجب علينا ألا نتردّد في قوله هو إدانة عمليّة الاغتِيال هذه بأقوى العِبارات، لأنّها تستهدف مُصادرة الحُريّات التعبيريّة، وكتم الأصوات، وبثّ الفوضى والإرهاب والرّعب، وأيًّا كانت الجهة التي تَقِف خلفها.خُطورة هذا الاغتِيال، ولإنسان مدني أعزل أراد أن يقول رأيه بحُريّة، ويتحرّك بأمانٍ في بلده، إنّها تُذكّرنا بمرحلةٍ مُماثلةٍ في أوائل السّبعينات من القرن الماضي، كانت حافلةً بالاغتِيالات المُماثلة، ومهّدت للحرب الأهليّة التي استمرّت 15 عامًا وأدّت إلى زهق أرواح عشَرات الآلاف من الأبرياء وتدمير لبنان، ونأمَل ألا نكون مُصيبين في تشاؤمنا نحن الذين نُحِبُّ لبنان، ونُقَدِّر دور شعبه النّضالي ودماء شُهدائه خدمةً لقضايا الأُمّة.دولة الاحتِلال الإسرائيلي تنتهك الأجواء اللبنانيّة بصفةٍ يوميّةٍ، وارتكبت طائراتها المجازر في قانا والضاحية الجنوبيّة ومناطق أُخرى في لبنان، ووقفت خلف مجزرة صبرا وشاتيلا، وتُهَدِّد ليل نهار بتدمير لبنان مرّةً ثانية وثالثة، وارتكبت العديد من عمليّات الاغتِيال لقادة المُقاومة اللبنانيّة والفِلسطينيّة، فلماذا لا تكون هذه الدّولة المارقة، وأجهزتها الأمنيّة هي من نفّذ عمليّة الاغتيال هذه لخلط الأوراق، وإحياء الفتنة في البِلاد، وربّما يقود إلى إشعال فتيل الحرب الأهليّة اللبنانيّة، مُجَدَّدًا؟علينا أن نعود إلى الوراء قليلًا، ونَسْتذكِر الاتّهامات التي صدرت بعد اغتيال الشّهيد الرئيس رفيق الحريري مُباشرةً، ونُقارنها بالأحكام التي صدرت عن المحكمة الدوليّة وفرق التّحقيق الأكثر خبرةً في العالم في هذا الإطار، ففي هذه الأحكام الكثير من الدّروس والعِبَر، وبِما يُحَتِّم التريّث، والتّحلّي بالحكمة، قبل اتّهام هذه الجهة أو تلك، لأهدافٍ سياسيّةٍ محضة تَصُب في نِهاية المطاف في “توتير” الوضع في لبنان، وخِدمَةً لمصلحة الأطراف التي تُريد زعزعة أمنه واستِقراره وبِما يُسَرِّع بانهِياره كُلِّيًّا.. واللُه أعلم.“رأي اليوم”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى