أحدث الأخبارشؤون امريكية

مايجري اليوم في أمريكا سبق أن تنبأ به توماس فريدمان قبل ثلاثة أشهر وقد أوجزته في حديثي الأسبوعي الذي أذيع على هواء سوريانا إف إم صباح يوم السبت 9تشرين أول الماضي

مجلة تحليلات العصر الدولية - حسن م. يوسف

أحسب أنه على البشرية أن تصغي باهتمامٍ عندما يطلق شخصٌ مثل الصحفي والكاتب الأميركي توماس فريدمان، نبوءةً خطيرة كما فعل في حديثِهِ مع قناة سي إن إن قبل أيام. فتوماس فريدمان لا يلقي الكلام جزافاً لأنه من أكثر الصحفيين اطلاعاً ومعرفة لافي أمريكا وحدها بل في العالم على اتساعِه. فقد فازت تغطيتُهُ لمجزرة صبرا وشاتيلا، بجائزة بوليتزر للتقاريرِ الدولية، كما حصل على جائزة بوليتزر ثانية عن تغطيتِهِ للانتفاضة الفلسطينية الأولى. وفاز كتابُهُ “من بيروت إلى القدس” بالجائزة الوطنية لعام 1989. كما فاز عمودُهُ عن الشؤون الخارجية في صحيفة نيويورك تايمز بجائزة بوليتزر الثالثة عام 2002. وحصل فريدمان على جائزة نادي الصحافة لما وراء البحار عام 2004 للإنجاز مدى الحياة، وفي نفس العام حصل على وسامِ الإمبراطورية البريطانية من قبل الملكة إليزابيث الثانية.
يُشَبِّه فريدمان: “ما يحصل في الولايات المتحدة اليوم بما حدث في لبنان قبل نشوبِ الحربِ الأهلية، وينذر بحربٍ قد تطرُقُ أبوابَ أميركا.” وهو لا يورد نبوءَتَهُ هذه كمجردِ احتمال، بل يوردُها كحقيقةٍ يراها قادمةً لامحالة، يقول:” إن الولايات المتحدة مقبلةٌ على حربٍ أهليةٍ ثانية بشكل محتّم، ويضيف: “إن ما شاهدتُهُ في الولايات المتحدة مؤخراً يشبه كثيراً ما شاهدتُهُ في لبنان قبل نشوبِ الحربِ الأهلية”. يرى فريدمان أن “الحزب الجمهوري يعمل للحرب الأهلية بشكل حثيث حين ينزَع الشرعيةَ عن نتائجِ الانتخابات مسبَقاً في حال عدمِ فوزِ ترامب بها.” ويرى أن “الخلاصَ الوحيد من خطر الحرب ربما يكون في كسبِ ترامب ولايةً جديدة.”
وما يرجح نبوءةَ فريدمان أن الرئيسَ الأميركي دونالد ترامب قال خلال مؤتمرٍ صحافي في البيت الأبيض في معرضِ ردِّهِ على سؤالٍ عمّا إذا كان سيلتزم بانتقالٍ سلميّ للسلطة، “سنرى ما سيحدث” وقد اعتبر جوابُهُ هذا امتناعاً عن التعهّد بانتقالٍ سِلميّ للسلطة إذا خسر الانتخاباتِ المنتظر إجراؤها في الثالث من تشرين الثاني القادم، أمام منافِسِه الديمقراطيّ جو بايدن.
وقد اتهمت بعضُ وسائلِ الإعلام الأمريكية الرئيسَ ترامب بتبني المجموعاتِ العنصرية عملياً، من خلال رفضِِهِ إدانةَ العنف الذي تمارسُهُ ميليشياتُ المجموعاتِ اليمينية والعنصرية من البيض خلال مناظرتِهِ مع منافِسِهِ جو بايدن. بل طالب عناصرَ مجموعةٍ تدعى “Proud Boys” بديمومةِ نشاطاتِها، طارحاً شعار “تأهبوا واستعدوا” الذي تبنته الميليشيا فورَ انتهاءِ المناظرة، واعتبرته نوعاً من التأييدِ الرسمي لأساليبِها التي تتسم بالعنف المسلح. وقد اعتبرت بعضُ مراكزِ البحوث كلامَ ترامب السابق بمثابة إشارة لمناصريه كي يتأهبوا استعداداً للنزولِ المسلح إلى الشوارع.
وتشير سجلاتُ مكتبِ التحقيقاتِ الفيدرالي إلى أنه يوجد في أمريكا نحوُ ثلاثمئةِ مجموعةٍ مسلحة من الميليشيات اليمينية التي تلقى قسمٌ كبيرٌ من أعضائِها تدريباتٍ عسكرية داخل صفوفِ القواتِ المسلحة الأمريكية، وهي تملك معداتٍ قتاليةٍ متطورة، والعالم لايزال يذكُرُ تفجيرَ أوكلاهوما الذي نفذه عضوُ مليشيا ميتشيغان الأمريكي تيمو ثي ماكفاي عام 1995 وأسفر عن مقتلِ مئةٍ وثمانية وستين شخصاً وإصابةِ أكثرَ من ستمئةٍ آخرين.
كثيرون في هذا العالم قد يعتبرون نبوءةَ توماس فريدمان بحتميةِ وقوعِ حربٍ أهلية في أمريكا خبراً جيداً، “فأمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا” كما قال الشاعر الكبير محمود درويش. إلا أن ما يخشى هو أن يكون لتفككِ أمريكا تداعياتُهُ العالمية بحيث تغرق البشريةُ في فوضى لا عودةَ منها. فقد سبق للمؤرخ والمفكر الإنجليزي الكبير أرنولد توينبي أن قال: ” إن أمريكا مثل كلبٍ ضخم وودود، في غرفةٍ صغيرة جداً، لكنه في كل مرة يحرك ذيلَهُ فرحاً يحطم شيئاً ما من حولِهِ.”
فإذا كان ذلك الكلبُ الضخم يحطم الأشياءَ من حولِه عندما يكون فرحاً، فما الكوارثُ التي يمكن أن يقترفَها عندما يجد أنه مهددٌ بالموت!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى