أحدث الأخبارالسعودية

ماذا يحصل في جزر سليمان هذه الايام

بقلم د. إعصار الصفار

في الايام الاخيرة، وتحديدا بداية شهر نيسان/ابريل ٢٠٢٢، حصل اهتمام غير معتاد بدولة جزر سليمان (ٍSolomon Islands). وبالرغم من معرفتنا بوجود دولة بهذا الاسم، الا اننا ربما لم نوليها سابقا اي اهتمام يذكر. الا ان الاحداث الاخيرة بخصوص هذه الدولة فيها الكثير من الدروس والشواهد وتستدعي التامل.

جزر سليمان دولة صغيرة تقع في جنوب المحيط الهاديء وهي مكونة من اكثر من ٩٩٠ جزيرة. عاصمتها هونيارا وعدد سكانها حوالي ٦٠٠،٠٠٠ نسمة فقط (وكيپيديا) ·. وتقع على بعد حوالي ٢٠٠٠كم الى الشمال الشرقي من استراليا.
في عام ٢٠١٩ قامت دولة جزر سليمان بانهاء علاقاتها بتايوان، والتي استمرت لعقود، وبدأت بالتوجه للصين بدلا من ذلك. وقد تم مؤخرا تسريب مسودة تؤشر الى نية جزر سليمان لتوقيع اتفاقية امنية مع الصين! (i) وياتي ذلك ضمن خطط لاستثمارات صينية في جزر سليمان ستؤدي الى نقلة نوعية على جميع الاصعدة. وياتي هذا الامر كجزء من خطة الصين المسماة (الحزام والطريق) والتي تمقتها امريكا اشد المقت.



اثارت مسودة الاتفاقية مع الصين حفيظة امريكا وحلفائها في المنطقة مثل استراليا ونيوزيلندا. وبالرغم من تاكيد جزر سليمان على انها لن تسمح للصين بانشاء قاعدة عسكرية على اراضيها، الا ان الغرب اظهر قلقا شديدا مما وصفوه بـ “عسكرة” المنطقة.
امام كل هذا، قامت استراليا بارسال وزيرها لشؤون المحيط الهاديء، زد سيسيليا، الى جزر سليمان لاجراء محادثات، وصفها هو بانها “صريحة”!حصل ذلك، بالرغم من ان استراليا على اعتاب انتخابات تشريعية وهي وسط حملات انتخابية مكثفة، مما يؤشر الى درجة قلق امريكا وحلفائها من تلك الاتفاقية المزمعة مع الصين.
وبالرغم من ان كلاً من رئيس الوزراء الاسترالي، سكوت موريسون، ووزيره لشؤون المحيط الهاديء، قد اكدا احترامهما لاستقلالية جزر سليمان وحريتها في اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة لامنها القومي، الا انهما دعيا جزر سليمان، وبكل احترام حسب تعبيرهما، ان لا تقوم بتوقيع الاتفاقية. بل ان رئيس الوزراء الاسترالي قال، ان استراليا لن تسمح بتاسيس قاعدة عسكرية صينية في جزر سليمان!

رئيس جمهورية جزر سليمان، مناسي ساگافاري، رفض هذه الضغوطات واعتبر هذا الامر اهانة وتدخلا سافرا في شؤون بلاده وذلك في كلمة له امام پرلمان بلاده (i ، ii).

ومن الجدير بالذكر انه، ونتيجة للتقارب بين جزر سليمان والصين، فقد اندلعت اعمال عنف في جزر سليمان اواخر العام الماضي استهدفت الجالية الصينية حيث قامت بحرق وتخريب محلاتهم ومصالحهم. وقد طلبت جزر سليمان المساعدة من استراليا، استنادا لاتفاقية التعاون الأمني بين البلدين. وعلى ضوء ذلك، فقد ارسلت استراليا قوات عسكرية ساعدت في استتباب الامن وكذلك ارسلت افراد شرطة لتدريب الشرطة في ذلك البلد.

هناك الكثير من الامور الجديرة بالاهتمام في ضوء هذه التطورات:
(١) شاهدنا هذا الرد الفعل المتشنج من قبل امريكا وحلفائها من احتمالية انشاء قاعدة عسكرية صينية على بعد ٢٠٠٠كم منهم، فاقاموا الدنيا ولم يقعدوها. ومع ذلك، فحين قام زيلنسكي بمحاولة ضم اوكرانيا لحلف الناتو، والذي كان سيجعل قواعد حلف الناتو العسكرية على حدود روسيا، ارادوا من روسيا ان تتقبل الامر وكانه امر طبيعي. وهذا من اوضح مصاديق الكيل بمكيالين.
(٢) الحكومة الاسترالية تنفذ ما تطلبه منها امريكا بغض النظر عن مصالح استراليا الوطنية. فقد شاهدنا انشاء حلف (الاوكاس) مع امريكا وبريطانيا والغاء صفقة الغواصات الفرنسية وشراء غواصات نووية بريطانية او امريكية، مما كلف استراليا مليارات الدولارات بالاضافة لتدمير مصداقيتها على الصعيد الدولي حتى ان الرئيس الفرنسي ماكرون وصف رئيس الوزراء الاسترالي موريسون بانه كذاب.
وكذلك شاهدنا كيف ان امريكا دفعت استراليا العام الماضي للدعوة للتحقيق فيما اذا كانت الصين هي مصدر فايروس كورونا. وبطبيعة الحال فقد اثار هذا الامر غضب الصين وجعلها تتخذ اجراءات انتقامية كلفت الاقتصاد الاسترالي كثيرا. علما ان عدد الوفيات من الفايروس في استراليا وقتها كان حوالي الالفين، في حين وصلت الوفيات من الفايروس في امريكا اكثر من نصف مليون وفاة! افلم يكن منطقيا ان تتخذ امريكا ذلك الاجراء بنفسها لكونها المتضررة الاكبر!
ومرة اخرى الان نرى كيف ان امريكا تدفع باستراليا لتخوض المواجهة مع الصين في جزر سليمان، بالنيابة عنها. والملفت للنظر انه حين يتعلق الامر بالاملاءات الامريكية، يحصل توافق غريب بين الحزبين الرئيسين في استراليا، فقد ايد زعيم المعارضة، انتوني البانيزي، التدخل الاسترالي لمنع هذه الاتفاقية، بل وزاد بان انتقد الحكومة للتاخر في التصدي للتغلغل الصيني في جزر سليمان! (iii)
(٣) لامريكا اذرع في الكثير من دول العالم وتستطيع اثارة الشغب والتظاهرات خدمة لمصالحها، اينما تريد ومتى ما تريد. فكلنا نتذكر التظاهرات في العراق بعد توقيع عادل عبد المهدي الاتفاقية مع الصين مما ادت للاطاحة به. وامر مشابه حصل في نفس الوقت في لبنان. ومؤخرا تمت ازاحة عمران خان عن رئاسة وزراء باكستان عن طريق عملاء امريكا هناك لانه رفض الرضوخ للاملاءات الامريكية. وها هي جزر سليمان على صغرها، قد عانت من نفس الامر، اذ لم تكن اعمال العنف ضد المصالح الصينية في البلاد العام الماضي الا ضمن نفس الاطار، والقادم مرجح أن يكون اسوء.



لقد باتت قدرات امريكا على الاطاحة باية حكومة لا تنصاع لطلباتها واضحة، ولا يستطيع الوقوف بوجهها الا الحكومات الحكيمة والوطنية والمقتدرة.

والان نستطيع توقُّع ماذا سيحصل لجزر سليمان اذا ما مضت بتوقيع الاتفاقية مع الصين. فقد تم تحذيرها بشكل مباشر لا لبس فيه، وتم تذكيرها بما حصل قبل عام، بل وتم ذكر كل المساعدات الاسترالية لها في حفظ الامن ومكافحة الجائحة وفي البنى التحتية والتغييرات المناخية. وما عمران خان منهم ببعيد. وكما يقولون، قد اعذر من انذر.

فلنراقب الوضع ونرى كم من الوقت سيمضي قبل ان تشتعل النيران في طول هونيارا وعرضها!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى