أحدث الأخبارالعراقمحور المقاومة

متى يخرج العراق من البند السادس من بنود الامم المتحدة

مجلة تحليلات العصر الدولية - المهاجر

كان إخراج العراق من بند من بنود الامم المتحدة وإبقائه في بند آخر جريمة سياسية لم تكن لولا التلاقح بين التآمر الاقليمي والداخلي العراقي مع كارثة الأمية السياسية للوزارة العراقية التي كانت تدير الدولة العراقية وخصوصاً خارجيتها أيام اخراج العراق من البند السابع. فدولة القانون هي من كانت تبحث عن مجد تغطي به الكثير من جهلها السياسي. وهي لم تكن تعلم على مايبدو كوارث ما بعد الخروج من البند السابع والبقاء في البند السادس. والخارجية العراقية التي كانت بيد الأكراد كان جلّ هدفهم ولايزال هو كوردستان اقوى وحكومة مركز ضعيفة تنساق لإرادة القادة الكرد. إبقاء العراق تحت البند السادس هو بقائه بلد منقوص السيادة لا يمكن له التحرك سياسياً او السير في خطوة ستراتجية دون موافقة الأمم المتحدة او القوة العظمى المحتلة، رغم ان البند السادس يخص الديون بين العراق والكويت والارشيف الكويتي والمفقودين. لقد توهمت الكتلة السياسية المسيطرة انذاك على عجلة ماكنة الدولة والفاسدين فيها او بين قوسين كتلة دولة القانون بجناحيها الفاسدين السياسي والإداري ان خروج العراق من البند السابع وبقائه في البند السادس من بنود الامم المتحدة هو انجاز سياسي تاريخي نال به العراق استقلاله واصبح كامل السيادة في اتخاذ قراراته حاله حال اية دولة أخرى في العالم. خروج العراق من هذا البند السابع لم يكن الا دعاية اعلامية استثمرها بنجاح الممتهنين للسياسة حديثا.

العالم اليوم ما بين شرقه وغربه محاط ببراميل بارود قابلة للإنفجار بإطلاقة طائشة من أي طرف في النزاع لتتحول إلى حرب كونية ثالثة قد يلجأ المتحاربين فيها الى استخدام السلاح النووي لمنع إنتصار الآخر. الإعلام المسموع والمقروء يقول اذا كان هناك تحشيد روسي للسلاح النووي في شبه جزيرة القرم وعلى الحدود المتاخمة لأوربا والقواعد الروسية في سوريا فلابد ان يكون الجانب الاطلسي هو الاخر قد حشد بسلاح مشابه. فدخول ٤٢ قطعة حربية بحرية من حلف الاطلسي مابين حاملة طائرات وبارجة مدمرة وفرقاطة بكامل تجهيزاتها الحربية في البحر المتوسط في الأمس القريب محاصرة القواعد الروسية في طرطوس واللاذقية ليس هو تواجد للنزهة السياحية إن لم يكن تواجدها بقرار سياسي. الحرب بإستخدام السلاح النووي هو أمر وارد بعد أن صرح الرئيس ترامب في السنة الاخيرة من رئاسته ان اللجوء للسلاح النووي امر مطروح، مقابل صدى له في رد بيوتن ان الرد الروسي سيكون سريع وقاسي اذا تجاوزت امريكا الخطوط الحمراء.

لم تأت بريطانيا بشيء عبث حين دخلت الحرب سنة ٢٠٠٣ الى جانب امريكا لإسقاط نظام صدام حسين عندما كان حزب العمال يدير ماكنة الدولة البريطانية بزعامة رئيس الوزراء توني بلير رغم أن الإحتلال الامريكي للعراق كان بمثابة شد أعصاب بين الدول الكبرى شرق العالم وغربه ورغم المظاهرات المليونية التي جابت شوارع لندن استنكارا للحرب. فهي حين دخلت الحرب ربما كانت على علم بخواتيم الامور. وإذا قارنّا الإحتلال البريطاني للعراق بعد سقوط الدولة العثمانية نراه لا يشابه الإحتلال الأمريكي بعد اسقاط نظام البعث. فالإحتلال الأمريكي هو إحتلال تدميري توراتي أخضع العراق الى نوعين من عمليات الهدم الممنهج. الأول عالمي وإقليمي يقوده اصحاب القرار في الإدارة الأمريكية مع قادة عرب عملاء يمنع بناء العراق مرة أخرى رغم ان بناءه مسؤولية اخلاقية على المحتل الامريكي حسب قوانين الامم المتحدة. والثاني داخلي يعتمد على الفساد المالي والإداري للكتل السياسية من كل الأطياف العراقية وخصوصاً الشيعية منها التي قادت العملية السياسية خلال ثمانية عشرعاما.ً

زيارة وزير الخارجية البريطانية قبل اسابيع الى العراق متزامنة مع سحب الكونغرس الامريكي لتخويل الحرب في العراق من رئيس الولايات المتحدة الامريكية يعطي رسالة سياسية مشفرة ربما لا يدركها السياسيون من قيادة الكتل السياسة العراقية. فهُم والحق يقال: اذا كان ادراكهم قد عجز في الأول عن قراءة النوايا الامريكية الحقيقية لإحتلال العراق فهل نما الذكاء عندهم مؤخراً (بمعجزة) ليدركوا ما تنويه امريكا من ترك العراق.  امريكا، قائدة المعسكر الغربي بشقيه السياسي والعسكري، بات تواجدها في أفغانستان ومنطقة الشرق الأوسط لا يزيد في قوتها شيئاً بقدر ما تزداد عبئا من هذا التواجد.  فقواتها تكاد ان تكون محنطة لاتفعل شيء في قواعد بلدان الشرق الأوسط مقابل اعادة نشرها في مناطق خطر زحف التنين الصيني وعودة الدب الروسي كقوة في صناعة القرار العالمي. التحشيد الروسي العسكري مدعما بمختلف الأسلحة، حتى النووية في شرق اوكرانيا وشبه جزيرة القرم وسوريا وكذلك التواجد الصيني النووي في بحر الصين والمحيطين الهندي والهادي جعل من امريكا فزعة لابد ان تبادر بإتخاذ الخطوات الإستباقية مع الفرقاء الأطلسيين لمواجهة الزحف الصيني والروسي نحو الغرب والشرق. فتصريح الرئيس جوزيف بايدن ليس ببعيد عن هذا الزحف حين قال: ان الصين سوف تمتلك امريكا في عام 2035. وأمريكا التي في حالة إنسحاب من أفغانستان وإن يكاد بطيئاً فهي تاركة نظامه السياسي ورجاله فريسة لطالبان حال اتمام انسحاب اخر جندي امريكي.  اما في الشام، ومن ضمنه سوريا، الذي كان تحت الإنتداب الفرنسي فإن الجيش أو القيادات العسكرية الفرنسية التي استعادت قوتها في رسم السياسة الخارجية واتخاذ القرار الاستراتيجي بعد أن وضعه الرئيس ساركوزي بيد أمريكا من قبل تمنع الرئيس الفرنسي ماكرون من الإنجرار خلف الإدارة الأمريكية. ولعل الصفعة تلقاها (ماكرون) مؤخرا من شاب كان في استقباله هي ربما رسالة تحذيرية أرسلها العسكر للرئيس ماكرون قبل فوات الأوان.  اما الخروج الامريكي من العراق فهو غير الخروج من أفغانستان.  فالعراق هو بفضل القائد الضرورة (صدام حسين) بلد بات منقوص السيادة منذ 1990. وطالما هو خاضع لبند من بنود الامم المتحدة فهو دولة غير مستقلة على العكس من افغانستان. ومهما كانت اهمية البند فلابد من دولة عظمى تمثل الامم المتحدة تتولى امر السياسة في العراق حتى خروجه من البند السادس ليعتبر دولة ذات سيادة كاملة.  فليس من السهل اي تغيير عسكري او جماهيري يمكن الاعتراف به عالميا ما لم تعترف به الامم المتحدة. لذا في العراق تبدو المسألة تختلف تماما. الخروج الامريكي من العراق ليس معناه الخروج من البند السادس بل لا بد ان يكون مصحوبا بوضعه تحت وصاية بلد من البلدان الخمسة الدائمة العضوية في الامم المتحدة عدا روسيا او الصين، في نظر امريكا. ولا نخطأ القول اذا قلنا ان هناك مشتركات بين بريطانيا وامريكا. فهما تشتركان في اللغة والسياسة الخارجية والنظام الاقتصادي والتاريخ.  بريطانيا هي اقرب من اية دولة عظمى الى امريكا. كذلك فان بريطانيا صاحبة خبرة وباع طويل في بناء وادارة العراق سياسيا في التاريخ الحديث امتدت لعقود بعد سقوط الدولة العثمانية. فإذا كانت امريكا ربما استصوبت الوجود البريطاني مستقبلا في العراق كدولة عظمى  للاشراف على سياسته بعد خروجها منه فهل هذا الاستصواب سيكون وديعة ام خديعة امريكية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى