أحدث الأخبارالإماراتالبحرينالخليج الفارسيةالسعوديةشؤون امريكية

ليست سورية التي تتحدّثون عنها

مجلة تحليلات العصر الدولية / البناء

منذ بدأت حملة التطبيع الخليجية الإسرائيلية اتخذت جماعة الترويج للتطبيع من بعض مظاهر العلاقات الدبلوماسية الخليجية مع سورية نقطة انطلاق للحديث عن رضا سوريّ ضمنيّ، وأرفق هؤلاء ترويجهم لتفاهم خليجي سوريّ يتضمن فك العلاقة السورية مع إيران وقوى المقاومة بالحديث عن مفاوضات إسرائيلية سورية تنتهي بعودة جزء من الجولان وتوقيع اتفاق سلام وتطبيع سوري إسرائيلي. وذهب البعض للتحدث بلغة الواثق عن صحة هذه التقديرات، وعن شراكة روسية تحت الطاولة في ترتيباتها.

زاد منسوب الترويج لمثل هذه التقارير مؤخراً، وأضيف اليه حديث عن وجود اتصالات سورية اسرائيلية برعاية روسيّة وعن اجتماعات مع وسطاء وتمّ تحديد أماكن ومواعيد ونشرت الصحف الأوروبية والأميركية، خصوصاً المموّلة خليجياً أو المتأثرة بالتوجّهات الإسرائيلية، ما وصفته بالمعلومات الخاصة المؤكدة عن حصول هذه اللقاءات وانطلاق هذا المسار.

قبل أن تنفي وزارة الخارجية السورية هذه الشائعات، وتصفها بالأكاذيب والفبركات المزوّرة الهادفة لإيجاد مبرّر لمن ارتكبوا فعل الخيانة بالتطبيع مع كيان الاحتلال عبر الزجّ باسم سورية في هذه السياسات المشينة والمخزية، كان كل مَن يعرف موقف سورية وحساباتها المبدئيّة، وكل من يعرف أسباب الحرب على سورية، وكل من يعرف ما عُرض على سورية قبل الحرب وخلالها، يعرف بالقدر ذاتها أن سورية لو أرادت لكانت طليعة مَن يبدأ هذا المسار وحصلت مقابله على تصدّر الصف العربي الرسمي وفوقها مليارات الدولارات. والمطلوب من سورية أقل بكثير من التطبيع، ولما كانت الحرب التي شنت على سورية، وسورية التي رفضت إملاءات كولن باول تعرف تماماً لماذا فعلت ذلك، ولا تزال مؤمنة بصحة خياراتها، فالقضية أولاً وأخيراً هي في أن تختار الدول رسم سياساتها على حدود حقوقها الوطنية والقومية ومصالحها الحيويّة وتحت سقف قرارها الحر والمستقل، أو لا تكون. ومتى بدأت الخطوة الأولى في رسم السياسات تحت شعار تفادي إغضاب الغير او سعياً لكسب ودّه، ولو على حساب الثوابت، فالنتيجة معلومة، وهي التدهور الى حيث لا قعر للفوضى والتبعيّة والضياع وخسارة الحقوق ومعها جميعاً خسارة الاستقرار.

وحدهم الأغبياء يصدقون أن الحديث الذي يجري في التقارير التي يتم تسويقها يجري عن سورية، والذين لا يعرفون سورية لا يعرفون ربما لأنهم ما اعتادوا وجود دول تتمسك بقرارها المستقل مع الأصدقاء قبل الأعداء. وسورية ليست موجودة في محور المقاومة لأن لا مقعد لها على الضفة المقابلة، وقد عُرض عليها ويُعرض عليها كل يوم الصف الأول مع امتيازات، بل تسلُّم مقود العربة إن قبلت، وإغراءات بالمال والسياسة إن ارتضت. وسورية ليست في محور المقاومة وفاء لمن وقفوا معها، فهي أصلاً تعرّضت للحرب التي ساندها فيها الحلفاء والأصدقاء لأنها رفضت ولا تزال ترفض بقناعة ويقين أن كلفة رفض الإملاءات ورفض الخضوع للهيمنة تبقى أقل من كلفة التبعية والارتهان. وسورية مؤسس وقائد في محور المقاومة بأصالة الموقف والانتماء، هكذا كانت وهكذا ستبقى.

للأغبياء يكفي القول تحدّثوا بما تعلمون، أما أسرار سورية فعصيّة على فهم أمثالكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى