أحدث الأخبارفلسطين

مؤتمر دولي في غزة لمناهضة التطبيع

✏وائل المبحوح

يمكن القول إن التطبيعُ العربي والإسلامي مع الاحتلال؛ بأنواعه ومجالاته المختلفة، أخطرَ ما يمكن أن تواجهه القضية الفلسطينية في الوقت الراهن، ويقف جنباً إلى جنب، إن لم يتفوق على الممارسات الصهيونية المتعددة والمتكررة بحق الشعب الفلسطيني في كافة مناطق تمترسه على الأرض الفلسطينية وخاصة في القدس وفي الضفة الفلسطينية، حيث إنه أي التطبيع يهدف بشكل رئيس إلى إعادة تشكيل منظومة القيم والمفاهيم العربية والإسلامية تُجاه الكيان، وفق الرؤية الصهيونية؛ وهو ما يتطلب بالضرورة ضربَ فكرةِ المقاومة من جهة؛ إذ لا يجوز حينها مقاومة الاحتلال فلم يعد احتلالاً، بل أصبح جزءاً من الإقليم يمكن التعايش معه، ومن جهة أخرى فهو يعبث بفكرةِ اسلامية وعروبة القضية الفلسطينية، وهو يردُّنا في نسخته المسماة سلام أبراهام (السلام الإبراهيمي) إلى أصل واحد هو سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهي كلمة حق يراد بها باطل، قد وقع فيه عمداً أو جهلاً بعض العرب والفلسطينيين، فكان لزامًا على كل جهات الاختصاص المبادرةُ للتعريف بمخاطر التطبيع وتداعياته الخطيرة المتوقعة على الفلسطينيين؛ شعباً وقضيةً، وعلى العرب، بلداناً ومقدراتٍ، والوقوفُ بكل ما أوتوا من قوةٍ في وجه التطبيع والمطبعين.
غزة التي يقتلها الفقر، ويخنقها الحصار، وتحيط بها الأزمات، تنظم مؤتمراً دولياً لرسم استراتيجيات لمواجهة الموجة الجديدة من التطبيع، بمشاركة واسعة من الشخصيات الرسمية والحزبية والأكاديميين والباحثين؛ فلسطينيين وعرباً ومسلمين، وسط تغطية إعلامية محلية وعربية واسعة.
اللافت في هذا المؤتمر الذي نظمه مجلس العلاقات الدولية بغزة وحملة المقاطعة ومناهضة التطبيع- فلسطين، وبرعاية الهيئة العامة للشباب والثقافة ومركز المبادرة الاستراتيجية فلسطين ماليزيا هو التنوع الفكري والسياسي للمشاركين، الأمر الذي يشير إلى حيوية الموضوع وإثارته اهتمام الجميع على اختلاف ألوانهم السياسية ومشاربهم الفكرية. ولعل إجماع المشاركين على رفض التطبيع بكافة أشكاله يؤكد أيضاً بشاعة فكرة التطبيع وتجاوزها كافة القيم والمبادئ والأفكار التي تربت عليها أجيال عربية كاملة منذ النكبة الفلسطينية عام 1948م.


مما لا شك فيه أن النقاش الكبير الذي دار في المؤتمر والعصف الذهني عالي المستوى الذي أنجز بمشاركة مختصين ومهتمين أفرز شيئا من الخلاف حول تفسير بعض القضايا المتعلقة بالتطبيع كزيارة القدس لبعض العرب والمسلمين، ومدى صحة استمرار العلاقات مع الدول المطبعة، وهي أمور يمكن إدراجها تحت حرية الرأي والتعبير، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أهمية تنظيم هذا المؤتمر في هذا الوقت بالذات من أجل وضع هذه القضايا تحت المجهر والعمل على الوصول إلى اتفاق وطني وعربي حولها ليكون الحكم عليها بمثابة إجماع وطني لا يقبل المناقشة.
ولعل أخطر ما يمكن أن يشير إليه السلام الإبراهيمي من وجهة نظر البعض أن فكرة السلام الإبراهيمي تنبع من إضفاءِ مصداقيةٍ على الرواية الصهيونية عبر تغليبِ الأبعادِ الدينيةِ التعبدية على المركباتِ السياسية للصراع، وهو ما نراه من اختزال قضية القدس مثلاً في الجانب الديني التعبدي عبر الترويج لفكرة حق أصحاب الديانات الثلاث في الصلاة في الأماكن المقدسة داخل القدس.”
بالنظر إلى التوصيات التي خرج بها المؤتمرون، مثل ضرورة تشكيل جبهة عربية وإسلامية عريضة لمقاطعة الاحتلال ومناهضة التطبيع معه، ودعوة جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لإصدار قرارات تمنع الدول العربية والإسلامية من عقد اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال، والضغط على المؤسسات الأممية والدولية لوقف سياسية الكيل بمكيالين تجاه القضية الفلسطينية، وضرورة تأسيس هيئة فلسطينية وطنية جامعة لمقاطعة الاحتلال ومناهضة التطبيع تعمل على استنهاض قدرات الشعب الفلسطينية الرسمية والشعبية لمواجهة المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية وصولًا إلى إلغاء اتفاقية أوسلو وتفعيل المقاومة الشعبية في كافة المناطق الفلسطينية والشتات، والعمل على تعزيز الانتماء الوطني للأجيال الناشئة في الداخل والشتات عبر المناهج الدراسية الأساسية والجامعية. وضرورة توجيه الجاليات والتجمعات الفلسطينية في الشتات لحماية قضيتهم الوطنية والعمل من أجلها في مواجهة التطبيع ورواية الاحتلال، وتفعيل الدبلوماسية العربية والإسلامية لمنع تغلغل الاحتلال في المنظمات الإقليمية العربية والإسلامية والتصدي للتغلغل الاقتصادي وعقد الاتفاقيات التنموية مع الاحتلال وغيرها من التوصيات المهمة، فإن العمل من أجل تنفيذ هذه الاستراتيجيات عمل شاق ومرهق ينبغي أن ينبري له الوطنيون المخلصون الذين يحملون هم الوطن وهم القضية من أجل إنجازه على الوجه الذي يليق.
ولكن!! إن تنفيذ وتحقيق مثل هذه الاستراتيجيات يجب أن يسبقه إجماع وطني كبير على تعريف التطبيع تعريفاً دقيقاً ومناقشة كافة القضايا المرتبطة به مناقشة معمقة تفضي بالضرورة إلى الاتفاق التام على الوقوف معاً ضد التطبيع والمطبعين وألا يكون هذا الأمر محل خلاف هنا أو هناك، فكيف يمكن لنا نحن الفلسطينيين أن نعمل على استنهاض الأمتين العربية والإسلامية من أجل مناهضة ورفض التطبيع ونبذ المطبعين ولا زال الخلاف على مثل هذه القضايا الجوهرية سيد الموقف بيننا، وكيف يمكن أن نقيم الحجة على العرب والمسلمين وفينا من لا يزال يرى في التطبيع مسألة فيها نظر.



ربما حقق المؤتمر أهدافه المرحلية التي عقد من أجلها، وهذا إنجاز مهم يُحسب للمنظمين، ولكن مشوار إنجاز التوصيات ورسم السياسات يتطلب بذل المزيد من الجهد والعرق والعصف الذهني من أجل رص صفوف الجميع سداً منيعاً في وجه موجات التطبيع المتلاحقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى