أحدث الأخبارليبيا

ماراثون المفاوضات الليبية يواجه عاصفة من الخلافات الداخلية والدولية قد تُعيق نجاحه

مجلة تحليلات العصر الدولية

الوقت- استضافت العاصمة المغربية الرباط محادثات السلام الليبية يوم أمس الأحد بين طرفي النزاع في ليبيا لمناقشة سبل إنهاء الصراع المستمر منذ 10 سنوات في هذا البلد الغني بالموارد النفطية. وحول هذا السياق، كشف مسؤول ليبي في حكومة الوفاق الوطنية لوكالة أنباء الأناضول التركية، أن “هناك حاليا اجتماعات بين اللجان التمثيلية لحكومة طرابلس برئاسة فايز سراج وبرلمان طبرق برئاسة عقيلة صالح في العاصمة المغربية الرباط وفي أماكن أخرى لبحث القضايا المتعلقة بالأزمة الليبية”. وعلى صعيد متصل، قال المتحدث باسم برلمان طبرق يوم الخميس الماضي أيضا إن الاجتماع المزمع عقده في الرباط يهدف إلى استئناف المحادثات بين طرفي النزاع في ليبيا للتوصل إلى اتفاق سياسي. كما أعلنت مصادر ليبية قبل عدة أيام، أنه بالإضافة إلى القمة المغربية، من المقرر إجراء محادثات سرية أخرى في جنيف في الفترة من 5 إلى 6 سبتمبر الجاري، بحضور أعضاء برلمان طبرق وحكومة الوفاق الوطنية وهذه الاجتماعات تعتبر أول اجتماع مباشر بين ممثلي طرفي النزاع المتناحرين الليبين منذ قبول وقف إطلاق النار الشهر الماضي.

وتأتي هذه المحادثات في وقت اشتدت فيه الضغوط الدولية، خاصة من الاتحاد الأوروبي، لاستئناف المحادثات وخاصة عقب انسحاب القوات التابعة للجنرال “خليفة حفتر” في الأسابيع الأخيرة من الأراضي التي احتلتها في وقت سابق. وفي هذا الصدد، وبعد زيارة وزير الخارجية الألماني إلى ليبيا، التي استضافت بلاده قمة السلام الدولية الليبية في يناير 2020، قام “جوزيف بوريل”، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، بزيارة المنطقة والالتقاء برئيس حكومة الوفاق الوطنية، “فياض السراج” وأعضاء المجلس الأعلى للحكومة في طرابلس، وكذلك “عقيلة صالح”، رئيسة برلمان شرق ليبيا.

ولقد عُقدت هذه الاجتماعات تحت رعاية الأمم المتحدة و”ستيفاني ويليامز”، كبيرة ممثلي منظمة الأمم المتحدة في ليبيا وذلك لأن الأمم المتحدة لم تجد بعد بديلاً لـ”غسان سلامة” بسبب الخلافات بين أصحاب المصلحة حول الأسماء المطروحة لتولي هذا المنصب. ومن ناحية أخرى، يفضّل “أنطونيو غوتيريش” حاليًا عدم الانخراط في أي من السلطات التي تكون في اختيار المرشحين لهذا المنصب، خاصة وأن رئاسته تنتهي العام المقبل ومن أجل اعادة انتخابه لولاية ثانية، يسعي هذا الاخير لتجنب خلق العديد من الخلافات حول ترشيحه وموافقة معظم القوى المؤثرة في الأمم المتحدة عليه.

وفي الأسبوع الماضي، سافرت “ستيفاني ويليامز” إلى المغرب ومصر وتونس لضمان دعمهم كجيران لليبيا لمبادراتها. كما أن مبعوثة الأمم المتحدة أرادت إرسال رسائل تبعث على الأمل حول إمكانية التوصل إلى اتفاق شامل وإنهاء الجمود السياسي في ليبيا، خاصة عقب فشل الممثلين الامميين الستة السابقين. ونظرا لأنها لعبت دورًا مهماً في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين “السراج” و”خليفة حفتر”، فهي مصممه في وقتنا الحالي على أن المضي قدما في مبادرتها والتحرك للضغط على طرفي النزاع في ليبيا للجلوس على طاولة المفاوضات. ولكن على الرغم من هذه الجهود، يشكك المراقبون في النتيجة الناجحة لأي اجتماعات مباشرة في جنيف أو الرباط لإنهاء الجمود السياسي في ليبيا، خاصة عقب عدم إحراز تقدم على الجبهة العسكرية أو في ما يسمى بمحادثات “5 + 5” غير المباشرة السابقة. الجدير بالذكر أن “ستيفاني” استمعت خلال زيارتها للقاهرة يومي السبت والأحد، إلى وجهة نظر مصر، واستحسنت استمرار تأييدها للحل السياسي، طالما أنّ له أفقا في المدى القريب. واستوعبت كمَّ معلومات تلقتها بشأن المطبات والعراقيل التي يمكن أن تواجهها هذه المسيرة على المستويين الداخلي والخارجي، وبدت مصممة على مبادرتها للانفتاح على جميع القوى والفرقاء، والضغط عليهم للجلوس معا.

أبرز التحديات التي تواجه المفاوضات الليبية

دفعت الخلافات الداخلية الواسعة والافتقار إلى توافق في الآراء بين الجهات الأجنبية الفاعلة حول كيفية إنهاء الأزمة الليبية المستمرة منذ 10 سنوات، إلى الاعتقاد بأن المحادثات الأخيرة ستتم دون التوصل إلى أدنى إجماع حول القضايا الرئيسة وأن الأطراف المتفاوضة لن تستطيع التعامل مع عمق الأزمة لأن الأزمة أكبر من الحوار وكل طرف يسعى إلى الجلوس على طاولة المفاوضات بيد متفوقة. ولكن في الوضع الحالي، فإن أحد التحديات المهمة التي تواجه المفاوضات هو وجود خلافات داخلية بين طرفي النزاع في ليبيا، ما قد يقلل من إمكانية قبول نتائج المفاوضات حتى لو تم التوصل إلى اتفاق. فعلى جبهة طرابلس، يعمل “السراج” حاليًا على تعزيز نفوذه السياسي، وهزيمة خصمه وزير الداخلية “فتحي باشاغا”.

ومن جهة أخرى، اتسعت رقعة الصدع على جبهة طرابلس، حيث تحدث “خالد المشري” ، رئيس المجلس الأعلى الليبي، بعد زيارته للمغرب، عن استعداده للقاء “عقيلة صالح” دون شروط مسبقة، حيث واجهت هذه التصريحات انتقاداً حاداً لدى عدد كبير من أعضاء الحكومة الذين أصدروا بياناً عبّروا فيه عن عدم رضاهم عن تهميشهم داخل المجلس وهيمنة “خالد المشري” على المجلس ودعوا إلى استخدام مبدأ المساواة بين الأعضاء عند اتخاذ قرارات تتعلق بالبلاد.

ويقوم المجلس الأعلى للحكومة على أساس اتفاقية “الصخرات” المكونة من 145 عضوا، والذي تسيطر عليه جماعة الإخوان المسلمين ولهذا المجلس سلطة التعليق على الاتفاقيات الدولية وذلك لأنه يعتبر الذراع الاستشاري للبرلمان الليبي وهنا تجدر الاشارة إلى أن “المشري”، زعيم حزب العدالة والبناء، الذراع السياسي للإخوان في ليبيا، يترأس هذا المجلس منذ أبريل 2018. ولذلك، وبسبب الخلافات الموجودة بين الشخصيات السياسية الرئيسية في طرابلس (السراج وبشاقا والمشري)، فقد ازدادت الخلافات حول الولاء لأي خيار، بين الميليشيات، وازدادت الشكوك حول شرعية “السراج وحكومته”. ولقد تفاقمت هذه الشكوك بسبب المخاوف المتزايدة من احتمال حدوث انقلاب. والوضع مشابه على الجانب الآخر، حيث تعتقد مصادر ليبية أن “عقيلة صالح” أصبح الجبهة السياسية الرئيسية في شرق ليبيا، وأنه مصمم على متابعة الحل السياسي مع طرابلس، بغض النظر عن آراء الجماعات الأخرى. ومن المحتمل جدًا أن يتم رفض هذه الإجراءات من قبل الجيش، وخاصة من قبل جيش شرق ليبيا (الذي لم يقبل مبادرة السراج سابقًا). وهنا يشكك السياسيون الليبيون الموالون للجيش الوطني الليبي في تصرفات “صالح”، فهم يرونها نتيجة لمفاوضات لإطالة عمر البرلمان وإعادة نفس الشخصيات الإسلامية.

ولقد شن “التواني العيضة”، العضو السابق في المؤتمر الوطني العام، هجوماً لاذعاً على “صالح” عبر صفحته على فيسبوك، متهماً “عقيلة صالح” بالتآمر، حيث قال: “إما أنه لا يدرك أن ما يفعله خطير. أو أنه يقوم بمساومات لمصالحه الخاصة”. وأضاف أن “ما سيحدث في المستقبل أسوأ من أي نوع آخر من اتفاقيات المصالحة، وستكون العواقب وخيمة على المستوى الوطني. يريدون تحويل مدينة سرت إلى كشمير الليبية”. واستطرد: “ما هي حيثية مجلس الدولة الذي تحاوره؟ والذي تمنحه شرعية جديدة وسيصبح هو الجهاز التشريعي للدولة بعد انقسامكم وبعد أن اشتراكم السراج كقطيع من الماعز”. ولفت إلى أن اختيار “عصام الجهاني المصراتي” لهذه المهمة تثير ألف تساؤل فهو انفصالي تافه لا يسعى إلا لتمزيق هذا الوطن. واختتم منشوره مخاطبا “عقيلة صالح” قائلا: “اللعبة أكبر منك فقد تؤدي إلى كسر رقبتك”. وفي الختام يمكن القول أن هذه التحديات مجتمعة تؤكد أنه من غير الواقعي توقع حدوث مفاجآت ناجحة في محادثات جنيف والرباط في مشهد مليء بالاضطرابات السياسية والعسكرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى