أحدث الأخبارالعراقشؤون امريكيةمحور المقاومة

ماتأثير الاوضاع في الولايات المتحدة على الانتخابات بالعراق ؟

مجلة تحليلات العصر الدولية

يمثل نظام الحكم في الولايات المتحدة عنوانا للهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعوب والاستيلاء على ثرواتهم ،وما يتطلب ذلك من مؤامرات وحروب وضحايا ،ناهيك عن حرمان الناس من ممارسة حرياتهم وانتخاب قادتهم
وتسليط عناصر متجبرة على مصيرهم ومستقبلهم .
هذا العنوان ترك في نفوس الشعوب اثرا سيئاً ،وطالما انتظرت فرصة للافلات من هذه (الهيمنة) ،فيما الدول التي شهدت التحرر واستقامت تجربتها وانتظمت تكون قد دفعت الالاف من الضحايا ثمنا للحرية والسيادة .
يكاد يجمع المعنيون بالشأن السياسي الدولي ان ليس هنالك من دولة لم تعاني من التدخل الاميركي في شأنها ،وذلك منذ الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا ،وهذه (المعانات) تشمل سلسلة طويلة من (التدخلات) تصل الى حد صناعة القرار وصناعة الحكومات والتجارة والصناعة الخ .
يشعر العالم اجمع (الان) ومنذ الاحساس ان الولايات المتحدة بدأ يتسلل لها (الضعف) بان
شدة (الضغط ) من الممكن ان تخف عنها قليلا
سواء اليوم او في الغد ،بالجانب الاخر فان الانظمة التي اسلمت قدرها بيد الارادة الدولية على مدى قرن تقريبا ،باتت تشعر ب(القلق) و(الخوف) على مصيرها ،فشعوبها تتحين الفرصة للانقضاض عليها والانتقام مما اقترفوه من جرائم ،ناهيك انهم باتوا وسيلة لتقوية الظالم على حساب المظلوم كما هو حال حكام الخليج مثلا !
صحيح ان (الانتظار ) هو السائد حتى هذه اللحظة التي اكتب فيها المقال -قبل تنصيب ترامب بيوم واحد- وهذا (الانتظار) يتعدى حدود الاتيان برئيس جديد للولايات المتحدة بل يصل الى حد التمني ان هذه الدولة الظالمة لابد لها ان تنهار وتنتهي معها هيمنتها وتملك الشعوب مصيرها بيدها !
بدات ملامح (القلق) على (السعودية) مثلا وشعرت ان غطاء (الحماية) قد رفع عنها فاتجهت الى فرنسا لتكون بديلا عن اميركا ثم الى روسيا ،ورفعت (قطر ) خطابها لتعلن (ضرورة المصالحة مع ايران) وهكذا .
في العراق فان التجربة السياسية بعد سقوط النظام البائد حكمتها الارادة الاميركية وصممت وفق المنهج الاميركي (النظام البرلماني الليبرالي) وبات التدخل على اوجه لصغائر الامور ،الى درجة ان حكومة الكاظمي ،كانت (اميركية بامتياز ) !!
عملت الولايات المتحدة منذ عام 2015 ،وبعد الانتصار على داعش ،على اعادة النظر في البنية الاجتماعية العراقية ،حيث ادركت ان استجابة الشباب وبدعم من الاباء للقتال ضد الارهاب يعني ان الجيل الشبابي بات يشكل خطرا على وجودها بالعراق ،وهي التي خططت ان تدير (الشرق الاوسط الجديد ) من اكبر مبنى لها ببغداد بعد ان وفرت له كل شروط الديمومة والبقاء .
شرعت امريكا بتركيز جهودها على فئة الشباب ،وعملت على محاولة افراغ الامة من ثوابتها وسر قوتها والمتمثلة بالتاريخ والدين والفن والاداب والرموز القومية والدينية والسياسية والاجتماعية .
كانت الانطلاقة لابعاد المالكي عن السلطة رغم فوزه الساحق بالانتخابات عبر اعلام مركز جعل منه عقدة فيما لو بقي والاتيان بشخصية (ضعيفة) طامحة بالسلطة (حيدر العبادي) .
تظاهرات عام (2015) في بغداد والمحافظات
كانت خارج المخطط الاميركي ،لذا سارعت اميركا وبالاتفاق مع المانيا وبعض دول الغرب الى حملة اعلامية مفادها حاجة الغرب لمشاركة ابناء العراق في بناء دول الغرب وخاصة المانيا التي ظهر هذا الخطاب على لسانها ،فهرع الالاف من العراقيين وخاصة الشباب لالقاء انفسهم في اتون مصير مجهول
حتى لو كان بالبحر ،فيما كان باستقبالهم وفق منهج معد مسبقا ،مخطط لالحاقهم بمنظمات لها عناوين مختلفة اسلامية وغير اسلامية بعد احباط وعيش في معسكرات وسوء خدمات ،واعادتهم الى بلدهم لينخرطوا في مشاريع تآمرية لايعلم بها كثير منهم ،وليكونوا اساسا لمظاهرات عام 2019 .
استفاد الاميركان من البعثيين وازلام النظام البائد ومن اعلام قادته قناة الشرقية بمهارة لزرع الاحباط واليأس في نفوس المجتمع ،وكذلك وسائل الاعلام الخليجية والاميركية ،كما استفادت من شخصيات تربوا بحجرها على مدى سنين طويلة تصل لاربعين عاما مثل عدنان الزرفي وما يشبهه فتولى هؤلاء العمل على تغيير هوية مدنهم الدينية الى علمانية مثل النجف وكربلاء بعد ان اوقفوا حركة العمران بها وشيوع العشوائيات والبطالة لاثارة السخط وكذلك لحث الشباب للانتماء الى منظمات تحمل ذات الهدف ،وتشجيع التمرد على قيم المدينة مثل خلع الحجاب ،والرقص كما حدث في ملعب كربلاء .
الشيء الاخر عملوا على اضعاف المؤسسة الدينية ،فبينما كانت مكتب المرجعية يستقبل السياسيين والوفود الاجنبية بات الان مجرد ذكرى ومغلقا دون حتى خطبة الجمعة التي ينتظرها الجميع .
عملت الولايات المتحدة ايضا الى زرع الفتنة الطائفية بالعراق ،وترسيخ قيم التقسيم ،ومنع اي شكل من اشكال اعادة البناء والاعمار وتأهيل المصانع والمعامل وشيوع البطالة بعد ان استولت على اموال تصدير النفط في بنوگها مستفيدة من احد نصوص البند السادس الواقع تحته العراق ،ليزيدوا نقمة العراقيين على طبقة السياسيين .
المتظاهرون الذين خرجوا في البصرة من ايام العبادي وحتى يوم استقالة عبد المهدي خرجوا بارادة اميركية وان كان الكثير فيهم لاعلم لهم بذلك ،انما خرجوا تحت تأثير الاعلام .
العراق الان ،اشبه بالمقسم الى ثلاث دويلات
في الشمال والغرب والوسط والجنوب ،وفي الطريق الى انتخابات مبكرة دعت اليها حكومة ضعيفة بقيادة مصطفى الكاظمي .
الامال التي تحمس من اجلها (عملاء) امريكا او (المبهورون) بقوة اميركا بانهم سيمسكون بزمام السلطة وينتقمون من (الاسلاميين) ويدفعون بالعراق بعيدا عن ايران وصوب الدول المنخرطة بالمشروع الاميركي باتت تضعف وتميل للانزواء ،وانعكس حتى على خطابهم وتعليقاتهم وظهورهم الاعلامي وتغريداتهم وغيرها ،بسبب توفر قناعة لديهم ان امريكا ليست تلك التي كانت في اذهانهم يوما .
الكتل السياسية التي تشكلت من سوح التظاهر (حراك تشرين ) ضعف حماسها كثيرا واقتنعت انها اذا تقدمت كثيرا فسوف تتورط اكثر بمشروع غير مضمون ،خاصة وان الدول الداعمة لها مثل الامارات والسعودية وغيرها فتر دعمها ،لانشغالها بمصيرها .
الكتل الشيعية التي انزاحت عن (البيت الشيعي ) مثل. الحكمة والنصر والتيار وغيرها ،وقعت الان في حيرة بين العودة للبيت القديم وبين مواصلة المشروع الاميركي،وباتت تخسر جمهورها شيأ فشيأ .
الكتل الشيعية المناهضة للتواجد الاميركي واقعة في امرين الاول انها سعيدة بالتراجع الاميركي ،والثاني ان ذلك لايشفع لها في تحميلها مسؤولية فشل التجربة السياسية بالبلد من قبل عامة الشعب .
الكتل (السنية )منزعجة من التدهور الاميركي
لانها دافعت عن التواجد العسكري الاميركي بالعراق وترى في امريكا معادل للتوازن الطائفي ،لكنها حتما ستغير الكثير من اولوياتها والطريق الى تركيا اقرب من الخليج .
احزاب الاقليم قسمان ،فاحزاب اربيل تميل بشدة الى امريكا ،وتفكر كثيرا بمصيرها بعد التراجع الاميركي ،خاصة وان جمهورها ناقم عليها ويحملها مسؤولية الفساد وتدهور الوضع الاقتصادي والتفرد بالسلطة ،واحزاب السليمانية يرغبون بالضعف الاميركي لانهم على علاقة وثيقة بايران!
الدول التي تتشمر للتدخل بالانتخابات المبكرة هي السعودية والامارات وتركيا وقطر ،وهذه الدول كما اسلفنا باتت منشغلة بمصيرها ولا تريد ان تزعج ايران وتثير حفيظتها لان مشروعها منصب في صناعة تجربة سياسية معادية لايران .
ايران تراقب الاحداث بالعراق عن كثب وخاصة في التواجد الاميركي العسكري ،وترى فيه مصدر قلق على دولتها ،فيما اخبرت الاطراف السياسية القريبة من توجهاتها والبعيدة ايضا ،انها لن تتدخل بالانتخابات انما خيار العراقيين هو خيارها الا اذا احست ان مخططا يجري ضدها فلكل حادثة حديث .
حكومة الكاظمي فاقدة لبوصلتها تماما وتنتظر من يدفع عنها حمل المسؤولية بعد ان خسرت الرهان على الحصان الاميركي.
لاشك فأن تداعيات الاوضاع في امريكا ستغير في الخارطة السياسية للمنطقة ،وهذا ماسينعكس على العراق الذي ينتظره مصير اخر ربما اكثر ايجابية ،فالعراقيون خبروا التجارب وامكانية بلدهم ولم يبق لديهم سوى ان يقولوا كلمتهم سوى عبر صندوق الاقتراع او عبر طريق اخر .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى