أحدث الأخبارايرانمحور المقاومة

لماذا هدد جنرالات ايران بمساواة تل ابيب وحيفا بالأرض اذا وجهت اسرائيل ضربة الى منشآتهم النووية؟ وكيف نفسر هذا التصعيد في الأيام الأولى لإدارة بايدن؟

مجلة تحليلات العصر - عبد الباري عطوان

لماذا هدد جنرالات ايران بمساواة تل ابيب وحيفا بالأرض اذا وجهت اسرائيل ضربة الى منشآتهم النووية؟ وكيف نفسر هذا التصعيد في الأيام الأولى لإدارة بايدن؟ وما الذي دفع الجنرال كوخافي لمطالبة اهل غزة وجنوب لبنان لإخلاء منازلهم؟ وهل باتت طهران فعلا على بعد ثلاثة اشهر من الانضمام للنادي النووي؟

من المفترض، وبعد خروج الرئيس دونالد ترامب من السلطة، ومجيء خصمه الديمقراطي جو بايدن، ان يعود الهدوء نسبيا الى منطقة الشرق الأوسط، خاصة على الجبهة الإيرانية الإسرائيلية، ولكن متابعة التهديدات المتبادلة بين البلدين، و”التلاسن” الحاد بين  المسؤولين العسكريين فيهما، يبدو ان التوتر بات اقوى من أي وقت مضى، مرفوقا بإجراءات وتحشيدات عسكرية غير مسبوقة على الأرض، مثل نشر الولايات المتحدة للقبب الحديدية الإسرائيلية في قواعدها في منطقة الخليج، وضمها “إسرائيل” الى غرفة عمليات القيادة العسكرية المركزية الامريكية الوسطى المكلفة بالعمليات العسكرية في منطقة الشرق الاوسط، ومواصلة تحشيد السفن الحربية والقاذفات العملاقة “B52” في مياه المنطقة واجوائها.

الجنرال افيف كوخافي، رئيس هيئة اركان الجيش الإسرائيلي فاجأ الجميع قبل أيام معدودة، بتوجيه تهديدات فريدة من نوعها الى ايران وحلفائها، على رأسها التوعد بتوجيه غارات جوية وصاروخية لتدمير المنشآت النووية والبنى التحتية الإيرانية، ونصح اللبنانيين في الجنوب، وأبناء قطاع غزة بمغادرة منازلهم القريبة من مخازن الصواريخ، أنها ستكون عرضة للقصف والتدمير، وعليهم اخذ هذا التحذير بكل جدية، مدعيا ان “إسرائيل” لا تريد وقوع ضحايا مدنيين التزاما بالقانون الدولي، مؤكدا على ان الجيش الإسرائيلي يعيد “تجديد” خططه العسكرية لضرب ايران.

*

اللواء ابو الفضل شكرجي، المتحدث باسم هيئة اركان الجيش الإيراني، سارع بالرد على هذه التهديدات بالتحذير “ان أي عدوان إسرائيلي على ايران سيقابل بضرب تل ابيب وحيفا، وتسويتها بالأرض”، مضيفا “ان الطائرات الإسرائيلية التي ستقصف ايران قد لا تجد مطارات وقواعد عسكرية تهبط فيها بعد عودتها”.

القيادة العسكرية الإيرانية اجرت مناورات عسكرية بحرية وبرية وجوية قبل أسبوعين في المحيط الهندي وبحر العرب كشفت فيها عن صواريخ جديدة قادرة على تدمير بوارج حربية، وطائرات مسيرة ملغمة وانتحارية، علاوة على زوارق سريعة جدا، وغواصات متطورة.

الملاسنات والتهديدات العسكرية المتبادلة لم تقتصر على الجنرالات الإسرائيلية والإيرانية، بل توسعت وباتت تشمل المتحدثين الرسميين الدبلوماسيين الامريكان والإيرانيين أيضا، بعد نزول انتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي الجديد، الى الحلبة واشتراطه ان تعود طهران الى الاتفاق النووي أولا حتى تبدأ المفاوضات، فيأتيه الرد قويا من السيد مجبتي ذو النور، رئيس لجنة الامن القومي في مجلس الشورى الإيراني، ومن محمود واعظي، رئيس مكتب الرئاسة، فالأول قال ان المجلس تأخر في الرد على انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي، وان ايران يجب ان توقف جميع التزاماتها بهذا الاتفاق حتى يلتزم الطرف الآخر بتعهداته، مؤكدا ان هذه هي اللغة الوحيدة التي يفهمها الامريكان، جمهوريين كانوا ام ديمقراطيين، اما الثاني، أي السيد واعظي، فكان اكثر دبلوماسية عندما قال ان ايران لم تنسحب من الاتفاق النووي حتى تعود اليه، وانها أعطت أمريكا وحلفاءها الأوروبيين مهلة حتى 23 شباط (فبراير) المقبل لرفع شامل للعقوبات، وبدأت تنفيذ الشق الاول من قرار مجلس الشورى، أي نصب اكثر من الف جهاز متطور للطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم بنسب عالية، وإعلان انسحابها من الاتفاق بعد ذلك التاريخ اذا استمرت العقوبات.

ربما يجادل البعض بالقول ان هذه التهديدات المتبادلة تأتي تمهيدا لمفاوضات وشيكة، حيث يحاول كل طرف اعلاء سقف مطالبه، والظهور بمظهر الجانب الأقوى، وهذا الاحتمال غير مستبعد، لكن اللهجة التهديدية للجنرال كوخافي، رئيس هيئة اركان الجيش الإسرائيلي، توحي بأن إسرائيل “مرتبكة” وفقدت فرصة ذهبية بتدمير المنشآت النووية الإيرانية برحيل الرئيس ترامب ومستشاره جاريد كوشنر ووزير خارجيته مايك بومبيو، ومن المحتمل ان تقدم على توجيه ضربات انتقامية ضد ايران لجر إدارة بايدن الى الحرب، فمن غير المعتقد ان يكون نصب القبب الحديدية في القواعد العسكرية الامريكية في الخليج جاء بمحض الصدفة وانما للتحضير الى “عمل ما” في المستقبل المنظور.

المقربون من ايران يؤكدون انها لن تكون البادئة في الحرب، وتستطيع امتصاص الضربة الإسرائيلية والأمريكية الأولى، ولكن ردها، وحلفاءها الإقليميين سورية ولبنان والعراق واليمن وقطاع غزة سيكون مدمرا ليس للقواعد الامريكية وحواضنها الخليجية، وانما لإسرائيل أيضا، فمئات الآلاف من الصواريخ الدقيقة قد تهطل مثل المطر على مدنها وقواعدها العسكرية وبناها التحتية، وقد تنجح القبب الحديدية بإعتراض بعضها، ولكن الأغلبية العظمى ستصل الى أهدافها، حسب رأي هؤلاء.

*

عبارة خطيرة وردت في المؤتمر الصحافي الاول للوزير بلينكن قال فيها “ان انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي جعل ايران على بعد ثلاثة او أربعة اشهر لإنتاج قنبلة نووية، والوصول الى اتفاق نووي جديد بات يحظى بالأولوية لإدارته لتمديد السقف الزمني للاتفاق القديم.

مجلة “الايكونومست” تحدثت مطولا في عددها الأخير الصادر امس الجمعة عن الطموحات النووية الإيرانية، وهي التي توقعت في افتتاحية سابقة ان تملك قنبلتين نوويتين على الأقل بالنظر الى كميات اليورانيوم عالية التخصيب وانتاجها معدن اليورانيوم الذي يشكل عامل مهم في بناء الرؤوس النووية.

هل عودة التركيز الغربي مجددا على القدرات النووية الإيرانية هو للضغط عليها للعودة الى مائدة المفاوضات، ام لخلق المبررات والذرائع لتبرير الحرب؟ لا نملك إجابة لكن الأسابيع المقبلة ستكشف الكثير من النوايا في هذا المضمار.. والله اعلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى