أحدث الأخبارشؤون امريكية

لندن: نهضة الإمام الحسين (ع) خالدة على مرّ السنين

د. أحمد الزين
العصر-تتسارع الأيام في هذا الشهر محرم الحرام لعام 1444 للهجرة، والعالم يتدحرج بخطى متسارعة خطيرة نحو عتبة المواجهات والصدامات والحروب المدمرة… ويتهاوى على حافة الحصار والانكسار والانهيار والافتقار… حيث تعيش معظم الشعوب في أسوء الظروف الخانقة واهول الاحوال الهالكة بسبب استمرار تفشي وباء كورونا، وجدري القرود… وكما أبتلت معظم البلدان باخطر الكوارث الطبيعية من جراء تمدد الحرائق في المدن والغابات في ولايات عدة في امريكا وفرنسا وبريطانيا ومصر.. اسفرت عن سقوط مئات الضحايا واخلفت دمارا هائلا وخسائر طائلة.. بالاضافة الى حدوث الزلازل والفيضانات والعواصف الترابية في العراق والامارات.. كما يشهد العالم ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مألوف، مع اشتداد الجفاف وموجات الحرّ وشح المياه وتجفف مياه الانهار والبحيرات في بريطانيا واوروبا وبقية العالم..


وكذلك تمر البشرية كافة باصعب الازمات السياسية والمالية والاقتصادية.. وأثقل الويلات الاجتماعية والمعيشية والحياتية.. وتختزن أشد الآلام والرزايا والمعاناة والانتهاكات الانسانية…بسبب افتعال الحروب الامنية والعسكرية والاقتصادية للسيطرة على مصادر الطاقة ونهب الثروات واحتلال الاوطان.. وما رافق ذلك من إغراق الشعوب في ازمات غذاء وطاقة من نفط وغاز وارتفاع الاسعار وازدياد معدلات التضخم والبطالة والتهجير من جراء تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية وحرب اليمن وحرب غزة.. وفرض العقوبات الاميركية الظالمة على كل من روسيا وإيران وسوريا ولبنان… هذه الاحداث الواقعة والصراعات القائمة جعلت الشعوب تعيش في أسوأ الظروف الكارثية منذ الحرب العالمية الثانية..
وعلى رأس هذه المصائب، تلك الاعتداءات التي ترتكبها انظمة دول الخليج المطبعة مع الكيان الصهيوني وحلفائهم من تعسف وإعتداءات على أتباع أهل البيت (ع) ومنعهم من إحياء شعائرهم الحسينية في بلداتهم ومدنهم.. وعدم السماح لهم برفع أعلام الحسين ورايات عاشوراء، السوداء .. ومن بينهم نظام البحرين الظالم الذي يأمر بازالة كل ما يمت بصلة الى الشعائر الحسينية بتعدي صريح وواضح على حرية المعتقد والرأي والتعبير وحق العبادة… وكذلك قتلت الشرطة النيجيرية عديد من الشباب الحسينين المشاركين في مراسم العزاء الحسيني والمسيرة العاشورائية..
هذه الانظمة العميلة التابعة لامريكا لا يزالون يمارسون القتل والتحريض على الفتنة المذهبية من خلال تكفير المسلمين الشيعة، ودعم التنظيمات الإرهابية من قبل النظام السعودي الوهابي وحركة طالبان المتطرفة لاستباحة دمائهم واعراضهم… بالاضافة الى فرض العقوبات غير القانونية من قبل الدول الغربية الكبرى وفرض الحصار والإرهاب الاقتصادي على الشعوب وما ينتج عنه من إنتشار المرض والفقر والعوز والغلاء والجوع والفوضى وعدم الاستقرار.
وتأتي المأساة الكبرى للشعب الفلسطيني المستمرة في قطاع غزة والضفة الغربية.. وما يتعرضون له يوميا من تنكيل واعتداءات وحروب وشنّ الغارات الجوية والقتل والابادة والاغتيالات على أيدي الكيان الصهيوني المحتل والتي تصنّف من اكبر انتهاكات حقوق الانسان وافظع جرائم العصر…
لذا، يأتي هذه الشهر محرم الحرام وهو مثقل بالكوارث والحوادث والحروب والجرائم والدمار، وكأنه يستوقفنا لان نعيد النظر في سياساتنا ومواقفنا وعقائدنا وافكارنا !! وربما نتساءل: ما هي علة هذه اللعنات والابتلاءات والعذابات على البشرية؟ ولماذا تلك الشعوب تعيش هذا النوع من الجحيم الذي لا يطاق رغم أمتلاك دولهم امكانيات القوة والتطور والسيطرة والتحكم؟ ولعل منطقيا يرتبط الجواب بالغضب الإلهي والعقاب الموعود {.. بما كسبت أيدي الناس} من الفساد والإفساد.. فان العالم بات ينسلخ من عباءة الفطرة الانسانية وارتداء لبوس الكفر والإلحاد ونكران وجود الخالق ومحاربة الدين وقيم السماء.. وبدأت معظم الدول تستبدل القوانين الطبيعية الفطرية بقوانين وضعية مادية.. وبدأت المجتمعات تتجه نحو تشريع قوانين الشذوذ الجنسية والتشجيع على زواج المثلية ورواج التعري والتحولات الخلقية والانحرافات الاخلاقية والتفكك الاسروي..
كما ان الله تعالى يأمر عباده بالطاعة فلا يطيعون، وينهاهم عن الظلم والطغيان والأثم والعدوان فلا يرتدعون، يدعوهم لاجتناب الجبت والطاغوت فيجدهم قوما طاغين فاسدين لا يفقهون، ويوعظهم بالاستقامة وإقامة العدل والميزان وإتيان البرّ والإحسان فلا يجد منهم آذانا مذعنة صاغية، والله يقول: {.. وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ..} (النساء-٦٦). ولو أن الامّة استقامت وصدقت وآمنت لرفع عنها البأساء والضراء والوباء والبلاء.. فقد قل الوعاة والطعاة وحكم الطغاة والبغاة، وقل الراكعون الساجدون وكثر الفاسدون المفسدون، وقل المقيمون الصلاة والصائمون وبغى الظالمون الجائرون، وقل المؤتون الزكاة والمنفقون وعاث المرابون والمنافقون، وقل المتقون الحامدون والموحدون وضلّ المشركون الجاحدون والملحدون، وقل المنصفون المقسطون وجار القاسطون والفاسقون، وقل العابدون الراحمون وبغى الكافرون الفاجرون، وقل المخلصون المستقيمون وطغى المجرمون والمثليون.. والله يقول: {.. وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ} (طه-٨١)، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} (طه-١٢٤).
وفي سياق عصيان الله وحاكميته والتمرد على أوامر رسوله محمد (ص) وأنكار ولاية أهل بيته (ع)، تأتي مصيبة الامام الحسين (ع) ومظلومينه في هذه الشهر الحزين، التي شكلت منعطفا خطيرا في تاريخ الامة التي تخلت عن مفاهيمها الدينية وتجردت من قيمها الاخلاقية ومبادئها الانسانية، وانتهكت حرمة الإسلام، واستحلت محارم رسول الله (ص)، وظلمت أهل بيته، وقتلت سبطه الإمام الحسين (ع)، وقطعت رأسه الشريف، ومارست أقسى أنواع الظلم والعدوان والاعتداء والطغيان.. وقامت بأبشع الجرائم والقتل والوحشية والبريرية وحرق الخيام وترويع الاطفال والنساء.. واعادت التاريخ الى الوراء الى زمن الجهل والتخلف ونشر ثقافة الجاهلية وتقاليدهم الرجعية وعاداتهم من تكرار الغزوات والسبي ونهب الغنائم والقتل وسفك الدماء وانتهاك الحرمات والكرامات..


من رحم هذه المآسي والمظلمات ومن سخم لعنة التاريخ، تأتي ذكرى عاشوراء في العاشر من محرم في كل عام حيث تتوهج حرارة حبّ الحسين في قلوب المؤمنين وتتفاعل العاطفة الوجدانية في إستحضار مشاهد البطولة والآباء والمواقف التاريخية وملاحم الإستشهاد والتضحيات التي قدمها أهل البصائر من أهل بيته (ع) وأصحابه الابرار في واقعة كربلاء التي حدثت نتيجة تراكمات وممارسات خاطئة لحكام بني أمية من حبّ السلطة والمال والفساد والطغيان والجهل بأحكام الإسلام وما تبع ذلك من ظلم وإنحلال إخلاقي وإنحراف الامة عن مسار الإيمان والقيم الاخلاقية والإنسانية الذي رسمه لهم النبي محمد (ص) فكادوا يسقُطُون فِي مهاوي الكُفر والانحراف والضَّلال.. لولا قيام الإمام الحسين (ع) بنهضته المباركة وتصدى لهذا الإعوجاج في العقيدة والأفكار المضللة والتشكيك، وهذا السقوط المدوي لحكام الامة وعلمائها ورجالها ليعيدهم الى رشدهم وصوابهم ويهديهم الى طريق الحق والرشاد، ويقوّم مسارهم الى الطريق المستقيم طريق النور والهداية والإيمان والتقوى والورع والقيم والمثل والاخلاق.. وبالتالي ليحفظ الدين ورسالة الإسلام من الدسّ والتحريف والمسّ والانحراف والدنس والرجس من جهالة بني أمية وضلالة الحاكم الطاغية يزيد بن معاوية والعصابة المجرمة التي جاهدت وشايعت وبايعت وتابعت على قتال الإمام الحسين وأهل بيته (ع) وأصحابه الأبرار.
لقد أراد الإمام الحسين (ع) لثورته أن تكون خالدة ومؤثرة على مسيرة الأمة طوال التاريخ حتى ظهور القائم المهدي (عج)، ثورة مقاومة وانتفاضة وإصلاح ضد الفساد والرذيلة والانحراف والانحطاط.. في سبيل ان ترث البشرية بأسرها حضارة انسانية عالمية راقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى