أحدث الأخبارلبنان

ما هو الدليل على فساد الطبقة السياسية في لبنان؟؟

مجلة تحليلات العصر - د. احمد الزين 

يسود كل مجتمع طبقة من النخب والمفكرين والعلماء والمثقفين الذين يوحدهم وضوح الرؤية بمعرفة الحق، وامتلاكهم البصر والبصيرة والحكمة، ويجمعهم تفعيل ملكة التفكير وتشغيل محركات العقل المنير، لذا يعتقدون بوجوب تبيان مفاسد المارقين وتوعية وتحذير الناس العاديين بمخاطر وخطورة الاعيب الظالمين واساليب الفاسدين… الذين عاثوا في الارض ظلما وجورا ونهبا وفسادا…
لذا تتحمل طبقة النخب مسؤولية دينية وأخلاقية وإنسانية لكشف الحقائق وإسدال ستائرالجهل بالمعرفة والعلم على العوام. فهم يعملون كخلية النخل في تفريغ الافكار وتوجيه الآراء وتصويب النقد والانتقاد بكل جدّ وقدرة واقتدار، على اسس العقل والمنطق وتقديم الدليل بكل افتخار وانبهار، ولا ينطقون ببنت شفةٍ او كلمة ولا ينشرون ملفا او مقالا إلا والادلة والحجج والبراهين أمامهم علانية وجهار، ولكن يصعب على العوام او الناس البسطاء الذين يؤلهون الزعيم ويتباركون بطلّته، وتعمى الابصار عن علّته، ان يصدقون كذب مقولته وشرّ فعلته وخبث حيلته…
اليس نؤمن بالله العلي القدير ولم نراه، وأشهدنا بان محمدا رسول الله (صل الله عليه وآله) ولم نلتقي به… لأننا آمنّا بالدليل المقروء كلام القرآن وآياته البينات بالعقل والمنطق والافتكار، وآمنّا بالدليل المرئي امام هذا الكون الفسيح بالنظر والتحسس والتأمل والاعتبار..
لذا نعتقد بوجود الخالق البديع بالدليل العقلي والدليل الحسي من خلال الموجودات والمخلوقات حولنا… وقياسا: وجود البعرة تدل على البعير، واثار القدم تدل على المسير، هذه امثلة تضرب في التيقن واليقين والتصديق المبين كما يفهمها الاعرابي البسيط… فكيف باصحاب العقول والنخب والفحول.. وقد تقرر في العقول ومنطق الاصول ان الموجود لا بد له من سبب لوجوده، وهناك مسبب لوجوده.. وهذا ما يدركه راعي الابل في الصحراء والبدوي الجاهل الذين يوقنون بالاثر والاثار، وبوجود الجبال والوديان والانهار، والسماء ذات ابراج والارض ذات فجاج، الا تدل على العليم الخبير والخالق البصير والمبدع المصوّر الكبير… حيث قال الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ..} (فصلت-53).
وكذلك اصحاب العقول والنخب الفحول الذين يدركون ويشاهدون الطبقة السياسية من بيدهم مقاليد الحكم والسلطة اولياء الطاغوت يحكمون بالجور والجبروت كما فعل الملك جالوت، وهذا دأب الملوك عبر التاريخ والحُقبات، وهم يبنون الامجاد والشهرة واعالي القصور وافخم البيوت، وهم يملكون مفاتيح المناصب والثروات، وابرام الصفقات، وقبض ثمن التعيينات، وهيمنة الواسطات، وكهّان الزعامات، وفتح مغارات علي بابا وفرض الاتوات.. الا يكفي هذا الإستشهاد وهذا البرهان على بغي وعتو السلطان بالدليل العقلي والمنطقي مما يدل على فساد الجلاد ونهب البلاد وغبن العباد، وعلى وجود عبث ورفث وتفث، وهدر واهدار، {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ} (ابراهيم-28).
اما الاستدلال على فساد الطبقة السياسية بالدليل الحسي هو ما نتلمسه من ظلم وهضم الحقوق وانحدار، وما نراه من هندسة مالية على ايدي اشرار، والتلاعب بسعر صرف الليرة والدولار، وتهريب الاموال المنهوبة الى بلاد الكفار، وهم يكنزون الذهب والفضة والدينار، بالحرص الشديد والإكتناز والإدخار، وهناك زيادة واكثار من تلك الطبقة السياسية الفجّار، الذين اصبحوا اصحاب شركات وابنية وملايين وكذا مليار، وهم يحاضرون بالوطنية والعفة كـقصة “عفاف العاهرة – 1958” ، حيث ساد خطاب العهر السياسي في ثياب الكهنة الطّهار..
تلك طبقة اللصوص الذين اوصلوا الوطن الى شفا الهاوية والانهيار، والشعب الى الجوع والفقر والافتقار، هؤلاء مصيرهم العقاب والوعيد الشديد كوضوح النهار، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم بالنار، ذلك من عبر وقصص انباء السلف والنبي المختار، حيث قال من حديث شريف (في الإسلام لا ضرر ولا ضرار)، وهم لا يزالون يعاندون وينكرون ويضرون {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (الماعون-7)، ويؤخّرون الغوث والإغاثة، ويرفعون دعم لقمة العيش والمؤنة، ويقطعون الدواء والإعاشة، في زمن الازمات المعيشية والاجتماعية والصحية وتفشي وباء كورونا، والفقير والمسكين والمريض ليس له من ناصر او معين او مغيث!! وفوق ذلك لا يزالون متمسكين بكراسيهم ومفاصل السلطة والمال والنفوذ، ومستمرين بالتسلق والتعالي والاستعلاء والاستثمار بالغلاء والاحتكار، وهم فاقوا بذلك طغيان وبغي “قيصر” االروم الامبراطور، وتجبر والوهية “فرعون” مصر الجبار..
وعليه، فان الحلّ يكمن في بناء دولة مدنية قوية عادلة بعقد سياسي جديد وعصري، بحكم ساسة عقلاء حكماء شرفاء نطيفي الكف والسيرة كرموز لثورة التغيير المنشودة. وكل الظروف والمعطيات تستبطن في طياتها باننا في نهاية المطاف قادمون على اعتاب ثورة شعبية وطنية غير طائفية عابرة للطوائف والاحزاب والعائلات الحاكمة، تعمل على تغيير ثقافة تآليه الزعيم، وعدم تقديم مصلحته كفرد على مصلحة الوطن كشعب، وتناضل من اجل اسقاط تلك الطبقة السياسية الحالية المارقة، وتردع طبقة زعماء الطوائف الجاحدة من وضع خطوط حمر على الفاسدين، وكل من ينادي بالتطبيع والانتداب والوصاية والحياد، وتبدأ بمحاكمتهم عند قضاة عادلين مستقلين، ووضع المحكومين المتورطين بالسجن، وتباشر بعملية استعادة الاموال المهرّبة والمنهوبة، وتستعيد الحكم ليكون بايدي الشعب الثائرين، على قاعدة الشعب مصدر السلطات والحاكمين. ولكن من تاريخ لبنان الكبير وتجربته المئوية، نتوقع ونستشرف الواقع بان هذا الانقلاب الواعد لن يتحقق ابدا الا في اساطير المنظّرين واحلام الطامحين والمودعين من المقيمين والمغتربين، ممن خسروا اتعابهم وثرواتهم على مدى العقود والسنين، وتبخرت اموالهم وودائعهم في بنوك الشياطين، الذين شاركوا وتآمروا مع امريكا على سرقة شعب ووطن، كما تآمرت بريطانيا و”إسرائيل” على سرقة وطن فلسطين.
هكذا هو لبنان!! حكاية بلا نهاية ويطول البيان، وللحديث تتمة طالما في العمر بقية!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى