أحدث الأخبارايرانمحور المقاومة

ماذا لو انقلبت طهران نحو الغرب: لماذا تُتْعِب إيران نفسها مع الجاحدين؟!

مجلة تحليلات العصر الدولية - خليل إسماعيل رَّمال

لطالما تساءل المراقبون والمحللون، وأنا منهم، عن سبب إتعاب إيران لنفسها وتقديم قدراتها ومواردها وطاقاتها البشرية والمادية للكثيرين الذين هم بلا أصل وناكري الجميل وجاحدي النعمة، وماذا لو افترضنا أن طهران اختارت أن تبقى في صف محور الشر الشاهنشاهي-الغربي فماذا كان حصل وهل كانت تحمَّلَتْ كل هذه الأعباء والحصار والعداوة والبغضاء من قبل العَرَب المسلمين قبل الصهاينة والغرب الاستعماري المجرم؟! هذا السؤال ربما يطرحه بعض القادة الإيرانيين على أنفسهم اليوم وهم يرون صور قاداتهم العظام الذين لهم فضل على المقاومة وانتصارات العزة والمجد غير المسبوقة، مثل الإمام الرائد السَيِّد الخميني فاتح عصر الثورة الإسلامية، وقائد من قواده البواسل الجنرال سليماني، وهي تُحرق في غزة وبغداد بينما في وطن فرانكشتاين اللبناني يُدان الإحتلال الإيراني المزعوم كل يوم من قبل أصحاب رؤوس الكون هيدز ( Cone Heads الرؤوس القرطازية) المريخية!
للخوض في الجواب على هذه التساؤلات يجب العودة للمقارنة مع زمن شاه إيران المخلوع الذي كان عصا وشرطي الخليج أكثر من إسرائيل في المنطقة. هذا الشاه احْتلَّ ٣ جزر إماراتية وبعض أراضي في العراق فلم نسمع معارضة أو حِساً من زايد وعياله ولا من الطاغية المقبور صدام حسين. وقتها كان الشيعة في إيران، كما هم اليوم، يشكلون ٩٠ بالمئة من البلاد أي أنها كانت تُعد بلداً شيعياً ولم تتشيَّع بين ليلة وضحاها بعد ثورة ١٩٧٩ الإسلامية! لكن أنظمة العرب (الوهابية) لم ينتبهوا لذلك أو يكتشفوا هذه الحقيقة لأن الشيعي المتأمرك والتابع للغرب يلبس طاقية الخفاء وهو على قلبهم كالسمن بالعسل. ورغم حقد الوهابية على أنصار أهل البيت إلا أنهم يقدسونهم عندما ينتقلون للطرف الشيطاني الآخر ولذلك هم يقبلون (ظاهراً) بشيعة أذلاء كخدم لهم مثل علي الأمين وحاشية الإعلاميين الليبراليين الشيعة من أبو تنورة قطيش حتى المتملق علي جابر وبعض كتاب جريدة “الظلام” الفتنوية كالمرتزق جهاد الزين!
قبل الثورة كان العرب يهابون إيران بل كانوا يرقصون للشاه عندما يزور بلادهم (الملك الحالي سلمان مثالاً حيث أدى رقصة العراضة للشاه) رغم خطر إيران الشاهنشاهية ودورها الدنيء في لجم العرب وتحالفها الاستراتيجي مع العدو ( واليوم نكتشف أن هذه الأنظمة المهرولة للإندماج مع تل أبيب لم تعتبر أسرائيل عدواً للحظة واحدة). ولكن بعد الثورة اكتشف العرب أن الروافض يحكمون إيران وأن “الهلال الشيعي” خطر وجودي عليهم خصوصاً بعد “خطيئة” الجمهورية الإسلامية بإغلاق سفارة إسرائيل ووضع سفارة فلسطين مكانها وتبني القضية الفلسطينية ومحور المقاومة والإستقلال في المنطقة بل ووقوف إيران وحيدة تدعم الشعب الفلسطيني وتمده بالصواريخ التي مكنته من الرد على الاعتداءات الصهيونية بندية والتي ساهمت في بناء توازن الرعب في لبنان وسحبت قرار الحرب والسلم من يده وهذا كان حلماً لنا نحن الجيل الذي وُلِد وترعرع في بيئةٍ مهزومة حيث كانت قوات العدو تتمختر في قلب بيروت ساعة تشاء! كل هذا يقابله العرب بالجحود ولكن لو قررت إيران إفتراضاً أن تمشي مع أميركا وتنسى فلسطين فقط ولو بالكلام لأصبحت مهجة عشاق الخليج وأكبر حليف لهم ولأصبح لإيران حظوة لدى الغرب ربما بموازاة إسرائيل! كلمة واحدة من إيران تغير مسار التاريخ!
وبدل أن يستفيد أنظمة العرب الذليلة من فائق قوة إيران ضد العدو المشترك شنوا حروباً عليها وقاموا بشيطنتها وتكفيرها ثم اكتشفوا وجود عرب مضطهدين في الأحواز وجزر إماراتية محتلة مزعومة وأن الإيرانيين (يا للهول) يريدون تشييع السُنَّة في حين يسكن إيران ٢٠ مليون سني لا يقرب منهم أحد ويديرون مدارسهم ومجالسهم الملية بمساعدات من الدولة باعتراف شيخ من الأزهر. بل هناك مسيحيون ويهود أعضاء في البرلمان الإيراني بينما في المشيخات السلالية الهالكة لم يعرفوا معنى كلمة ديمقراطية. بل أكثر من ذلك ايران لم تسمِ نفسها شيعية أو خمينية على إسم مؤسسها كما فعل الغير، بل جمهورية إسلامية ومن أجل الوحدة الإسلامية أصدر مرشد الثورة الإمام الخامنئي فتوى بعدم التعرض للصحابة وفتاوى أخرى تحض على التوحد بينما لا نجد أي من مشايخ السنة (المعتدلين) من يقف في وجه الوهابية الداعشية ويمنع مهزلة تكفير الشيعة هذه وتكون له الجرأة والموضوعية كما كانت لدى سماحة الشيخ الفاضل محمود شلتوت، شيخ الأزهر، الذي تراسل في الخمسينيات مع سماحة المرجع السيد القائد عبد الحسين شرف الدين واقتنع بعدها وأصدر فتوى جواز التعبد بالمذهب الشيعي كأحد المذاهب الاسلامية وقد تم تخليد هذه المراسلات في كتاب “المراجعات” كأفضل تحفة دينية وفكرية ولغوية خالدة في التاريخ.
ولكن بالمقابل حتى من هم لحم أكتافهم من فضل الجمهورية الإسلامية، تجد بينهم من النواصب ممن يكفر الشيعة علناً. حتى لدى حركة “حماس” التي تركها العرب في العراء تموت ولم تنقذها إلا إيران وأنصار أهل البيت والشعب اليمني العظيم، هناك مسؤول للعقيدة عندهم يكفِّر الشيعة. فإذا لم تصدقوا فغوغلوا إسم المدعو صالح حسين سليمان الرقب القيادي في “حماس” ومدرس العقيدة والناكر للجميل “المتخصِّص بتكفير الروافض”!
وقس على ذلك في العراق والتظاهرات الذليلة التي خرقها الدواعش فلم يروا إلا إيران عدواً بينما العدو الحقيقي يعشعش في قلوبهم، أما في مسخ الوطن لبنان فحدث ولا حرج حيث تكفي لوحة “الجلاء” الإيرانية المعلقة من قبل “أبناء نهر الكلب” وهي نتاج عبقرية فارس سعيد وكلاب السفارات من المجتمع المدني.
ورغم كل الجراح وتكسر النصال على النصال ضدها، وإضاعة أنظمة العرب بوصلتهم، بقيت الجمهورية الإسلامية ثابته وصامدة في مواقفها الصلبة وتُعامِل حلفاءها سادة وتضحي في سبيلهم رغم الحصار الخانق عليها منذ عمر الثورة قبل ٤٣ عاماً بسبب التزام قائدها وشعبها الحي بمباديء أهل البيت (عليهم السلام) وهذا جواب عنوان المقال. وها هي إيران اليوم تتعامل مع الغرب الاستعماري بندية واستقلالية ووصلت بعلمها للفضاء والإكتفاء الذاتي وأضحت قوة عظمى، بينما العرب مازالوا يشربون بول البعير ويحيون مسابقة أجمل ناقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى